قرأت في هذا الأسبوع واحدة من الروايات التي تستحق القراءة. رواية تضيىء مناطق جديدة من مناطق المعرفه لدى القارىء،لأنها تصطحبه في رحلة زمنية تستعرض فيها مأساة العراق بين الخلاص من صدام بدعوى وجود أسلحة نوية وبين الخراب الذي حل بالبلاد نتيجة لهذه الحرب وليس نتيجة للتحرير من صدام كرئيس وطاغية. كثير منا نعرف ما حدث في العراق. عاصرناه ورأيناه على الشاشات وتابعناه في نشرات الأخبار، ومازلنا نرى بلد ممزقة تحاول أن تعود إلى قوتها إلى كفايتها لذاتها لحضارتها وتاريخها وقد رأينا بأعيننا الآثار التي تم تحطيمها وقبور الأنبياء بها والقطع الأثرية النادرة التي تم تهريبها للخارج.
رأينا الفرح والدموع. الأحلام التى تحولت إلى كوابيس بعد دخول القوات الاجنبية إلى العراق ولم تحل جميع المشكلات لمختلف العرقيات الموجودة بالعراق من أكراد وسنة وشيعة وأزيديين وصابئة. هذه الرواية الجميلة تقرأ لنا ما حدث من وجهة نظر مختلفة لأنها وجهة نظر جندي أمريكي من جنود قوات الاحتلال حاول قراءة المشهد بشكل موضوعي بعد أن شاهد زميله وهو يطلق النار على رأسه وينتحر وكيف كانت القيادة الأمريكية تتعامل مع مثل هذ الأحداث وكيف تصل القصة إلى ذويهم بأمريكا.. هذا الجندي يناقش رؤساءه ويتراجع ويترك السلاح ويذهب إلى الجنوب يقضي أوقاتا في الحسينية ويشهر إسلامه.
من خلال الرواية نتعرف على مدى الدمار ودور المخابرات في التعذيب والاغتيالات. والأطياف الدينية والسياسية المختلفة في الأحياء العراقية للسنة والكولية ونزوح الأكراد للجبال، الاحتقانات العرقية والمقابر الجماعية التي يتم العثور عليها اختطاف النساء وقتلهن والخراب وعدم الأمان حتى في الفنادق وحظر التجول وانقطاع الكهرباء والجوع. ويذكر في عجالة سجن بوغريب دونما ولوج إلى مآسيه وفظائعه ربما لأننا جميعا نعرف. رأينا وشاهدنا وكدنا نجن مما كان يحدث للضحايا فيه. تطوف الرواية بالقارىء في التاريخ أصل تسمية مدينة بغداد ومعناه. هارون الرشيد.. ليس هذا فحسب ماتأخذنا إليه الرواية وإنما تعرج على الحرب العراقية الايرانية التي وقعت في 1981، ومنها ينتقل إلى البعثة الأمريكية التي تذهب للناصرية حيث الهور وسكانه وطبيعة حياتهم التي تغيرت وتغيرت معها البيئة بحيواناتها وطيورها ونباتاتها. المستقنعات التي جففها صدام والممتدة لمسافة قد تصل إلى 20 ألف كيلو مربع، والتي سبق وأن أرسلت الأمم المتحدة في الزمن السابق مبعوثين لأقناع صدام حسين بوقف خطته لتجفيفها، لكن الرئيس العراقي الراحل لم يعيرهم أي اهتمام، وحذرت الأمم المتحدة من مشروع التجفيف ووصفته “إحدى أكبر كوارث التاريخ البيئية وأشدها جنونا".
و حينما جاء الحل بعد جهد جهيد جاءهم بالذرة لا بالأرز لزراعتها وهو ما خيب آمالهم. الكثير والكثير بالرواية التي كتبها الدكتور محمد طعان وهو طبيب لبناني. صدر له خمسة كتب وكان كاتب سيناريو قبل أن يتحول إلى كاتب روائي “لاجئي بيشاور” و”نوستالجيا”، والرواية التي نتحدث عنها وهي “سيد بغداد” التي كُتبت بالفرنسية، وترجمت إلى العربية.
إذا كان للأدب أدوار عديدة في الحياة فابرزها على الإطلاق هو أن نتأمل العالم ونعي موقعنا منه ومما يجري فيه من أحداث لنتعلم ويزيد وعينا بحاضرنا وتمسكنا بهويتنا وحفاظنا على وطننا. هذه الرواية جديرة بالانتباه لأن لغطا كبيرا كان يسود حينما كنا نقول انظروا إلى الدول من حولكم، وحافظوا على مصر.