صفوت عطا الله يكتب: من قلبي سلام لبيروت

صفوت عطا الله يكتب: من قلبي سلام لبيروت
صفوت عطا الله يكتب: من قلبي سلام لبيروت

انفجار ميناء بيروت كارثة وفادحة ومدمرة رهيبة بكل المقاييس وفاجعة إنسانية وفضيحة مكشوفة أسقطت كل الأقنعة عن نظام فاشل فاسد ساقط وكشفت عن وجوه كالحة انعدمت ضمائرهم وفقدت أدميتهم وإنسانيتهم ولا يستحقوا وجودهم في مواقع المسئولية أو الزعامة أو السلطة لأنهم للأسف الشديد يتحملون المسئولية الكاملة عن أفعالهم وجرائمهم في قتل وتدمير بلد بكامله سواء كان بقصد أو إهمال وتقصير وتراخي.

يوم الثلاثاء الرابع من أغسطس 2020 يتم الإعلان عن حدث مروع وانفجار مدمر يضيف لتاريخ لبنان الحبيب آلام وأوجاع ومرارة وأحزان بحيث لم يكتفي من الأزمة المالية الطاحنة أو الضائقة الاقتصادية والانهيار التام للعملة وجائحة كورونا المميتة حتى يأتي الانفجار المدوي بالمخزن رقم 12 المكدس بكميات هائلة من نترات الأمونيا تقدر بحوالي 2750 طن كأنه قنبلة ذرية تضاهي قنبلة هيروشيما ونجازاكي أو زلزال بحجم 4.5 ريختر تم الشعور به حتى في جزيرة قبرص التي تبعد عن بيروت 250 كيلو متر ودمر مرفأ بيروت بالكامل وأحدث تلفيات وخسائر بالبنية التحتية في محيط ثلاثة كيلو ميترات طالت نصف العاصمة بيروت ومبانيها ومنشآتها وسياراتها هذا بخلاف عشرات القتلى والجرحى والمفقودين وآلاف المشردين حيث قدر عدد القتلى 177 قتيل وعدد 30 في عداد المفقودين وأكثر من 6000 جريح ومصاب بعضهم حالته حرجة هذا بخلاف ثلاثة مائة ألف شخص في عداد المشردين بلا مأوى أو سكن.

ومهما تم تقديم تبرعات أو مساعدات أو إمدادات ومستشفيات ورجال إنقاذ لن يمنع أو يقلل من حجم الكارثة التي تنذر بضياع وطن كامل وتدمير شعب طيب ومسالم ومميز ومشهور بين العالم العربي بتميزه ووصلت سمعته إلى العالم الخارجي باعتباره من أوائل الشعوب التي هاجرت للعالم الجديد بأميركا واستراليا وكان لهم تأثير إيجابي في الحياة العامة والخاصة والثقافية والعلمية والسياسية ولكي نفهم ما حدث في لبنان علينا البحث والتحليل والرجوع عشرات السنين وبالتحديد في سبعينيات القرن الماضي حتى نعرف مدي تحمل هذا الشعب اللبناني ويلات الحروب الطائفية والصراعات الدينية والمذهبية والسياسية والتدخلات الأجنبية والمؤامرات الإجرامية والاحتلال الغاشم سواء كان من إسرائيل أو من سوريا خلال فترات من الزمن خلاف أعمال الإرهاب والبلطجة من بعض أبنائها كحزب الله الشيعي الممول من إيران الخميني أو ما يفعله الفلسطينيون النازحين إليها، أو الصراعات التي نشأت بين أبناء الطائفة الواحدة مثل المارونيين حيث الكل يبحث عن مصلحته الشخصية والبحث عن المناصب الصورية الزائلة هكذا يبدو الموقف العام والمشهد المأسوي المحزن والكبت في نفوس الشعب المطحون الذي أنفجر في صورة مظاهرات غاضبة واجتياح عارمة ومصادمات دموية أدت إلى اقتحام وزرات الخارجية والاقتصاد والطاقة والبيئة والاعتصام بساحة الشهداء بالأشرفية وسط بيروت للمطالبة بالتغيير الشامل لكل الطغمة السياسية ومحاسبة المسئولين المباشرين منهم على التقصير والإهمال وتحت الضغط الشعبي تم إسقاط الوزارة بخلاف الإعلان عن استقالة بعض النواب والمطالبة بانتخابات مبكرة.

هنا بدأت المناورات والمؤامرات والتحليل والتبرير والتأويل المعتاد من القوى السياسية والأحزاب والصراع بين مؤيد ومعارض والجدل العقيم والتصريحات بين التبرئة والاتهام يبقى حجم الكارثة والمصيبة والفاجعة هي الفيصل والحكم والمسيطر على مشهد معظم الشعب اللبناني يزيد من همومه وآلامه وأوجاعه وأحزانه ودموعه على بلده الجميل المنهار المدمر المنتحر يحاول إصلاح ولملمة جراحه والنهوض والتعمير عقب كل حرب أو كارثة أو اعتداء عليه.

قصة لبنان الجميل

لبنان دولة صغيرة تقع على البحر الأبيض المتوسط بطول 225 كيلومتر تضم العاصمة بيروت والمدن الساحلية طرابلس وصيدا وصور وتبنين والنبطية ويحدها من الشرق والشمال سوريا بطول 375 كيلومتر بينما تحدها إسرائيل من الجنوب بطول 79 كيلومتر ومساحتها الكلية 10452 كيلومتر مربع ويبلغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة وربما مثلهم مهاجرين في بقاع العالم كله، وربع عدد السكان تقريباً يعيش في العاصمة بيروت، ولبنان تتمتع بمناخ البحر المتوسط وتضاريسها تتنوع بين السهول الخضراء والمرتفعات الشاهقة المكسوة بالجليد في الشتاء والمميزة بشجر الأرز مما يجعلها مصيف ومشتى عالمي وحيث تعتبر السياحة المصدر الرئيسي للدخل والاقتصاد القومي.

يسكنها أغلبية مسيحية معظمهم من الطائفة المارونية والتي تقدر بنسبة 36% من عدد السكان بالإضافة لبعض الطوائف المسيحية الأخرى بينما يقدر عدد المسلمين سنة وشيعة بحوالي 57% من عدد السكان وتمثل طائفة الدروز ما نسبته 5% من عدد السكان والباقي مكونات من سوريا وفلسطين وأجانب.

ينتمي الشعب اللبناني إلى حضارة عريقة ترجع إلى الحضارة الفينيقية ثم توالت عليها الحضارات الأشورية والبابلية والفرعونية والإغريق والرومان والبيزنطيين ثم العرب والعثمانيون والفرنسيين.

وحسب اتفاقية سايكس بيكو تم أنشاء دولة لبنان كدولة عربية ذات أغلبية مسيحية ونالت استقلالها في 22 نوفمبر 1943م ومن الدول المؤسسة للجامعة العربية عند إنشائها ونظامها جمهوري حسب التركيبة الدينية والتعايش السلمي التوافقي على أن يتم توزيع السلطات والمناصب على الطوائف الرئيسية الثلاث فيكون رئيس الجمهورية ماروني ورئيس الحكومة سني ورئيس البرلمان شيعي مع إعطاء بقية الطوائف ( 18 طائفة ) حصص حسب حجم كل منها وكان واضحاً في أول الأمر ( العصر الذهبي ) سيطرة كاملة في القيادة العسكرية والاقتصادية والإدارية للطائفة المارونية برعاية كاملة من دولة فرنسا بل وفي معظم المجالات العلمية والأدبية والفنية والثقافية منذ استقلال لبنان عام 1943 وحتى 1958 التي بدأت معها الأزمات والمشاكل، وكانت لبنان الدولة الوحيدة التي لم تحتل إسرائيل جزء من أراضيها عام 1967 نظراً لامتداد معاهدة الهدنة الموقعة بينهم عام 1949 بينما استولت إسرائيل على أجزاء من مصر وسوريا والأردن وضياع القدس العربية وكانت حدود لبنان هادئة تماماً حتى دخلها الفلسطينيون في أعقاب نكسة 1967 وظهور أعمال المقاومة والاعتداء أولاً ثم تولي بعد ذلك إنشاء حزب الله الشيعي أعمال مقاومة إسرائيل وتحول الأمر إلى حروب وصراعات وكر وفر واحتلال ومناوشات مستمرة وتغير شكل لبنان الجميل الطيب إلى كابوس من جراء التدمير والاحتلال والحروب من الأنواع والأشكال.

مسلسل الحروب والأزمات في لبنان

بدأت لبنان تعرف الأزمات والمشاكل والصراعات بداية من عام 1958 وتعتبر أزمة داخلية بين فريقين أحدهما مؤيد والآخر معارض لوحدة مصر وسوريا أو تكوين حلف بغداد مما دفع الرئيس كميل شمعون لاستدعاء الأسطول السادس الأميريكي ليرسو في ميناء بيروت وهو الأمر الذي وضع لبنان في خانة الخيانة العربية، وبعد نكسة 1967 بدأ نزوح بعض الفلسطينيين على لبنان وجنوب لبنان تحديداً ليكون قاعدة انطلاقهم للأعمال الفدائية والهجوم على إسرائيل وهو الأمر الذي سبب أزمة 1969 بين الجيش اللبناني والقوات الفلسطينية انتهت بضغط عربي لتنازل لبنان عن جزء من سيادتها للمقاومة الفلسطينية حيث كانت نقطة بداية الانهيار وسقوط هيبة الدولة وعجز سيطرتها على كامل التراب الوطني.

وفي عام 1975 وعلى مدار عامين نشبت حرب طائفية بين المسيحيين من طرف والفلسطينيين وحركات إسلامية مؤيدة لهم من جهة أخرى خاصة حركة أمل الشيعية والحزب التقدمي للدروز وأنقسم الشعب اللبناني إلى آتون الصراع الذي انتهت جذوته باتفاقية الطائف بالسعودية واقتسام الحكم بين المسيحيين والمسلمين.

في عام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان واحتلت بيروت ودمرت البنية التحتية في محاولة منها لإيقاف المقاومة الفلسطينية ومحاصرة ياسر عرفات وهو الأمر الذي انتهى بخروج القوات الفلسطينية من لبنان وتقويض حركتي أمل الشيعية والحزب التقدمي الدرزي.

ثم حدث أن تم اغتيال الرئيس المنتخب "بشير الجميل" ليتولى شقيقه أمين الجميل رئاسة الجمهورية اللبنانية وتصفية حركة أمل الشيعية وظهور حزب الله الشيعي المسلح من قبل إيران باعتباره قوة مقاومة جديدة وتؤيدها سوريا التي أحكمت سيطرتها على لبنان منذ عام 1990 وحتى عام 2005 الذي انتهى باغتيال آخر لرئيس وزراء لبنان رفيق الحريري وتم توجيه الاتهام صراحة إلى حزب الله وتحويل القضية إلى المحكمة الدولية للفصل فيها.

وفي عام 2006 حرب أخرى وهجوم كاسح على بيروت الجنوبية مقر قيادة حزب الله الشيعي.

عام 2007 معارك نهر البارد التي وقعت بين الجيش اللبناني ومخيم اللاجئين الفلسطينيين شمال مدينة طرابلس وحيث انتهت باحتلال المخيم عام 2008 وإبرام اتفاقية الدوحة لإنهاء الصراع السياسي وفك اعتصام المعارضة في بيروت والاتفاق على انتخاب رئيس جديد وإقرار قانون انتخاب البرلمان والالتزام باتفاقية الطائف والتعايش السلمي حسب الدستور اللبناني.

مما سبق يتضح أن حزب الله الشيعي بقيادة حسن نصر الله هو القوة الكبرى المسيطرة على المشهد اللبناني ويمارس كل أعمال البلطجة والتدخل المباشر في الحياة السياسية وأن الشرط الأساسي لعودة لبنان كسابق عهده لابد من نزع سلاح حزب الله وتمكين الجيش اللبناني من السيطرة على كامل التراب اللبناني وتحرير لبنان من سطوة وجبروت الحزب الشيعي المدعم من إيران.

أسباب واحتمالات انفجار بيروت

يلاحظ هنا كلما زادت الاحتمالات وزاد التحليل وطالت مدة التحقيق يزيد ذلك من تعقيد الأوضاع وضياع حقيقة الانفجار وبين مؤيد ومعارض تتولى جهود دولية التحقيق وربما التلميح مبكراً عن الأسباب يجعلها قضية بلا متهمين وتضيع الحقوق وتوجيه المسئولية لأشخاص لا وجود لهم خاصة وسط أخبار فقدان مستندات وأوراق القضية أصلاً:

أولا - فريق يتبني توجيه الاتهام مباشرة إلى أسرائيل ومؤمن بنظرية المؤامرة ويحاول التلميح بسقوط صاروخ إسرائيلي على المخزن أولاً ثم جاء التفجير الكبير بعده مباشرة بعشرة دقائق ويرجع السبب لعدم إعلان إسرائيل مسئوليتها عن الحادث هو كبر حجم الكارثة والخسائر المدمرة والأرواح التي زهقت وحجم المشردين وربما يؤكد هذا السيناريو ما قاله الرئيس الأميركي "ترامب" عقب الانفجار أنه هجوم مباشر أو بفعل قنبلة.

ثانياً – توجيه الاتهام مباشرة إلى حزب الله الشيعي وزعيمه حسن نصر الله هو وراء الانفجار خاصة وقد أذيع مقطع يوضح سيناريو مشابه وطريقة تفجير مخازن النترات الموجودة بميناء حيفا الإسرائيلي وإحداث تلفيات وقتلى بالعشرات كأنه يعلم ويعرف مسبقاً بالتفجير ولكنه كان في ميناء بيروت وليس حيفا.

أمر آخر مريب وهو أن يحدث التفجير قبل إصدار المحكمة الدولية بعدة أيام فقط حكمها في قضية اغتيال رفيق الحريري والمتهم فيها أربعة من قيادات حزب الله خاصة بعد أن أستمر التحقيق 15 عاما ملأها الخوف من توجيه الاتهام مباشرة لحزب الله وإلحاق الضرر به في ذلك الوقت بالأوساط العالمية.

ثالثاً – رأي ثالث يقول بأن الانفجار رغم قوته إلا أنه بسبب كمية صغيرة لا تتجاوز 300 طن من نترات الأمونيوم بالرغم من أن حجم المادة التي كانت مخزنة كانت يصل حجمها إلى 2750 طن معنى أن هناك كميات مسربة أو مسروقة من الكمية الأصلية ولإخفاء معالم السرقة يقوم المسئول أو أمين المخزن بإحداث الحريق لضمان عدم المسئولية أو البحث عن المستفيد من النترات المسروقة والمخزن تحت سيطرة حزب الله.

رابعاً – قصة عقيد الجمارك جوزيف سكاف طالب منذ فترة بإبعاد تلك المواد المتفجرة من مخازن الميناء ولكنه بعد ذلك وجدوه مقتولاً في ظروف غامضة أمام منزله نتيجة سقوطه من ارتفاع ثلاثة أمتار عام 2017 وأختلف الطب الشرعي في تحديد أسباب الوفاة لوجود كدمات في رأسه واعتبار موته قضاء وقدراً وعندما سلط أحد الصحفيين الأضواء على الحادثة تم تهديده بالاغتيال والتصفية الجسدية.

خامساً – بعض الخبراء أوضحوا بأن نوعية نترات الأمونيوم تفقد خصائصها بعد مرور ستة أشهر وأن تلك الكميات مخزنة منذ 6 أعوام وتصبح غير قابلة للانفجار ما لم يكن هناك توجيه فتيل اشتعال أو خلط بمواد أخرى إضافية تساعد على الاشتعال وهو ما يؤكد أن الانفجار حدث بفعل فاعل ومقصود.

قصة شحنة نترات الأمونيوم

قصة وصول شحنة نترات الأمونيوم طويلة مملة ووهمية وخيالية ولا يصدقها أحد بدأت منذ تصنيعها في أحد المصانع بجورجيا والعلامة التجارية أصلية وغير مزيفة وصاحب الشحنة والشركة التي تولت تجهيزها ولم يتم الاستدلال على مكانها وأصحابها والسفينة التي حملت تلك الكميات والجهة طالبة الشحنة في موزمبيق وهي مجهولة غير معروفة وتحويل مسار السفينة والتوجه بها إلى مرفأ بيروت بحجة تحميل شحنة أخرى وعدم سداد الرسوم أو وجود أعطال بالسفينة وعدم قدرتها الإبحار مرة أخرى ورسوها في مرفأ بيروت ومصادرة الشحنة لصالح مرفأ بيروت وتخزينها في مخازن الميناء وعدم القدرة على بيعها أو التصرف فيها لمدة ستة أيام إلى أن غرقت السفينة وهروب بحارتها وعودتهم لبلادهم وبقاء الوضع مرهون ولا يعلم أحد عنها شيئاً يزيد الشك والريبة وإشاعة ضياع المستندات والأوراق الخاصة بالشحنة وعدم الاستدلال عن جهة الصنع أو بلد المنشأ أو المالك الحقيقي والمشتري الحقيقي أغلب الظن أكبر وأعقد وأصعب أن تتولى جهة محايدة قضائية الفصل فيها وتشعب المسئولية وتوزيع الاتهامات يصبح من المستحيل الوصول إلى إجابات واضحة وإلقاء التبعة على متهمين حقيقيين ومحاسبة ومحاكمة الفاعلين يحول القضية لأمر محير وغريب وشائك.

سؤال: هل المطالبة بالتغيير خاصة في الدول العربية يدعو إلى إحداث كل هذه الأفعال والإنفجارات بمثل ما حدث في بيروت؟

لك الله يا لبنان وقلبي يدعو بالسلام.