كانت برعمة زاهية وريحانة الحس المرهف، كانت كأنجم الليل تضيء سراديب الظلام ، منطلقة نحو الشمس ترسل العبق على أطراف الحبق، تسابق الحنين الصاعد مع ذرات الهواء إلى أعالي السماء، تغازل الحياة بكل معانيها، تجامل الصباح بخمائل الوجد التي تلامس أغصانها الجميلة عمق المشاعر الندية..لكن موازين الحياة تنقلب إثر وفاة الأب -الرجل المريض- الذي تكالبت بعد ذلك الوجوه الغابرة لتقاسم وانتهاك تركاته في ظل ضياع الأبناء في مواضع الترف والمجون.. ولأن هذه البنت أخت لإخوة انعدم الشرف من قاموس حياتهم، حيث أصبحوا على خطى الضلال وبيع الذمة ، وأختهم تغتصب يوميا أمام مرأى الجميع ، وهمهم الوحيد استرضاء هؤلاء الحيوانات في صورة بشر دون أن تستشعر خوالجهم قمة النذالة والدياثة التي وصلوا إليها، متناسين مسؤوليتهم في حماية شرف الأخت البهية والذود عنها عند كل بلية.
في أثناء ذلك وعلى أوتار الألم كانت روح هذه البنت تعزف لحن الأسى وتغالب الحزن الدفين في قلبها، وهي تقف خلف نافذة الانتظار تحتضن همسات منكسرة، وتحت طيات الجراح تخفي ندوبها العميقة، وشظايا بسماتها المتناثرة على أرض الحنين وقد عصفت بها رياح السقم...
تعيش المسكينة تترجى الأيام أن تعيدها إلى سابق عهدها الأزلي..تنتظر على امل أن يجاملها الصباح من جديد بقطرات الندى، وتتفتح براعم نظراتها وتثمر أحلامها بعد أن يتفجر بركان الغيرة الأخوية يوما ما.. لتلملم هويتها الممزقة وتنتشل نفسها من عالم الضياع المفروض عليها، وتنتصر على أوجاع الزمان عندما يندثر الماضي مع سراب الذكريات..لتمطر سحب الوجدان رقة من صميم الوهج المضيء، فيزهر بستان واقعها بجميل الورود الندية لتستكين البنت المغتصبة - فلسطين-
على أمل حياة أجمل بعيدا عن كنف المؤامرات المدمرة.
عفاف بايزيد- تبسة - الجزائر-