د. رجب إبراهيم يكتب: ارتدادات شعر الوباء في شعر نقولا الاسطمبولي

د. رجب إبراهيم يكتب: ارتدادات شعر الوباء في شعر نقولا الاسطمبولي
د. رجب إبراهيم يكتب: ارتدادات شعر الوباء في شعر نقولا الاسطمبولي

 

الأدب العربي عامة،والشعر خاصة سجلت أبياته التجارب الواقعية في صورة تجارب شعرية، ومن هذه التجارب الوباء.فكم عصفت بالبلاد العربية كثير من الطواعين انبرى فيها الشعراء والأدباء ليسجلوا تلك الفاجعة،ومن هؤلاء الشاعر نقولا الاسطمبولي(1763م-1828) .

وإن ما يظهر من فيروسات وأوبئة في مسار الإنسان الطويل سوف يظل تحديا للجنس البشري على هذه الأرض،وتلك هي سنة الحياة، وقانون التنازع بين الصحة والمرض، والحياة والموت.

ونقولا الترك أو الاسطمبولي هو نقولا بن يوسف الترك، ويقال له الاسطمبولي: ولد في الحقبة التي شهدت مظاهر الاختمار الفكر في الشرق الأدنى، ولد سنة 1763، في دير القمر، عاصمة لبنان إذ ذاك.شاعر، له عناية بالتاريخ.

انتقلت أسرته اليوناينية الأصل، القسطنطينية المنشأ، إلى الكثلكة في أوائل القرن الثامن عشر.

وكان من عادة نقولا الترك أن يصف في شعره حياته وحياة أنسبائه وأصدقائه، وبعض المواسم والأعياد، بل في الحياة الجارية الرتيبة، وله في ذلك أرجوزة شهيرة ضمنها كل ما يعرف في عهده عن وباء الطاعون من دلائل وأوصاف، وكل ما كان يطلب من السكان في حال ظهور الوباء من احتياط واهتمام.

ففي قصيدته البالغ عدد أبياتها ثمانية وسبعين بيتا يقدم نصائح غذائية ووقائية أقرب إلى التخصصية فيقول مجيبا عن من سأله :

يا طالباً حقيقة الإنباء       والحكم في ماهيّةٍ الوباء

والواضح أنه بهذا الأمر خبير بصير، وإلا لما توجه إليه السائل والطلب للحكم والنصيحة والإرشاد. ويدل على بصيرته ورايته بالوباء من الناحية العلمية وصفه بانه يسري في الجسم فيلتصق به لا يفارقه، وفي النفس لا يبرحها، وأنه وباء معد، ينتقل باللمس:

وشان هذي العلة العضّا لهْ       والآفة المهلكة القتاّلهْ

إن تعدي الأبدان عند اللمسِ       وليس فيما قلتهُ من لبسِ

ثم يعرض لبعض الأعراض الناتجة عن الإصابة بهذا الوباء من قشعريرة واخضرار اللون وألم تحت الإبط، وخلف الأذن، و في الركبتين فيقول:

 

 

وبعد ما يعدى ويسرى في البَدَنْ              ويمخض الاخلاط امخاض اللبن

يبان في الجسم إذا ما اقشعرْ               من موضع مسترقق أو أكثرْ

والنفذ منهُ رُبَ في الاباط                               يبدو عقيب المخض والاخباطِ

أو رُبَ يبدو خلف اذن الشاكي                         أو في مرقّات من الاوراكِ

فإن بدت نفذتهُ محمرَّهْ                                 فأْمَنْ وخفها أن بدت مُخْضرَّهْ

والحقيقة هي قصيدة طويلة حوت نصائح أخرى غير التي ذكرتها، كالإكثار من الأعشاب والبهارت وأكل الخضروات، وأخذ الحيطة من انتقال العدوى، وضرورة الاغتسال جيدا، وتنظيف الفاكهة والأطعمة.

وفي مقام آخر يستمر في النصح والتوجيه والإرشاد لصديقه فقد كتب مراسلا صاحبه المعلم جرجس أبا موسى سينور القاطن في مدينة الشام بقصيدة في عام 1225هـ يرشده ماذا يفعل ويدعو الله له بالنجاة من الطاعون والوباء مطلعها:

لك يا أبا موسى أبوح بصبوتي       وبفرط أشواقي وعظم شجيتي

إن الوباء تواترت أخباره                      وتبادرت من نحو كل مدينة

ومع هذه الاحتياطات هناك بعض النصائح الغذائية التي لا يجب أن يغفلها صاحبه:

ومكيّف التنباك خُص بجلّقٍ                   ست الورى والمدن أشرف بلدةِ

فلذاك جيتك راجياً جدواك في                 رطلين منه من عظيم القيمةِ

وبمرطبانٍ من مربا الكابلي                  أو جنزبيل خالص في الطيبةِ

ولم يكتف نقولا بالنصائح العامة والخاصة، راح يبدي رأيه في فاعلية الوباء في بعض فصول السنة وعدم فاعليته في بعضها:

لقد زعموا بأن البرد يفني                  ويمحي رسم طاعون أضرَّا

فقلت مجاوباً هذا تسلّي                        وقولٌ لا يبرْد قط حرَّا

فكم شمنا وباءً في شتاءٍ                      وفي قلب الثلوج قد استقرَّا

نعم عين الشتا بيضاء بلقا                     ولكن مقلة الطاعون حمرا

وكما نصح وهنأ، فقد رثا وعزّى، فقال في وفاة غنطوس يمين الترك:

مات ابن يمين الذي ذاب الحشا       اسفاً عليه مذ توسد في الثرى

تباً لها سنة الوبا أرخت كم       فيها على توما بكيت تحسرا