الكثير من عناوين الأخبار هذه الآونة يشير إلى «حق الدولة فى التعديات على أملاكها والأملاك الخاصة». وأدعى أن السعداء بمثل هذه الأخبار- وأنا على رأسهم- ليسوا أغلبية. فالذين قاموا بفعل التعدى أو شاركوا فيه بالإعداد والتيسير والتهيئة أو دفعوا أموالًا من
أجل شراء وحدات أو ممتلكات مخالفة كثيرون جدًا. والذين ولدوا فى عصر التعديات الكبرى الذى امتد سنوات طويلة ربما تزيد على نصف قرن، ونشأوا على مبدأ أن التعدى على ممتلكات الدولة حلال حلال، وأن وقف هذا التعدى إنما هو قهر للبسطاء وظلم للغلابة وبطش بالضعفاء كثيرون جدًا جدًا.
ويكفى على سبيل المثال لا الحصر أن العديد من دور العبادة- لا سيما الزوايا- نشأ على أراض وأرصفة بنظام التعدى ولكن بجلباب الدين والتدين المبهر. ويكفى أن محاولات إزالة مثل هذه التعديات نظر إليها البعض على مدار سنوات على أنها حرب ضد الدين والمتدينين! آه والله!.
وأزيدكم من الشعر بيتًا وأقول إن البعض من «المثقفين» و«الثوريين» و«الليبراليين» يعتبرون حتى يومنا هذا أن تصحيح الأوضاع، وإزالة التعديات، والنظر بعين الاعتبار للفئات الاقتصادية الأشد احتياجًا إنما هو قهر من قبل الدولة وظلم للفقراء ودهس للمساكين.
أزعجتنى جدًا قراءة السطور التالية فى موقع «معارض» فى إشارة إلى مشروع «الأسمرات» الذى يعد خير نموذج على تحرك الدولة لتوفير حق أساسى لمواطنيها ألا وهو السكن الآدمى. «تصف فلانة حالة البيت فى مثلث ماسبيرو بأن باب الشقة ما بيتقفلش، باب الأوضة ما بيقفلش، والناس بتسأل على بعض بالطريقة دى». وتنتقد السطور وحدات «الأسمرات» الجديدة بأن «التصميم الجديد لا يسمح بنفس النمط من التواصل الاجتماعى بسبب غياب فضاء مشترك يمكن الأفراد من عائلة واحدة أو عدة عائلات بالتواصل». آه والله!، وكأن شقق الأسمرات لا باب لها يمكن فتحه ومشى بضع خطوات للطرق على باب آخر والسؤال عن الجيران!. ولا أجد أبلغ من تعليق ساخر لصديق على هذا التوجه العجيب المندد بتوفير سكن آدمى لمواطنين مصريين تم الدفع بهم لتحويل مصر إلى دولة عشوائية قلبًا وقالبًا، شكلًا وموضوعًا، ثقافة وسلوكًا بعد ما تفاقمت أعدادهم لتصل إلى بضعة ملايين يسكنون العشوائيات وتسكن فيهم: «زاى بس تشيلوا الناس من الخرابة؟!».
وأعود إلى الغرض من هذا المقال، ألا وهو الإشارة إلى أن ملف إزالة التعديات ودفع غرامات لا يرتبط فقط بحق الدولة، ولكنى أسأل وأطالب بحق المواطن الذى تم إهداره على مدار نصف قرن بتحويل فكرة التعدى إلى منظومة وأسلوب حياة، بل اعتبار الدفاع عن التعدى إما جهادًا فى سبيل الله ونصرة لدينه أو نضالًا وطنيًا وكفاحًا سياسيًا لنصرة الفقراء ودعم الغلابة. من سيدفع ثمن «الخرابة الفكرية» التى تمكنت من الملايين؟، ومن الذى سيسدد قيمة إصلاح زوايا العقل وانحرافات الفكر؟!!.