ما زلت أتجول داخل الأحداث الليبية، كتبت عشرات المقالات في هذا الشأن، وكانت كلها تصب علي استقراء ما وصلت عليه الأوضاع الحالية، دائما أقول أن اخطر ما يمكن أن يكون أن يتم تناول أحداث ليبيا بشكل نظري بعيدًا عن دائرة العولمة التي أدخلت كل إدارات الحكومات تحت تأثير تكتلات ومنظمات لها أهداف واضحة وشديدة الخطورة، تلك الأهداف ترمي إلي إدخال مصر إلي عالم اللاوجود ليتسنى لهم تحقيق الهدف الأكبر وهو إقامة اسرئيل الكبري.
حلف الناتو هو احد تلك التكتلات العسكرية، الذي يقوم بدوره العسكري لتحقيق أهداف المخطط ، وكانت البداية في ليبيا عندما استدعته الجامعة العربية لتدمير ليبيا وجيشها وقتل الشهيد معمر القذافي، حلف الناتو وعموم كل جيوش الغرب يفتقرون إلي العقيدة العسكرية المرتبطة بالعنصر البشري، وتلك هي نقاط ضعف العسكرية الأمريكية الغربية، رغم امتلاكها احدث التكلولوجيا العسكرية، وبديلًا لذلك يعتمدون علي التنظيمات الإرهابية ومعها تركيا لتحركهم عسكريًا في مناطق النزاعات المستهدفة.
الذي يقود حلف الناتو عسكريا هو أمريكا، وهو تحالف دولي يضم 28 دولة، وأنشئ في عام 1949 وتنص المادة الخامسة من المعاهدة علي انه في حالة الهجوم المسلح علي احد أعضائه ينبغي أن يكون امن مشترك ويتحرك الأعضاء الآخرون للمساعدة، فجميع الأحداث العسكرية في المنطقة التي يتحرك فيها اردوغان مع الارهابين من سوريا إلي العراق واليمن وليبيا، تتم بأوامر من الحلف وقائده أمريكا، ولا يستطيع طبقا لبنود المعاهدة للحلف أن يتحرك عسكريًا من تلقاء نفسه.
فلا نعول كثيرًا علي الدول الأوروبية وأمريكا في الأحداث الليبية، لأنها هي من تدير وتحرك الأحداث طبقًا لسياسة الحلف الذين هم اعضاء فيه، وكل ما يحدث من مناوشات بين الدول الأوروبية واردوغان ما إلا لاستكمال المشهد السياسي فقط، ولا توجد إلا فرنسا واليونان الذين هم صادقون في تحركاتهم السياسية ضده.
بالطبع تعلم القيادة في مصر ذلك بأن مواجهة هذا الهلفوت المدعو اردوغان في ليبيا، هي مواجهة مع الحلف، وهذا هو المخطط لاستدراج الجيش المصري إلي مستنقع ليبيا، تلك السطور هي للإجابة علي السؤال الذي يطرحه الكثيرين بشأن صمت مصر علي ما تقوم به تركيا من عربدة في المنطقة.
وألان المعركة في ليبيا تتمحور حول مدينة سرت، فقد أعلن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن سرت والجفرة خط احمر للأمن القومي المصري، وأي تفكير في الاعتداء عليهما علي الفور سيتدخل الجيش المصري، علي الجاني الأخر يصرح الهلفوت التركي بأن لا وقف لإطلاق النار إلا بعد تحرير سرت وتعلن قوات مليشيات الوفاق الإرهابية الاستعداد لاقتحام المدينة.
والسؤال لماذا سرت ؟ سرت مدينة ساحلية أنشئت سنة 1885 وبها اكبر واقوي القبائل الليبية مثل ( العمامرة والهماملة والورفلة والقذاذفة وقماطة والفرجان والمشاشي وكثير من القبائل ) وعندما أراد الطليان احتلال ليبيا قاموا أولا باحتلال سرت عام 1912 وفي عام 1915 كانت هناك معركة القرطابية بها بين الليبيون والجيش الايطالي وتم فيها هزيمة الجيش الايطالي، وهي مسقط رأس الزعيم الشهيد الليبي معمر القذافي، وكان يستقبل فيها ضيوفه وزواره، وكان ينوي تحويلها إلي عاصمة، وهي تقع في منتصف الطريق بين طرابلس وبنغازي وتعرف باسم خليج سرت وهي مدينة تجارية مهمة . فهي في قلب أوروبا لأنها تبعد فقط 300 كلم من الساحل الأوروبي. ومدخل هام إلي قارة أفريقيا.
هنا الأهمية البالغة للمدينة والصراع عليها فالناتو يحاول السيطرة عليها عن طريق اردوغان والإرهابيين خوفًا من تمركز روسيا بها، وهذا يعني خنق أوروبا والتواجد علي حدودها عسكريًا وتجاريًا، ناهيك عن إنها تمتلك اكبر أبار البترول ( 13 عالميا والأول أفريقيا ) بجانب حقول الغاز الواعدة، وبالنسبة لمصر يمثل خليج سرت العمق الأمني والبحري لمصر، لان السيطرة عليه من الإرهابيين يعني تهديد الملاحة المصرية والاقتراب من حدودها، وألان الوضع متشابك ما بين خوف أوروبا من التواجد الروسي علي حدودها وما بين خوف مصر من تواجد الإرهابيين علي حدودها أيضًا
فاعلان السيد الرئيس الأخير بخصوص الخطوط الحمراء، كان بمثابة رسالة قوية أربكت مخطط الناتو باحتلال سرت، مما جعل قائد المنطقة العسكرية الأمريكية لمنطقة أفريقيا يزور ليبيا لأول مرة ويلتقي السراج، وبكل تأكيد تهدف الزيارة إلي الدعم الكبير للإرهابيين وحمايتهم من بطش العسكرية المصرية في حال تدخلها، لان الامر لن يقتصر علي حماية الخطوط الحمراء عند التدخل بل سيمتد إلي تطهير كل التراب الليبي، وهذا ما يخشاه الغرب ومعه أمريكا، فهو لا يستطع خسارة دولة بحجم مصر وأهميتها المستقبلية في الشراكة وخصوصًا إنها ستكون المصدر الأول لها للغاز وهو الحياة بالنسبة لشعوب أوروبا، والحل الان لابد أن يكون خارج الأدوات التقليدية عن طريق ما ذكره إعلان القاهرة، وهو حل شامل يتقبله جميع الليبيون وسيحافظ علي مصالح الجميع، بما فيه حماية حدود أوروبا وامن مصر واستقرار ليبيا. وكل ذلك ليس قبل خروج اردوغان ومعه الإرهابيين وتفكيك كل المليشيات.