غدًا تهلّ على البشرية شمس عام جديد، وتمر بنا الليالى المكرورة بحلوها ومرها، مسرات وأحزان، انكسارات وانتصارات، تمنيات مزجتها الأحلام بكثافة، فنوصد أو نفتح أبواب عواطفنا بحسابات مختلفة، وربما متناقضة، تصافحنا الأيام بجديدها الذي لا يتوقف عن البزوغ، نكابد الشوق العارم، ونفكر في أنفسنا وفى الآخرين القريبين والبعيدين دائما، ثم نطيل التأمل في الأشياء والأحداث التي تحيط بنا.
تعطى لنفسك الحق في أن تكون حرًا في خيالك، وتتلكأ في فهم معنى بعض الكلمات بهدوء، وفك الاشتباك بين الواقعى والمتخيل، عندما تنظر إلى كل محتويات الفراغ، لكنك تبحث عن فرح خفيف يضىء قلبك، تغنى له ويؤنس وحدتك، ستدرك أنك تفعل نفس الشىء كل عام قبل انقراضه.
ربما هو الشغف الذي يجعلك تمسك بأشياء غائبة أو فقدتها، فتعيد ترتيب تأملك وشرودك، تقتبس عبارات لا تتذكر قائلها، تتصفح أوراقًا غير مرئية، تحلم ببطء وتمشى مع ظلك خفيفا خفيفا، وكأنك غيرك، تحن إلى ماضيك، ويثقلك الحزن، وتمر على بيوت عشت هنيئا بين جدرانها، فتفغر فمك لحكايات جدتك الممتعة والمؤثرة، وتغفو على غناء أمك وهى تهدهدك، وهناك على مقعد شاغر تتذكر أحد أحبتك الذين رحلوا قبل الأوان، تلقى التحية ولا تسمع أي رد، حنين خفى إلى زمن يبدو لك أنه جميل، أو ربما أقنعت نفسك بذلك الزمن المنتهى.
في غبشة الفجر يحملك الضباب إلى سماء توقظ روحك بكل قواها، تمسك دقات قلبك بيديك الاثنتين، وتشعر بكل نبض فيه، النبض الحى والدافئ والمتوتر، يكحل النعاس عينيك قبل أن يلسعك ضوء نجمة خابية، تعود إلى أرض الحكاية وتحملق في الفراغ أمامك، تطل على نفسك من عل، فترقص على إيقاع أغنية تهيج فيك حنينًا إلى شغف لم تختبره من قبل، شغف المشى على الريح فوق الغمام، حيث تكون أنت، أنت ولا أحد غيرك، وتخطفك الأساطير، وتبكى وتضحك من عاطفتك المتذبذبة، وأنت تتبع درب الغياب في الضوء والظل.
تُصغى إلى نبرات ساكنيه الصاخبة حينًا، والهامسة حينًا آخر، ممتلئة ولاهبة وخاوية في آن واحد، تصرخ صراخا سماويا ليسمعك المستحيل، ترتج بالغضب، تصدر عنك إيماءة طفولية، تنشد الحرية المأمولة، تريد أن تحلق وتطفو بعيدا بعيدا، تحاول أن تبتكر أرضا جديدة، سماء جديدة تجتاحك، وخيالا جامحا جديدا يقتحمك، تنفتح عيناك المجهدتان على حكمة جديدة، وتبتكر انتصارات جديدة، وتعانق واقعك الخشن، وأنت مسلح بصبر لاهب، فساعة الحياة تدق لاستقبال عام جديد، تتمناه عاما سعيدا على الجميع.