الرقص على ضوضاء ماكينات الدرفلة.. قصة حوت الحديد الغامض من تزوير دفاتر 2013 حتى رسوم البليت.. سحب 90% من رأسماله ويربح 70%.. عقود مشبوهة مع الأتراك ومضاربة على فوائض آسيا.. وخطة سوداء لرفع سعر الطن 3 آلاف جنيه

-      الحوت الأضخم يحقق 5 مليارات جنيه أرباحا سنوية مقابل استثمارات أقل و15% فقط من العمالة

-      قائد معركة الحديد موّل استفتاء 2011 وانتخابات 2012.. وامتدت تبرعاته للإخوان إلى ما بعد "فض رابعة"

-      التهرب من 100 مليون جنيه ضرائب.. وتزوير أوراق لصرف شحنات ضخمة تزامنا مع ثورة 30 يونيو

-      صفقات تركية وآسيوية مشبوهة بين 2017 و2018 لإغراق السوق وزيادة إجمالى الواردات 60%

-      فريق الحيتان يضلل الرأى العام باستيراد البليت كمنتج شبه تام ثم ادعاء أنه مادة خام غير مُصنّعة

-      رحلات بين أنقرة وأوكرانيا لاقتناص المنتجات الراكدة.. وعقود بأسعار أعلى للهروب من تهمة الإغراق

-      هل يعرف مستثمرو الدرفلة تاريخ حوت الحديد المحرّك للمعركة؟.. ولماذا لا يتحرك الشرفاء منهم لتطهير صفوفهم؟

بين 2011 و2013 حصلت "الإخوان" على مساهمات مالية ضخمة من رجال أعمال غير محسوبين على الجماعة ظاهريًّا، شملت تغطية نفقات الاعتصام فى ميدان التحرير، واستفتاء تعديل الدستور فى مارس 2011، والانتخابات البرلمانية خلال نوفمبر من العام نفسه، وصولا إلى الانتخابات الرئاسية يونيو 2012. ووصلت تلك المساهمات ذروتها مع اعتصام الجماعة فى ميدانى رابعة العدوية ونهضة مصر بالجيزة، بين يوليو وأغسطس 2013. وكان فى طليعة الداعمين مستثمر بارز فى قطاع الحديد وأحد أشهر مالكى مصانع الدرفلة فى مصر، الذى امتدّت مساهماته إلى ما بعد فض الاعتصام، وحتى تبدّل الصورة وتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، بقرار حكومة حازم الببلاوى خلال ديسمبر 2013.

الشخص نفسه تلاعب بالقوائم المالية والحسابات الختامية لشركاته، بغرض تعظيم النفقات وتقليص الأرباح، محمولةً على إجمالى الإيرادات، والتهرُّب من ضرائب تجاوزت 100 مليون جنيه خلال آخر خمس سنوات، بحسب بعض الوثائق التى اطّلعنا عليها، ووصل التلاعب إلى حدِّ أن دفاتر مصانعه وثَّقت إخراج سيارات نقل مُحمَّلة بالحديد بتاريخ 30 يونيو 2013، على خلاف الحقيقة، ربما لأن أجواء الانفلات واعتياد التلاعب، أنسته أن ذلك اليوم كان مشحونًا للغاية، واحتشد فيه قُرابة 30 مليون متظاهر فى شوارع مصر، ولم يكن منطقيًّا أو مُمكنًا أن تسير فيه بضائع بعشرات الملايين فى شوارع البلاد، كما لم يكن هناك من يتسلّمها فى نهاية رحلتها. تلك الفجاجة الغريبة ما تزال تُسيطر على أداء الرجل نفسه، وخلفه طابور من أصحاب المصالح، وأحدث حلقاتها تتمثَّل بوضوح فى ملفّ استيراد الحديد ورسوم الحماية المفروضة على واردات البليت!

1e6fba0497.jpg

 

سحب الاستثمارات وتقليص العمالة

كان الرجل واحدًا من المستثمرين فى قطاع صناعات الصلب المُتكاملة، لكنه لاحقًا سحب الحصة الأكبر من استثماراته، بالتحول إلى نشاط الدرفلة، فبينما تصل تكلفة الأولى إلى 10 مليارات جنيه للمصنع بطاقة مليون طن سنويا، لا يتجاوز الثانى 20 مليون دولار للقدرة الإنتاجية نفسها. وترافق مع تلك الخطوة تسريح قرابة 85% من العمالة، إذ تُوظف المصانع المُتكاملة 30 ألف عامل، بينما لا تتجاوز كل وِرَش الدرفلة 4 آلاف.

فى مقابل تلك الانعطافة الحادة، ضمن زيادة عوائده الإجمالية قرابة 100%، وتجاوزت أرباحه 70% من النفقات الاستثمارية. وعلى مدى سنوات نشط فى استيراد البليت من عدة أسواق أوروبية وآسيوية، بمتوسط بين 300 و400 دولار للطن (بين 5 آلاف و6 آلاف و700 جنيه) حسب تطورات التسعير العالمى، وبيعها محليا بحدود 11 ألفا و600 جنيه للطن، مقابل تحمّل 10% فقط من قيمة الطن لقاء العمالة وتكلفة التشغيل.

وفق تلك الحسابات حقق الرجل قفزات مهولة فى أرباحه الإجمالية. ويُمكن تقريب الأمر بالأرقام، فبافتراض أنه كان يُنتج مليون طن سنويا بنظام الصناعة المتكاملة (دورات الإنتاج الأربع) فإن هامش الربح لا يتجاوز 650 مليون جنيه سنويا، يتقاسمها مع التجار والموزعين والحلقات الوسيطة، أما توزيعه للكمية نفسه عقب تشغيلها فى مصانع الدرفلة لمرحلة واحدة، يضمن له أرباحا سنوية بين 4 و5 مليارات جنيه سنويا، يحصل الموزعون على 200 أو 300 مليون منها، ويذهب الباقى كاملا إلى خزائنه!

 

201905260516121612.jpg

صفقات مشبوهة مع الأتراك والآسيويين

مع احتدام الموقف بين الولايات المتحدة وتركيا أواخر العام الماضى، على خلفية احتجاز الأخيرة للقس الأمريكى أندرو برونسون، وغيرها من الأمور التى اعتبرتها واشنطن ممارسات عدائية تجاهها، قرر دونالد ترامب فرض حزمة رسوم إضافية على قائمة من السلع التركية، طلت الصلب وحديد التسليح، وتبع ذلك اندلاع الحرب التجارية وفرض رسوم على واردات الصلب الصينية، وقتها دخل حوت الحديد الغامض على الخط ليستغل الأمر.

تبلغ الفوائض التركية 20 مليون طن، والصينية 400 مليون، ومع توقف مستورد مهم مثل الولايات المتحدة عانت نسبة كبيرة من تلك التدفقات حالة كساد واضحة، وحتى يضمن البلدان دوران مصانعهما وعدم تكدس الإنتاج، قدّما دعما واضحا للمُصنّعين والمُصدّرين، ما سمح لهم ببيع المنتج بأسعار أقل من المستويات العالمية، وفى تلك الأجواء فاز فريق المستوردين المصريين، وعلى رأسهم الحوت البارز، بملايين الأطنان بفروق تسعير ضخمة للغاية.

تلك اللعبة امتدّت فى الشهور التالية، عبر رحلات ولقاءات متبادلة، شهدت إبرام تعاقدات بين عدد من المستوردين المصريين، ومُصدّرين من الصين وتركيا وأوكرانيا وبعض دول آسيا وشرقى أوروبا، تأرجحت الأسعار فيها لكنها لم تتجاوز 400 دولار للطن، لكن بعض تلك الصفقات تضمنت استخراج أوراق وشهادات منشأ بأسعار أعلى، للتهرب من تهمة الإغراق والمنافسة غير العادلة، لتستقبل السوق المصرية بموجب تلك الاتفاقات تدفقات ضخمة من الرواكد وفوائض البليت العالمية، ومع دوران عشرات من مصانع الدرفلة على مرحلة إنتاج واحدة، لم تستطع المصانع المتكاملة المنافسة، فتراكم مخزونها الإنتاجى، وكسب المستوردون على حساب المُصنّعين!

 

bac6bd9b2a.jpg

الحوت يضرب القانون بذيله العريض

بدأ الضرر صغيرا ثمّ تضخّم وتوسعت آثاره، حتى أصبح الأمر واضحًا لدرجة أجبرت الحكومة على فتح الملف، لتُثبت تحقيقات وزارة الصناعة بين مطلع 2017 ونهاية 2018 استقبال السوق واردات مُضافة بزيادة 60% عن المستويات السابقة، وارتقاء الأمر إلى حدّ الإغراق وتهديد الصناعة المحلية، فأصدر الوزير قراره رقم 346 لسنة 2019 فى 15 أبريل، بفرض 25% رسوما على حديد التسليح و15% على البليت!

لم يُعجب القرار حوت الحديد الطامع، فأوعز لبعض رجاله ببدء الحرب. وكانت الخطوة الأولى بإغلاق محابس الغاز فى مصانع الدرفلة بعد 9 أيام فقط من القرار، وادّعاء توقف الإنتاج بسبب نفاد خام البليت، ثم ترويج أرقام مُلوّنة عن خسائر الدولة من توقف نشاط الدرفلة، وتسجيلها 48 مليون دولار قيمة الطاقة والضرائب ورسوم أخرى. مع تجاهل مكاسب الدولة على الجانب المقابل من تعزيز الصناعة المحلية، والأهم تجاهل أرباح المستوردين وعوائدهم الحقيقية، وما ينطوى عليه الأمر من تلاعب بالأرقام وتهرّب من سداد المستحقات.

التضليل الأكبر تمثّل فى ادعاء أن "البليت" مادة خام. بينما يُعرف عالميا وفى عقود البيع باعتباره منتجا شبه تام، باعتباره عبارة عن صلب مُكتمل تنقصه مرحلة التشكيل فى صورة حديد تسليح أو أعواد صلب. بينما المادة الخام فى تلك الصناعة هى "أكسيد الحديد" التى تستخدمها المصانع المتكاملة لاستخلاص الخام تحت ضغط غازى مرتفع أو فى أفران الفحم الثقيلة، لتتبعها عمليتا الصهر والصبّ، لإنتاج البليت. وتغييب تلك المراحل الثلاثة فى أكاذيب الحوت وفريقه، يشبه أن يقول صاحب ورشة "حِدَادة" إن الصلب الذى يحصل عليه مادة خام، والمنتج النهائى الأبواب أو الشبابيك أو المقابض التى يُنتجها!

إلى جانب ذلك سعى حوت الحديد إلى تعطيش السوق ودفع الأسعار على منحنى الاشتعال. عبر اتفاقات مشبوهة أخرى مع عدد من التجار والموزعين والحلقات الوسيطة، لتخزين المُنتج وتقليل المعروض، إلى جانب تخصيصه هو وحلفاؤه ميزانيات ضخمة لشراء آلاف الأطنان وتخزينها، حتى تتجاوز الأسعار 13 ألف جنيه للطن (بزيادة قرابة 3 آلاف جنيه عن الأسعار الحالية)، وتجدّ الحكومة نفسها مُضطرّة للتخلّى عن رسومها الحمائية للصناعة المحلية، وإلغاء والقرار 346 لسنة 2019، بما يفتح الباب للمستوردين ومستثمرى الدرفلة للعمل بالكيفية التى اعتادوا عليها، وجنوا من ورائها ربحًا بأضعاف قيمة استثماراتهم ومصانعهم!

efb29f2dd0.jpg

إنقاذ مصانع الدرفلة من شرور أصحابها

قد لا تنطوى أكذوبة البليت وكونه مادة خام على تجاوز للقانون، رغم ما فيها من تضليل وتزييف مُتعمَّد، لكن تغييب الأرقام الحقيقية والحسابات الختامية للشركات، ومؤشرات العوائد والأرباح، وتفاصيل الصفقات المشبوهة والمضاربات الدولية على البليت بين آسيا وشرق أوروبا، وصولا إلى خطة تعطيش السوق وشراء الحديد وتخزينه، وتمرير معلومات مغلوطة إلى لجنة الصناعة بمجلس النواب، وإلى فريق من المحرّرين المعنيّين بالملفّ، وتشكيل "لوبى" ضغط من الصحفيين والمستشارين الإعلاميين، كلها أمور تنطوى على سوء نيّة واضح، قد يرقى إلى التجاوز القانونى وإشاعة معلومات كاذبة بغرض الإضرار بالاقتصاد!

ليس فى صالح سوق الحديد، ولا حتى المستوردين ومصانع الدرفلة، ما يفعله الحوت الطامع وبعض رجاله. إذ من مصلحة الجميع أن تنتظم تلك الورش فى العمل إلى جانب المصانع المتكاملة، حفاظا على استثماراتها الضئيلة وعمالتها المحدودة، بدون التضحية بمنافستها التى تستثمر 100 مليار جنيه وتضم 30 ألف عامل. لكن المشهد الراهن قد يُشير إلى أن محنة مصانع المرحلة الواحدة تتجسّد كاملة فى نفوس بعض مالكيها، والأطماع التى تسيطر على فريق منهم سعيًا إلى تحصيل أكبر قدر من المكاسب، بعيدًا عن مصالح السوق والدولة ومؤشرات الاقتصاد الكلى، وهو ما يحتاج وقفة جادة لإنقاذ تلك المصانع من شرور أصحابها.

لا يُمكن الجزم بأن كل أصحاب مصانع الدرفلة من أصحاب النوايا السوداء أو الأطماع الشرهة. بالتأكيد فيهم مستثمرون جادون وذوو أيادٍ بيضاء، لكن قطرة الحِبر قد تُلوّث مُحيطًا، وإذا كان ذلك المحيط يحتضن حيتانًا وأسماك قرش مفترسة، فقد يُمثّل الصمت على التلوّث دعمًا مباشرًا لجريمة تتشكّل وتكتمل فى القاع، بعيدًا عن عيون الناس والقانون. فهل يعرف مستثمرو الحديد ورجال الدرفلة أن بينهم حُوتًا شرهًا، دعم الإخوان طمعًا فى مغانم السلطة، وزوّر الدفاتر انتزاعًا لحقوق الدولة، ويخوض الآن معركة غير شريفة ضد السوق والصناعة والاقتصاد بكامله؟!

 

 

 

 

 

 

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع