"عبد العزيز آل سعود".. القائد والإنسان.. قاد السعودية إلى العالمية بفضل راية التوحيد.. حولها من صحراء جرداء لواحدة من أقوى الكيانات العربية.. تبنى القضية الفلسطينية ونصح السوريين بالتكاتف وتجنب فتنة الانقسام

اتبع سياسة الندية مع قادة الدول الغربية

أهدى «روزفلت» كرسيه المتحرك وقال لــ«ترومان» عندما طالبه بالاعتراف بإسرائيل «كيف تطلبون منى ما لا يمكن أن يصدر عن أى عربى مسؤول؟»

 

مضت مواكب التاريخ تتقدمها دول وتتأخر فيها غيرها، وبين حقبة وأخرى تتبدل المواقع، ويتقدم المتأخرون والعكس. ولأن الدول تتأسس على ركائز اجتماعية عمادها البشر، فحركة التاريخ إنما هى فى جوهرها توثيق لحركات البشر. وعلى امتداد كتاب الزمن المفتوح لمعت بلدان وتألق نجمها، وكان لبعض أبنائها فضل فى هذا اللمعان، بقدر تميزهم الفردى الواضح وقدرتهم على الاندماج فى جماعتهم وسياقهم. وعلى امتداد أيام رمضان نفتح تلك المساحة لاستضافة باقة من رموز التاريخ القديم والحديث، ممن لعبوا أدوارا عظيمة الأهمية والتأثير، وقادوا تحولات عميقة الفعل والأثر فى مجتمعاتهم، وربما فى العالم وذاكرته ووعيه بالجغرافيا والزمن والقيم، فكانوا مصابيح مضيئة فوق رؤوس بلدانهم، حتى أننا نراها اليوم ونستجلب قبسا من نورها، تقديرا لأدوار فردية صنعت أمما وحضارات، ولأشخاص امتلكوا من الطاقة والطموح والإصرار ما قادهم إلى تغيير واقعهم، وإعادة كتابة التاريخ.

 

«لقد خرجت، وأنا لا أملك شيئًا من حطام الدنيا،  ومن القوة البشرية، وقد تآلب الأعداء علىّ، ولكن بفضل الله وقوته تغلبت على أعدائى، وفتحت كل هذه البلاد».. «الإنسان يقوم على ثلاث فضائل: الدين والمروءة والشرف. وإذا ذهبت واحدة من هذه سلبته معنى الإنسانية».. «أنا ترعرعت فى البادية فلا أعرف آداب الكلام وتزويقه. ولكنى أعرف الحقيقة عارية من كل تزويق».. «إن التعليم فى السعودية هو الركيزة الأساسية التى نحقق بها تطلعات شعبنا نحو التقدم والرقى فى العلوم والمعارف».

 

جمل كثيرة وأقوال مأثورة تعكس مدى إدراك قائلها بالقيم الإنسانية المختلفة ووعيه بمفاتيح التقدم والتطوير والتى قادته لتحويل بلده من صحراء جرداء لواحد من أقوى الدول والكيانات العربية.. هذا هو ما فعله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن فيصل آل سعود، رحمه الله،  صاحب الــ77 عاما من الحكمة والكياسة، ومؤسس المملكه العربية السعودية وأول ملك لها، وأبو الملوك الستة الذين تولوا الحكم من بعده. 

 

فى سيرته الذاتية العديد من المواقف والحكايات يرويها من عاصروه ويتناقلها عنهم من لحقوا بهم، الجميع يخلد لسيرة هذا الرجل ومسيرته المليئة بالمميزات والخصائص والصفات الشخصية التى أصبحت بمثابة علامة تفرد وتفوق تركت أثرًا فى المجتمع العربى والإسلامى والدولى طوال الثلاثة وخمسين عامًا من حكمه استطاع خلالها توحيد دولة فرقتها الحروب والنزاعات القبلية، وتصدى لقوى داخلية وخارجية أرادت الوقوف ضده لعرقلة سبل التنمية التى انتهجها وكانت كفيلة لنقل المملكة من البداوة إلى الحضارة ومن التخلف المادى والفكرى إلى التقدم العملى والحضارى حتى تبوأت مكانة رفيعة فى العالم العربى والإسلامى. 

 

معاركه لتوحيد المملكة: 

ملحمة من الكفاح والنضال خاضها الملك عبد العزيز آل سعود، فى شبه الجزيرة العربية، بدأت فى سنوات شبابه الأولى تحت راية التوحيد لإيمانه بأنه فريضة شرعية وهدف سياسى مكنه من إقامة مملكة يُنظر لها باعتبارها نموذجًا صحيحًا للدولة الإسلامية استحق معه أن يُطلق عليه لقب «أمة فى رجل».

 

تاريخ هذا الرجل وما قدمه من جهود ينبغى أن تُذكر للأجيال الحاضرة والقادمة، وفاء له، فالبداية كانت بمولده عام 1876 فى الرياض لأسرة آل سعود الحاكمة فى نجد، وهو ابن الإمام عبد الرحمن بن فيصل بن تركى آل سعود آخر حكام الدولة السعودية الثانية، وفور بلوغه العاشرة من عمره انتقل مع العائلة إلى الكويت بعد انتصار الأمير محمد بن عبد الله الرشيد الذى وكلت إليه الدولة العثمانية احتلال السعودية، على أسرة آل سعود وقضى فى الكويت طفولته وخلال فترة تواجده هناك تعلم السياسة والمجالس وأساليب الحرب حتى تمكن من استرداد الرياض عام 1902.

 

ويحكى التاريخ تفاصيل تحرير الرياض من قبضة آل رشيد، بأنه عام 1900 استطاع عبد العزيز إقناع والده الإمام عبد الرحمن بن فيصل بضرورة محاربة آل رشيد لتحرير الرياض من أيديهم وقد تم تنفيذ الخطة بالفعل بعدما تمكن من حشد ما يقرب من 60 رجلًا معه وتحالف مع قبائل كثيرة لكى يساعدوه فى حربه تلك وبالفعل انتصر عليهم فى معركة فتح الرياض عام 1902 وعادت الأخيرة مجددًا لحكم آل سعود. 

 

حروب عدة خاضها الملك عبد العزيز ليحقق حلمه ويؤسس لمملكة آل سعود من بينها على الترتيب معركة الدلم عام 1902، ثم البكيرية ومعركة الشنانة عام 1904 ثم معركة روضة عام 1906 ومعركة الطرفية سنة 1907 وأبى دخن سنة 1911 حتى وصلنا إلى معركة جازان سنة 1932 والتى بعدها قام بتغيير اسم المملكة من الحجاز ونجد إلى المملكة العربية السعودية وعاصمتها الرياض التى أصبح ملكًا عليها بعد ذلك، وفى عام 1938 كانت النقطة المفصلية فى تاريخ المملكة والأمر الذى زادها قوة وثراء وهو اكتشاف النفط مما جعلها واحدة من أغنى دول العالم. 

 

ولإرساء قواعد حكمه تزوج الملك عبد العزيز من بنات شيوخ القبائل ورزق بما يقرب من 45 حكمًا، ويصل عدد أفراد أسرة آل سعود كاملة والمنتشرة فى كل ربوع المملكة وخارجها حوالى 25 ألف شخص من بينهم 200 أمير يمارسون عملًا مؤثرًا فى السياسة. 

 

الغرب يعترف بقوته: 

وطوال فترة حكمه واجه الملك عبد العزيز آل سعود تحديات داخليًا وخارجيًا، على رأسها تحالف القوى الغربية ضده لعرقلة حلمه، ولكنهم سرعان ما عادوا مرة أخرى وأقروا بالحقيقة، واعترفوا أن الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله من أقوى الرجال فى العالم، حيث استطاع خلال سنوات قليلة وبإمكانيات محدودة وفى ظروف بيئية قاسية أن يوحد شتات القبائل العربية ويؤمن الطرق لقوافل الحجيج من مختلف بقاع الأرض، كما أنه تمكن فى سنوات قليلة من توحيد الجزيرة العربية فى سنوات قليلة استطاع توحيد الجزيرة العربية وتثبيت أركان حكمه وفرض سيطرته على شبه الجزيرة العربية. وتتضح قوة الملك عبد العزيز وعلاقة الندية التى اتبعها مع القوى الغربية فى مقولات عدة له من بينها ما نُقل عنه «إخوانى أعضاء الوفود الإسلامية كونوا على ثقة بأننى لن أوافق أبدًا على وجود أية رقابة أجنبية فى بلادى ولسوف أعرف بعون الله كيف أصون استقلال هذه الديار».. وقول آخر «لقد خاض الناس فى القرض الكاذب ولفقوا وأولوا وأنا أقول والله الذى لارب سواه لم أعمل مع الإنجليز ولا مع غيرهم وربما أننا نحتاج ونأمل من المسلمين أو غيرهم ولكن إذا وقع فلا يمكن أن يخرج ذلك عن حدود الشرع ولا يمكن أن يمس البلاد واستقلالها وما فيها».

 

الملاذ الآمن لقادة العالم: 

كما امتلأ سجل لقاءاته ومقابلاته بعدد كبير من الشخصيات والقادة العرب والأجانب خلال زيارتهم له أو زيارته لهم أو ممن جاءوا إلى الحج فى المملكة ونزلوا فى ضيافته، حيث كان رحمه الله مضيافًا كريمًا لا يرد من لجأ إليه أو احتمى بكنفه، ويشهد السجل بلقاءاته مع الرئيس الأمريكى فرانكلين روزفلت، وونستون تشرشل، والملك فاروق، ومحمود النقراشى باشا رئيس وزارته، والملك فيصل الأول ملك العراق، هذا بخلاف لقائه بعدد كبير من شيوخ البحرين وكميل شيمعون رئيس الجمهورية اللبنانية والملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن، واللواء أركان حرب محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية والأديب الكبير عباس محمود العقاد، والذى رافق الملك عبد العزيز أثناء رحلته من جدة إلى مصر والأديب الكبير عبد القادر المازنى، وطلعت باشا حرب والذى التقى بالملك عام 1935 فى المملكة وغيرهم. 

 

ومن بين الدلائل التى تشير لقوة الملك الراحل فى تعامله مع قادة الدول الغربية، كواليس الاجتماعات التى جمعته معهم من بينها على سبيل المثال لقاؤه بالرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين روزفلت فى مصر عام 1945، وهى المرة الأولى التى شهدت خروج الملك المؤسس للسعودية خارج أرض الحجاز، ويحكى الوزير الأمريكى المفوض لدى المملكة والذى كان مترجمًا للقاء وقتها «وليام إيدى» أن الملك كان مستعدًا لهذا اللقاء واصطحب معه حاشيته محملة بكل ما لذ وطاب من طعام وشراب كما أنه قام بموقف إنسانى خلال اللقاء إذ أهدى الملك عبد العزيز آل سعود كرسيه المتحرك، حيث كان مريضًا فى قدميه وكان فى حركته مشقة إلى روزفلت الذى كان لا يتحرك إلا على كرسى متحرك، وعن الاجتماع الذى دام قرابة خمسة ساعات يقول الكاتب وليد حمدى الأعظمى فى كتابه «العلاقات السعودية الأمريكية وأمن الخليج»، إن هذا اللقاء جاء ضمن محاولات التسابق على البترول السعودى ما بين أمريكا وبريطانيا وبشكل عام رسخ هذا اللقاء لدستور ألزم قادة البلدين للالتزام به للاحتفاظ بالتاريخ الحافل بين البلدين. 

 

موقفه من القضية الفلسطينية والسورية: 

هذا بخلاف ما يذكره التاريخ عن مواقفه المؤيدة والمناصرة للقضية الفلسطينية ورده الشهير على الرئيس الأمريكى هارى ترومان، عندما طلب منه الأخير تأييده لإقامة دولة إسرائيل فى فلسطين المحتلة، فجاء رده بالرفض قائلًا: «فخامة الرئيس، إننى ما بلغت من المكانة المرموقة التى تذكرونها لى فى رسالتكم عند العرب إلا لما يعرفون من تمسكى الشديد بحقوق العروبة والإسلام، فكيف تطلبون منى ما لا يمكن أن يصدر عن أى عربى مسؤول؟».

 

وفيما يتعلق بالقضية السورية فقد أوصى الملك عبد العزيز آل سعود فى خمسينات القرن الماضى، الشعب السورى بالتضامن للحفاظ على بلادهم من فتنة التقسيم ما بعد الاستعمار وفقًا لما جاء فى جريدة أخبار الظهران السعودية القديمة عام 1954 بعد وفاته بعام ونقلتها جريدة الشرق الأوسط عنها بعد ذلك، وجاء فى الجريدة أنه عندما زار مصر استقبل وفدًا من الصحفيين السوريين ونصحهم بالتضامن وألا يأخذوا بدسائس الغير، قائلًا لهم: لقد كنت أسمع فى أذنى هذه أن السوريين قوم يقولون كثيرًا ولكنهم لا يجمعون على رأى واحد وكنت أتجاوز هذا القول لأنى مدرك أن دمشق هى مبعث الحركة العربية وصاحبة الفضل الكبير فى التقريب فعليكم أن تتماسكوا وتهجروا المنافع.. ولقد عشت 25 عامًا فى الفيافى والقفار ولقيت من شظف العيش ومرارة الحياه شيئًا كثيرًا ونالنى من طعنات السيف والسنان ما جعل الحياة فى نظرى لا تساوى شيئًا مذكورًا بالنسبة إلى إعلاء كلمة الحق ورفع راية الاستقلال.. وأنا إن دعوتكم أيها السوريون على التضامن والعمل فإنما أدعوكم من أجل بلادكم من أجل سوريا وثقوا بأنى لا أطمع فى سوريا بل أريدها دولة مستقلة استقلالا تاما ووصيتى لكم أن تعملوا متضامنين للعرب عموما ولسوريا تحديدا.

 

إنجازاته الداخلية: 

وبعيدًا عن الصعيد الخارجى،  هناك إنجازات داخلية استطاع الملك عبد العزيز تحقيقها فى فترة وجيزة مثل تأسيسه لوزارات الخارجية، الدفاع،  الداخلية، المالية، مجلس الشورى كما شكل أول نظام للمصارف وللطرق والمبانى ولإدارة الحج والمستشفيات، كما أنشأ أول مديرية للشرطة فى مكة وأول مصنع للثلج وغيرها من الإنجازات. 

 

وأمام ما حققه الملك عبد العزيز آل سعود وما اتخذه من خطوات لبناء المملكة، أشاد رجال الأعمال وخبراء الاقتصاد بتلك القواعد التى أقام عليها عبد العزيز دولته والتى تدل على وعيه التام بأسرار ومقومات البقاء والاستمرار والتى قادت وطنه نحو الخير والنماء حتى حققت بلاده خطوات استباقية فى مسيرات التنمية على مستوى العالم يشهد لها الجميع خاصة، فيما حققه من إصلاحات اقتصادية متوالية تعزز من النمو الاقتصادى عبر سياسات مالية مغايرة لتلك التى أحدثت أزمات مالية عالمية عانت منها الكثير من الدول.

 

وكان عبد العزيز آل سعود يولى اهتمامًا خاصًا لخدمة المواطن على اعتبار أنه العنصر الرئيس الذى يتم قياس مدى جودة الخدمة المقدمة له بناءً على رضائه، وبناءً عليه أمر الملك الراحل بزيادة رواتب العاملين فى المملكة وبناء الوحدات السكنية وتوسيع نطاق التوظيف فى القطاعين العام والخاص ناهيك عن كياسته وحكمته الاقتصادية عبر اتباعه سياسات مالية ارتبط بها إنفاق حكومى متوازن وفعلى مدعوم بارتفاع الإيرادات النفطية وترتيبه للأولويات حسب أهميتها بالنسبة للوطن عامة والمواطن خاصة، واتباعه لأساليب توسعية تدعم النمو الاقتصادى فى المملكة. 

 

صفاته الإنسانية:

وقد تمتع الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله بسمات إنسانية عديدة،  يُشهد له بها أكسبته محبة الملايين داخل المملكة وخارجها من بينها على سبيل المثال ما عرف عنه بالعفو والمصافحة حتى عن خصومه فكثيرًا ما كان يردد أمام الناس، ويطلب منهم أن يعاهدوه على الإخلاص لله والعمل على سعادة المسلمين، وكذلك تمسكه بدينه فدائمًا ما كان يرى أن الحياة الصحيحة السليمة والحكم الرشيد هو الذى يستند على أساس الدين،  ومن بين الصفات الحميدة أيضًا التى تحلى بها الملك الراحل مواقفه الإنسانية مع البسطاء والمحتاجين من أبناء الشعب السعودى والعربى على حد سواء. وأمام الصفات والمواقف السابقة والتاريخ الحافل من الإنجازات تبقى سيرة الملك الراحل واحدة من أهم السير التى أثرت التاريخ البشرى وقادت الأمة نحو مسيرة التنمية والتقدم.

 



الموضوعات المتعلقة

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع