«حلاوة سمسمية بمليم الوقية».. كانت هذه العبارة هى الجملة الوحيدة التى رددها الشاب الذى تخرج لتوه فى كلية الزراعة فى مسرحية «ثورة مدينة»، بعد اجتيازه الاختبارات واختياره مع عدد قليل من زملائه للمشاركة فى أدوار صغيرة بالمسرحية التى تعرض على مسرح التليفزيون فى بداية تأسيسه، وعلى الرغم من صغر حجم الدور، وأنه لن يظهر إلا لدقائق معدودة ولن يقول سوى هذه العبارة إلا أنه اجتهد حتى يكون مميزا ويجذب انتباه الجمهور من بين أبطال المسرحية.
ارتدى الشاب جلبابا و«كالسون فلاحى» اختارهما لنفسه وحمل صينية تحتوى على حلوى السمسمية، رسم الشخصية وتقمصها، ابتكر لها مشية وطريقة ينادى بها على بضاعته، وبمجرد أن ظهر على المسرح وقال جملته ضجت القاعة بالضحك ومنحت الشاب المبتدئ ثقة فى نفسه، لتبدأ معها هذه العلاقة الخاصة بينه وبين الجمهور، وهذا السحر الذى أحاطه ولازمه طوال حياته الفنية، وأصبحت جملته الصغيرة خلال المسرحية أحد أهم المشاهد التى أعجبت الجمهور ونبأت بظهور نجم من نوع خاص سيصبح بعد سنوات زعيما للفن وملكا للكوميديا.
لفت الشاب ابن قرية شها مركز المنصورة المولود عام 1940 انتباه المخرجين والمنتجين والنقاد، وأصبح عضوا فى فرق مسرح التليفزيون، وتم اختياره بعدها للمشاركة فى مسرحية «أنا وهو وهى» فى دور دسوقى أفندى الذى حقق نجاحا مبهرا، ثم اشترك فى عدد من المسرحيات ومنها النصابين، والبيجامة الحمراء، ومع كل دور كان الشاب يبتكر ويجتهد ويتألق ويضيف إلى رصيده، يصعد فى خطوات ثابتة إلى القمة، حتى وإن كان الدور صغيرا، وكانت هذه بداية الخطوات الأولى فى المسرح الذى لم يعرف له زعيما بقوة عادل إمام، وبنفس الهدوء والقوة والثبات كانت خطواته الأولى فى السينما ليصبح نجم النجوم وملكا متوجا على عرش السينما ويقدم عددا من أهم الأفلام فى تاريخها.
بعدها بدأ رحلته فى حب المسرح، حيث أسس فرقة مسرحية مع زملائه وقدم اسكتشات مسرحية على مسرح المدرسة.
انتقل الفتى الذى ورث خفة الظل والذكاء وقوة الشخصية عن والده الموظف وأسرته المتوسطة إلى حى السيدة زينب، عاش مشاكل وتفاصيل حياة الطبقة المتوسطة فاستطاع أن يعبر عنها، والتحق بكلية الزراعة، حيث كان يشارك فى بعض الأعمال الفنية أثناء دراسته دون علم والده الذى أراد أن يحصل ابنه على شهادة جامعية أولا.
كان عادل إمام يبنى مجده كمن يبنى صرحا قويا يضع حجرا فوق حجر ليزداد البناء قوة يوما بعد يوم، لم يحصل فى بداياته على أدوار البطولة بسهولة ولكنه صعد سلم المجد خطوة خطوة فكان الصرح أكثر صلابة.
لفت الأنظار فى السينما أيضا بأدوار بسيطة، الأستاذ أبو المجد فى مراتى مدير عام، وأمين فى كرامة زوجتى، وغيرها من أدوار استطاع خلالها أن يترك بصمته المميزة وأن يزيد من حالة العشق والارتباط بينه وبين الجمهور والتى بدأت مع أول طلة له.
ازداد تألقا ونجومية مع فيلم «لصوص لكن ظرفاء»، بل استطاع أن يخطف قلوب الجمهور الذى حفظ عباراته وإفيهاته فى الفيلم أكثر من أبطال العمل.
لم يكن الزعيم موهوبا فحسب، فما أكثر الموهوبين فى الفن لكن أيا منهم حتى من بدأ مشواره مع عادل إمام لم يحظ بهذه المكانة التى استطاع الزعيم وحده أن يصل إليها، كان مجتهدا مهموما بالفن، ذكياً ،عبقريا فى إدارة موهبته وهذا سر زعامته التى لم ينافسه فيها أحد، فاسطاع أن يخطف قلوب المشاهدين وأن يتربع على عرش الفن سواء فى المسرح أو السينما والتليفزيون طوال مسيرته التى جاوزت نصف قرن.
وفى السبعينيات ازداد النجم سطوعا ووهجا وتألقا، فبعد أن أثبت تميزه وقوة موهبته استطاع أن يقتنص أدوار البطولة فقام ببطولة عدد من الأفلام السينمائية ومنها «البحث عن فضيحة، وعنتر شايل سيفه، والبحث عن المتاعب، إحنا بتوع الأتوبيس، ورجب فوق صفيح ساخن، وغيرها».
وبنفس القوة استطاع أن يفرض زعامته على المسرح ببطولة مسرحية مدرسة المشاغبين التى كانت بداية مرحلة جديدة فى تاريخ المسرح وفى حياة الزعيم.
وكما كان بهجت الأباصيرى زعيما بين زملائه فى المدرسة أصبح عادل إمام زعيما بين أبناء جيله، وقدم العديد من الأفلام والمسرحيات التى حققت أعلى الإيرادات وأصبحت علامات فى تاريخ السينما والمسرح والدراما، وكان ملكا متوجا على خشبة المسرح فى مصر والعالم العربى وحققت مسرحياته نجاحات منقطعة النظير واستمر عرضها سنوات طويلة ومنها ،«شاهد مشافش حاجة، الواد سيد الشغال، مسرحية بودى جارد، الزعيم».
جسد الزعيم دور المصرى بمختلف مستوياته، الشاب المتعلم، الريفى البسيط ،الفقير المطحون، الضابط، والشقى المشاغب، أبدع فى الأدوار الكوميدية، وأفلام الأكشن وقدم عددا من أهم أفلام السينما وأكثرها إيرادا ومنها «النمر والأنثى، المولد، خلى بالك من عقلك، حنفى الأبهة، المتسول، حب فى الزنزانة، الهلفوت، الحريف، سلام ياصاحبى، كراكون فى الشارع، الإنس والجن، شمس الزناتى» وغيرها، وكان الحصان الرابح دائما.
وبنفس القوة اقتحم عالم الدراما التليفزيونية فقدم عددا من أهم الأعمال الدرامية، ومنها «أحلام الفتى الطائر، دموع فى عيون وقحة»، وبعد فترة انقطاع عاد الزعيم ليتربع على عرش الدراما التليفزيونية منذ عام، وقدم عددا من المسلسلات ومنها: «فرقة ناجى عطا الله، العراف، صاحب السعادة، أستاذ ورئيس قسم، مأمون وشركاءه، عفاريت عدلى علام، عوالم خفية».
ناقشت أعمال الزعيم العديد من القضايا الهامة والجريئة التى تعكس اهتمامات رجل الشارع العادى فى المجتمع المصرى والعربى بشكل كوميدى، وكان للعديد منها أبعاد سياسية واجتماعية لم يجرؤ غيره على مناقشة مثلها، خاصة فترة التسعينيات، حيث قدم عددا من الأفلام التى كاد بعضها يهدد حياته وخاصة التى تناول فيها قضايا الإرهاب وحارب فيها التطرف، وكان من أهم أفلامه خلال هذه الفترة: «اللعب مع الكبار، الإرهابى، طيور الظلام، الإرهاب والكباب، المنسى، رسالة إلى الوالى، الواد محروس بتاع الوزير، عمارة يعقوبيان، وزهايمر» تحدث عن القضية الفلسطينية والعدو الصهيونى، فى «السفارة فى العمارة، وفرقة ناجى عطاالله، ودموع فى عيون وقحة»، كما ناقش قضايا الفتنة الطائفية والوحدة الوطنية فى عدد من أعماله ومنها «حسن ومرقص» مع النجم العالمى عمر الشريف.
وفى حوار معه تحدث الفنان رشوان توفيق الذى كان بطلا فى مسرحية «ثورة مدينة» وكانت أول ظهور للزعيم عادل إمام، واجتمعا معا فى مسلسل عفاريت عدلى علام العام قبل الماضى قائلا: «كان عادل إمام عبقريا منذ صغره، وحين شارك فى مسرحية ثورة مدينة فى أول مشهد فى حياته الفنية كان مميزا وينبئ بموهبة فريدة من نوعها رغم صغر دوره، فكان بمجرد دخوله للمسرح تهتز القاعة بالضحك، ولفت إليه الأنظار».
وتابع قائلا: «ذكرنى الزعيم عادل إمام بهذه الجملة عندما شاركت معه فى مسلسل عفاريت عدلى علام فكان يرددها ويضحك».
وأضاف الفنان الكبير رشوان توفيق قائلا: «من وجهة نظرى فإنه لم يأت فنان قبل أو بعد عادل إمام يمتلك نفس قدراته فهو فنان عبقرى ومتنوع وأداؤه عالمى».
هكذا أمتعنا الزعيم ولا يزال بعبقرياته الفنية وهكذا رسم لنفسه منذ بداياته طريق الزعامة ليتربع على القمة بلا منافس، وأهدانا فيضا من الإبداع والبهجة والفن والضحك والفكر.. وفى عيد ميلاده نقول للزعيم عادل إمام كل عام وأنت على القمة زعيما لجمهورية الفن والإبداع.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع