فى الذكرى السابعة لوفاة البابا شنودة.. حائط الكنيسة المنيع الذى يصعب مهمة من يخلفه.. تركة البابا الثقيلة تغير حاضر الكاتدرائية وتعيد ترتيب مستقبلها.. ومئات الأقباط يتوافدون على مزاره

سبعة سنوات مرت على وفاة البابا شنودة على رحيل حائط الكنيسة المنيع، الرجل الذى ملأ عقول الأقباط قبل قلوبهم،وملأ الدنيا ضجيجًا بالشكل الذى يصعب مهمة من يخلفه، فعليه أن يعبر من هذا الحائط أو أن يجد طريقه لهدمه، وبين هذا وذاك، صراعات تحدث وأصوات تعلو وأخرى تهبط، رجال تختفى وبدلاء يظهرون، كنيسة تتبدل وتدخل عصر يتسمى باسمه "كنيسة ما بعد البابا شنودة".

 

40 عامًا قضاها البطريرك الـ117 على سدة كرسى مارمرقس، فالبابا عند الأقباط المعاصرين هو "البابا شنودة"، ما فعله صحيح وما لم يفعله خطأ بالتأكيد، ما قاله هو الأرثوذكسية وما نهى عنه ليس من المسيحية فى شئ، تصرفاته وأفعاله وأحكامه وقوانينه هى المثل والنموذج الذى يجب أن تسير عليه الأمور فى تلك الكنيسة، هكذا يراها غالبية من عاصروه، ومن ثم فإن ميراثه ثقيل وتركته ممتلئة لا يمكن التعامل معها باستخفاف أو عدم انتباه.

 

تركته السياسية واللاهوتية والإدارية، أعقد من كل الكلام، فقد سافر البابا إلى السماء، تاركًا خلفه مجمع من الأساقفة كانوا جميعا من اختياراته وممن آمنوا بأفكاره ومن شاركوه تأسيس مدرسته ومن ثم ورثوا خلافاته من بعده، فاختصموا من خاصمه فى حياته، وغضبوا مما لم يحبه البابا، لتضع تلك الحالة البابا تواضروس فى مقارنات دائمة تشبه المشانق المعلقة مسبقًا، مقارنات تخلو من النظر إلى السياق التاريخي والاجتماعى، وما حدث فى مصر من تغيرات سياسية تزامنت مع فترة تغيير الكنيسة وانتقالها من عصر البابا شنودة إلى عصر ما بعد البابا.

10d9f42c77.jpg

تركة البابا شنودة فى الكاتدرائية

نقل البابا شنودة الثالث كنيسته من عصر إلى عصر بعدما اعتلى كرسى "مار مرقص" عام 1971 حيث كان عدد الأساقفة أعضاء المجمع المقدس وهو أعلى هيئة كنسية 18 أسقفًا، قبل أن يصيروا 120 قبيل وفاته، وقد كان وصول البابا شنودة الثالث إلى الكرسي المرقسي بمثابة اعتلاء لتيار أبناء مدارس الأحد ومعلميها للكرسى المرقسي مما سيدعم تلك المدارس وخريجيها وتصبح مع الوقت المصنع الذى يخرج منه الآباء الكهنة والرهبان وصولا للبابا تواضروس نفسه الذى كان خادمًا فى مدارس الأحد أيضًا.

 

تركة البابا شنودة من الآباء الأساقفة ممن كانوا قريبين منه، يتولون مقاليد الكاتدرائية فى حياته، ظلوا يدافعون عن أفكاره حتى اليوم بل إنهم ورثوا خصوماته أيضًا، ولعل الخلاف الذى وقع بين البابا شنودة الثالث والقمص متى المسكين أبرز معالم تلك الصراعات التى ورثتها كنيسة ما بعد البابا شنودة، حيث ظهر جليًا ملامح استقطاب بين أساقفة المجمع منهم من ينتمى للتيار التقليدي سائرا على نفس نهج البابا شنودة،ومنهم من ينتمى للتيار الآبائى مقتفيا أثر القمص متى المسكين ومدرسته الرهبانية المعروفة باسم التيار الآبائى.

 

سياسيًا، أعاد الخلاف بين البابا شنودة والرئيس السادات ترتيب علاقة الكنيسة بالدولة، الخلاف الذى تسبب فى احتجاز البابا قيد الإقامة الجبرية بدير الأنبا بيشوى دفع البابا الراحل للحفاظ على شعرة معاوية بينه وبين النظام التالى "نظام مبارك"، بعدما خرج من ديره محمولا على الأكتاف فى السنوات الأولى لحكم الرئيس مبارك، واتسمت علاقة البابا بالرئيس بالكثير من الشد والجذب، حتى تغير شكل العلاقة تماما بوصول البابا تواضروس لسدة الكرسى المرقسي، ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسى لسدة القصر الرئاسى، ليشكل الثنائى معًا نموذجًا فى علاقة التكامل التى تجمع الكنيسة بالدولة دون صراعات أو خلافات.

42a4d32a31.jpg

فى مزار البابا شنودة.. مئات الأقباط يطلبون بركة البابا الراحل

أمام هذا الإرث الكبير، وتلك الكاريزما الهائلة التى كتب فيها آلاف المجلدات ومئات الكتب، يظل البابا شنودة من أكثر الباباوات المعاصرين شعبية، إذ كان يتمتع بكاريزما وقدرات هائلة على الوعظ تسلب عقول السامعين.

 

يحرص شعب الكنيسة وفى مثل هذا اليوم سنويًا على زيارة ضريح البابا شنودة أو مزاره بدير الأنبا بيشوى ينشدون مديحه وتمجيده، يحفون قبره لينالوا البركة، "فى آلامنا وفرحنا ياما شاركتنا، سألنا جاوبتنا.. البابا شنودة الثالث"، وهى تتطلع إلى السماء وتستكمل تمجيد البابا شنودة الذى تلقبه بآخر الباباوات العظام، وعلى اليمين يشاركها أولادها الصلاة أمام صورته وهو ينظر إلى السماء حيث يكتب عليها "ربنا موجود"، جهاد صلواتك، ثمارهم فى حياتك، وكتبك وعظاتك، البابا شنودة الثالث"، يردد رجل أربعينى بصوت عالى وهو يحف بيده مزار البابا شنودة.

 

فى مزار البابا تتدلى ملابسه الرهبانية السوداء، من سقف متحف صغير يضم مقتنياته ولا يخلو من طلبات كتبها له الأحبة رغبة فى نيل شفاعته وبركته، وفى الخلفية صوت البابا يعظ فى محبيه، حيث يشغل الدير تسجيلات صوتية لأشهر عظاته التى شغل بها الدنيا فكسب قلوب المسلمين والأقباط، وفى الواجهة كتبه وأعماله الباقية إرثًا لكنيسته وللتاريخ.

 

4238b1ba00.jpg

البابا تواضروس: البابا شنودة كان معلما قديرا

ومن جانبه، حرص البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية على إحياء ذكرى رحيل البابا شنودة إذ ترأس قداس ذكرى البابا شنودة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية

 

وقال البابا، إن قداسة البابا شنودة خدم كثيرا في البطريركية لمدة قاربت 40 عاما ، وكان معلما قديرا، والله أعطاه نعمة التعليم بأشكال كثيرة من خلال الكتب والعظات وعلى يديه امتدت الكنيسة وانتشرت في اماكن كثيرة، وكان موهوبا ليس فقط في التعليم ولكن في الأدب أيضا، وتقديم الأمثال وشرحها، وكان رمزا وشمعة للتعليم ومازالنا نستضىء إلى الآن ونستمع إلى صوته وهو يقدم إثراء للكنيسة، وأنه كان سببا لوجود نهضة في بلادنا مصر وكنائسنا امتدت لكافة الكنائس في مصر والمهجر وكافة البلدان.

 

 



 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع