سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 15يناير 1958.. ضباط سوريون يفرغون همومهم لعبدالناصر فى منزله ويطالبونه بوحدة مصر وسوريا

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 15يناير 1958.. ضباط سوريون يفرغون همومهم لعبدالناصر فى منزله ويطالبونه بوحدة مصر وسوريا
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 15يناير 1958.. ضباط سوريون يفرغون همومهم لعبدالناصر فى منزله ويطالبونه بوحدة مصر وسوريا

فى الساعة الثامنة مساء يوم 15 يناير- مثل هذا اليوم- 1958، استقل أعضاء الوفد السورى السيارات التى وضعت تحت تصرفهم، وتوجهوا من قصر الطاهرة إلى منزل الرئيس جمال عبدالناصر، فى منشية البكرى بالقاهرة، حسبما يروى محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان».

 

كان الوفد السورى 14 ضابطا من المجلس العسكرى السورى الذى تكون فى شهر أغسطس 1957 برئاسة عفيف البزرى، وضم 24 عضوا يمثلون كل الكتل العسكرية وعددًا من القادة الذين لا ينتمون إلى هذه الكتل، ووفقًا لهيكل: «اعتبر المجلس نفسه بمثابة مجلس يحمى استقلال سوريا، ويحول دون انضمامها إلى الأحلاف الأجنبية، وتكون هذا المجلس فى الوقت الذى كان هناك رئيس جمهورية ورئيس حكومة ومجلس نواب، مما أوجد ازدواجًا فى السلطة».

 

حضر الضباط إلى القاهرة بعد اجتماع للمجلس العسكرى السورى مساء يوم 11 يناير، وقرر سفر فورى لوفد إلى القاهرة، ومقابلة جمال عبدالناصر وإبلاغه بمطلبهم بالوحدة الفورية بين مصر وسوريا.. كان عبدالمحسن أبوالنور ملحقا عسكريا لمصر فى سوريا، ورافق الوفد السورى إلى القاهرة، ويتذكر أنه حين تم إبلاغه بالقرار، طلب إمهاله ساعة لإبلاغ القاهرة، ويؤكد فى مذكراته «الحقيقة عن ثورة يوليو»: «أرسلت برقية مقتضبة إلى القاهرة لكى تتمكن من ترتيب استقبالهم.. وتحركت الطائرة حوالى منتصف ليل 11 و12 يناير 1958 إلى القاهرة سالكة طريقًا بعيدًا عن الحدود الإسرائيلية، ووصلنا بعد 6 ساعات من الطيران، وكانت الطائرة مطفأة الأنوار حتى لا يعرف مكانها أى راصد، فى حين أن الطريق العادى للطيران يستغرق ساعتين فقط.. وصلنا إلى مطار ألماظة، وكان فى انتظارنا اللواء حافظ إسماعيل رئيس أركان القيادة المشتركة، واللواء محمد عبدالكريم مدير المخابرات الحربية».

 

كان عبدالناصر فى أسوان مع الرئيس الأندونيسى سوكارنو حين حضر الوفد السورى، ولما عاد اجتمع بأعضائه يوم 15 يناير، ويذكر هيكل نقلًا عن محضر الاجتماع المحفوظ فى أرشيف «منشية البكرى».. أن أعضاء الوفد السورى جلسوا فى نصف دائرة حول عبدالناصر ومعهم «عبدالحكيم عامر»، وبدأوا فى تقديم المذكرة المكتوبة التى حملوها من دمشق موقعة من كل أعضاء المجلس العسكرى بطلب الوحدة الفورية، وأمسك عبدالناصر بالمذكرة، ووضعها تحت منفضدة على مائدة أمامه قائلا لهم: «إن الموضوع أخطر من أية أوراق أو مذكرات، وأنا سمعت من عبدالحكيم ملخصا عما تحتويه هذه المذكرة، ولن أقرأها أمامكم الآن، وإلا كنا نقفز إلى النتائج دون أن نتحرى مقدماتها وأسبابها»، ثم أضاف: «إننى أرسلت لكم وجهة نظرى فى موضوع الوحدة، وأننا لسنا مستعدين لها قبل خمس سنوات، ولا أعرف ما الذى استجد خلال الأسبوعين الأخيرين بما يدعوكم الآن إلى المطالبة بالوحدة الفورية».

 

تكلم الوفد السورى، ويذكر «هيكل»: «وصفوا الفرقة بينهم، وقد أدت إلى إعلان حالة الاستنفار الدائمة فى الثكنات، لأن كلًا منهم يتوجس من الآخر والبلد يمكن أن تضيع فيما بينهم»، ثم وصفوا حالة الانقسام بين الأحزاب السورية التى توزعت اتجاهاتها السياسية إلى درجة توشك أن تحدث فتنة، ثم تحدثوا عن تسلل بعض الشيوعيين إلى أعصاب حساسة داخل سوريا، وعن نشاط خالد بكداش «زعيم الحزب الشيوعى» الذى حول حى الأكراد فى دمشق إلى قلعة مسلحة لا يجسر على الاقتراب منها غريب، ثم تحدثوا عن أسلحة تقوم أجهزة الأمن فى حلف بغداد بتهريبها عبر الحدود إلى سوريا فى نفس الوقت الذى تتكاثف فيه الحشود العسكرية على الحدود التركية والعراقية مدفوعة بتحريضات أمريكية سافرة، ثم تحدثوا عن الشخصيات السورية السياسية المتهالكة فى رأيهم، وأن كلا منهم قد باع نفسه لعاصمة عربية، أو أجنبية تدفع له الأموال الطائلة بما يؤدى إلى أن سوريا أصبحت وطنًا معروضًا للبيع».

 

كان عبدالناصر يصغى باهتمام، وحين أحس أنهم أفرغوا همومهم أمامه تكلم قائلًا: «لابد أن أقول لكم إن كل ما سمعته منكم لا يبرر قيام وحدة، فماذكرتموه جميعًا لا يخرج عن كونه أسبابًا سلبية، وهذه الأسباب السلبية سوف تكون عبئًا على الوحدة أكثر مما تكون قوة دافعة لها».. ورد أحدهم قائلًا «ولكن الشعب فى سوريا كله يطلب الوحدة، والوحدة هى المطلب الدائم بالنسبة للشعب السورى، والوحدة مع مصر بالذات هى التيار الكاسح فى سوريا الآن».. تدخل ضابط آخر قائلا: «الناس فى سوريا يحسون أنهم مقبلون على الوحدة، وأن مصر تصدهم، ومجلس النواب السورى اتخذ قرارا بالوحدة مع مصر، ولكن مجلس الأمة المصرى لم يستجب، وإنما ظل أسابيع طويلة مترددا ومحجما دون أن يجيب عمليا على النداء الموجه إليه من المجلس النيابى السورى، وبأمانة فإن هذا وضع جارح للمشاعر الشعبية السورية».

.. وتحدث عبدالناصر



 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع