سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 يناير 1973.. الرئيس السادات يجتمع برؤساء تحرير الصحف ويوبخهم بقسوة بسبب «بيان الحكيم»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 يناير 1973.. الرئيس السادات يجتمع برؤساء تحرير الصحف ويوبخهم بقسوة بسبب «بيان الحكيم»
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 10 يناير 1973.. الرئيس السادات يجتمع برؤساء تحرير الصحف ويوبخهم بقسوة بسبب «بيان الحكيم»

دخل نجيب محفوظ إلى مكتب توفيق الحكيم بجريدة الأهرام ليصافحه ويجلس معه كعادته اليومية.. يتذكر أديب نوبل فى «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» لـ«رجاء النقاش»: «بمجرد أن جلست قدم لى بيانا لكى أقرأه، وكان مكتوبا بخط الحكيم، وعندما انتهيت من قراءته سألنى: هل توافق على توقيعه؟.. رددت على الفور: نعم أوافق».

 

كان الاثنان من كبار كتاب الأهرام، بالإضافة إلى آخرين مثل يوسف إدريس، ولويس عوض، أثناء رئاسة محمد حسنين هيكل «1957 - فبراير 1974»، وكان للحكيم لدى محفوظ خصوصية إنسانية: «الوحيد الذى ارتبطت به وجدانيا وروحيا، وعشت معه سنوات طويلة كظله منذ 1947 حتى آخر مرة زرته فى المستشفى عام 1987».

 

صدر البيان يوم 8 يناير 1973، وغضب الرئيس السادات بسببه، وصدر فى سياق قلق الشارع بشأن موعد المعركة ضد إسرائيل، وعبرت الجامعات المصرية عن ذلك بمظاهرات فى يناير 1973، وحسب غالى شكرى فى كتابه «الثورة المضادة»: «اعتقلت المباحث ما يزيد على أربعمائة كاتب وصحفى وعامل وطالب ومحام من العناصر الديمقراطية».. ويؤكد أنه أمام هذه التطورات كان التحرك المباغت لتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، ولويس عوض، ويتذكر: «فى الثامن من يناير كتب توفيق الحكيم بحضورى أنا ويوسف إدريس وإبراهيم منصور البيان».

 

جاء فى البيان: «.. ما هو منشأ هذا الإحساس العام بالقلق والاضطراب والضياع فى نفوس الناس؟ لعل السبب الأهم فى ذلك هو عدم وضوح الطريق أمامهم.. فالصيحة المرتفعة فى كل حين بكلمة المعركة، وأن الطريق هو المعركة كان من الممكن أن يكون هو الجواب على أسئلتهم والطريق الواضح أمام أعينهم، وهذا لاشك ما أرادت الدولة أن تقدمه كجواب أو مصباح لوضوح الرؤية فى طريق المستقبل المعتم، ولكن مع الأسف تمضى الأيام وتصبح كلمة المعركة غامضة لا حدود لها ولا أبعاد لمعناها ولا تحليل لعناصرها، مجرد كلمة مطلقة تلوكها الأفواه، مجرد لقمة مستهلكة لكثرة مضغها، ويصبح الناس ويمسون، وهذه الكلمة تزداد على جميع النغمات فى الأناشيد والأغانى والخطب والشعارات حتى فقدت قوتها وفاعليتها، بل صدقها، وصارت اللقمة الممضوغة فى الفم غصة، لا هم يستطيعون ابتلاعها ولا هم يجرؤون على لفظها، وأصبحوا فى حيرة من شأنهم، وأصبح طريق المستقبل أمامهم مرة أخرى مسدودا وهم فى ضياع.. لابد من حل سريع لهذا الوضع، ولا يمكن أن يكون هناك حل إلا فى الصدق، والصدق وحده، لأن الصدق هو الذى ينهى الحيرة.. الشعب يريد أن يقتنع بشىء لأنه غير مقتنع، ولابد لراحة باله واقتناعه من عرض حقائق الموقف أمامه واضحة.. وهذا يقتضى النظر فى تغيير بعض الإجراءات التى تسير عليها الدولة اليوم، ومنها حرية الرأى والفكر وحرية المناقشة والعرض لإلقاء الضوء على كل شىء حتى تتضح الرؤية».

 

بعد أن وقع «محفوظ» على البيان فى مكتب الحكيم، وحسبما يقول: «دخل ثروت أباظة ووقع، وتوالت التوقيعات، حتى أن البعض وقع بمجرد أن رأى اسم توفيق الحكيم».. يكشف: «بعضهم مثل الدكتور على الراعى وقع بالتليفون، اتصل به الحكيم وأبلغه فطلب إضافة اسمه، وهناك ممن أصابهم تردد وقلق مثل الدكتور لويس عوض، وهناك من تورط، والبعض تهرب خشية الأذى».

 

يؤكد شكرى: «بسرعة تم نسخ عدة صور لإرسالها إلى رئيس الوزراء والأمين الأول للاتحاد الاشتراكى ورئيس مجلس الشعب، ولجنة تقصى الحقائق البرلمانية ومديرى الجامعات والنقابات المهنية ورؤساء تحرير الصحف للعلم فقط».. ورغم التنبيه بعدم النشر فإن مفاجأة حدثت، وأحدثت دويا سياسيا.. يكشف: «فى صباح يوم 9 يناير نشرت جريدة «الأنوار» اللبنانية نص البيان، فى صفحتها الأولى، واختارت 12 اسما من الموقعين يمثلون أهم الأجيال والاتجاهات»، وعنها تناقلت وكالات الأنباء الخبر المثير، ويؤكد: «كان من الطبيعى أن تثور الأجهزة الرسمية المصرية ثورة عنيفة على البيان، كما كان من الطبيعى أن يثور توفيق الحكيم على تسرب البيان إلى الخارج».

 

يكشف شكرى قصة التسريب: «الذى حدث أن الزميل اللبنانى طلال سليمان المحرر وقتئذ فى «الأنوار» «مالك ورئيس تحرير السفير اللبنانية»، كان فى القاهرة وعلى مقربة من الأحداث بحكم عمله الصحفى، ولاحظ قربى الشديد مما يجرى فى مكتب الحكيم، بل ومشاركتى فى مختلف المراحل، فطلب أن أفعل المستحيل للحصول على نسخة من البيان، وكان ذلك مستحيلا بالفعل، لأن الكمية المطبوعة معروفة العدد، ولما كان مكتبى يجاور مكتب الحكيم نقلت البيان بخطى، واخترت بعض التوقيعات وأعطيته لطلال فى منزلى الذى غادره إلى المطار رأسا، وتمكن من اللحاق بالمطبعة فى ساعة متأخرة من الليل، وكان ما كان».. يضيف شكرى: «فى 10 يناير - مثل هذا اليوم - 1973، عقد الرئيس السادات اجتماعا عاجلا لرؤساء تحرير الصحف ووبخهم توبيخا قاسيا على التقصير، وذكر بيان الحكيم- على حد تعبيره- وبعض فقراته وبعض أصحاب التوقيعات بأسلوب لا يخلو من التهديد».. وامتد الغضب إلى اليوم التالى.



 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع