"تراب الميرى" مازال يلمع رغم توقف التعيينات.. شباب يفضلون الوظيفة الحكومية لأنهم يعملون أقل برواتب أعلى.. "الأرزقية" آفة القطاع الخاص بسبب ضعف الرقابة على عقود العمل.. وخلق الوظائف وسيلة فعالة لهزيمة الفقر


كتبت منى ضياء

خلال اليومين الماضيين، ثار جدلا قديما بعد تأكيد نواب البرلمان على وجود مسابقة حكومية جديدة لتعيين الشباب فى الوظائف الخالية بالجهاز الإدارى للدولة بعد حوارهم مع وزيرة التخطيط بالمجلس قبل يومين، ونفت الوزير فتح باب التعيينات فى يناير المقبل فى تصريحات صحفية أمس، فلماذا يظل الشباب عالقون بحلم "تراب الميرى" حتى الآن؟

199
 

قطاع كبير من الشباب مازال يتخوف من القطاع الخاص ولا يقبل على العمل فيه، لأن ظروف العمل بأغلب الوظائف غير لائقة، وقد تكون المؤسسة رسمية ولكن العمل نفسه يتصف بطابع غير الرسمية، فالكثيرون يعملون بمنشآت القطاع الخاص بدون عقود عمل أو تأمينات أو كليهما.

 

ولتخفيف التكالب المجتمعى سواء من الشباب الباحثين عن عمل أو أسرهم، على الوظائف الحكومية، والتشبث بأى إعلان عن وظيفة بالجهاز الإدارى حتى لو كانت، هو مؤشر هام جدا ودال على سوء الأوضاع بالقطاع الخاص وأسباب عزوف الشباب عن العمل بالفرص التى يتيحها هذا القطاع والتى تكون فى الأغلب بمرتبات متدنية جدا لا توزاى حتى تكلفة المواصلات التى يحتاج إنفاقها للوصول إلى العمل فقط، دون الحديث عن طعام وشراب أو التزامات أسرية، وعدم الأمان الدائم الذى يشعر به المجتمع بأكمله نحو القطاع الخاص.

 

وفى دراسة أجراها الدكتور راجى أسعد أستاذ السياسات العامة بجامعة مينيسوتا الأمريكية وأستاذ زائر متميز بقسم الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بعنوان "تحليل ديناميكى لسوق العمل فى مصر"، توصلت لحقائق كاشفة لطبيعة سوق العمل فى مصر، حيث يفضل المجتمع بأكمله أن يحصل أبناءهم على شهادات جامعية على أمل اللحاق بركب الوظيفة الحكومية.

7960529341491217637
 

 

وانتهت الدراسة التى عرضها أسعد فى حلقة نقاشية عقدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية مطلع الشهر الجارى، إلى أن المشكلة الرئيسية فى مصر تتعلق بأن الاقتصاد المصرى لا يخلق فرص عمل بالشكل الكافى ولا بالجودة الكافية، وأن معظم فرص العمل الجديدة تخلقها منشآت صغيرة لديها الطابع غير الرسمى.

 

وقال "أسعد" إن الشباب وأسرهم يعتقدون أن الحصول على شهادة جامعية هى السبيل نحو إمكانية الحصول على وظيفة حكومية لأن القطاع الخاص لا يخلق فرص العمل التى تناسب خريج الجامعة وتتوافق مع تطلعات الشباب، فى حين أن هذه الشهادات تحقق منفعة منخفضة عند العمل بالقطاع الخاص لأن مخرجات نظام التعليم فى مصر لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل، وتحولت الشهادة إلى نوع من الوجاهة الاجتماعية عند الزواج.

22016151014265742bf5a18b-607c-4979-b172-f89e14500e1f
 

وأصبح العمل غير المنظم بدون عقد أو تأمينات فى القطاع الخاص هو الطابع الأساسى لسوق العمل المصرى، ويعمل به من يطلق عليهم "أرزقية"، قائلا: "40% من الوظائف بالقطاع الخاص بأجر تعتبر وظائف أرزقية وهى من أدنى أنواع الوظائف التى لا تحقق للعامل حماية اجتماعية وليس لها أى ثبات ومرتبطة بالفقر".

 

هذه النتائج تفسر بصورة واضحة لماذا يلهث الجميع وراء "تراب الميرى"، ويؤكدها أيضا ما تظهره نتائج نشره التوظف والأجور لعام 2016 الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، حيث يرتفع متوسط أجور العاملين بالقطاع العام إلى 1154 جنيها أسبوعيا تعادل 4616 جنيها متوسط راتب شهرى بالحكومة، فى حين أن متوسط أجور موظفى القطاع الخاص أسبوعيا 670 جنيها فقط تعادل 2680 جنيها شهريا، أى أن متوسط راتب موظف الحكومة يوازى تقريبا ضعف ما يحصل على موظف القطاع الخاص.

 

ورغم زيادة متوسط رواتب العاملين بالحكومة عن قرائنهم بالقطاع الخاص، فواقع الأمر أن موظف الحكومة يعمل بعدد ساعات أقل من موظف القطاع الخاص، وهو ما تكشفه بيانات جهاز الإحصاء أيضا، حيث ان موظف الحكومة يعمل بمتوسط 52 ساعة أسبوعيا، أما موظف القطاع الخاص فيعمل بمتوسط عدد ساعات 54 ساعة أسبوعيا. هنا موظف الحكومة يعمل أقل بأجر أعلى والعكس لموظف القطاع الخاص، وهنا لا مجال أكثر للتساؤل لماذا يلهث الشباب وراء أمل الوظيفة الحكومية.

201704120121392139
 

 

وإذا لم تكن الحكومة تنوى إتاحة فرص عمل جديدة بالجهاز الإدارى للدولة، فلا مجال أمام التباطؤ فى تحسين ظروف العمل بالقطاع الخاص وتشجيع المشروعات الصغيرة بصورة حقيقية تتجاوز مرحلة الإعلانات والمعوقات والنزول لأرض الواقع، وهذا هو السبيل الوحيد لحل مشكلة البطالة التى يعانى منها 11.9% من الشباب المصرى فى سن العمل.


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع