سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 13 سبتمبر 1926.. النواب يناقش أزمة كتاب فى «الشعر الجاهلى» لطه حسين ونواب يقترحون معاقبة المؤلف

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 13 سبتمبر 1926.. النواب يناقش أزمة كتاب فى «الشعر الجاهلى» لطه حسين ونواب يقترحون معاقبة المؤلف
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 13 سبتمبر 1926.. النواب يناقش أزمة كتاب فى «الشعر الجاهلى» لطه حسين ونواب يقترحون معاقبة المؤلف

أصر نائب البرلمان الشيخ مصطفى القاياتى على استجواب رئيس الوزراء عدلى يكن فى أمر الدكتور طه حسين وكتابه«فى الشعر الجاهلى»، ووفقا لأحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية - الحولية الثالثة 1926»، فإن مساعى حثيثة تم بذلها لعدوله عن الاستجواب، ثم أبدل بالاستجواب سؤالا على أن يرد عليه رئيس الوزراء كتابة، لكنه لم يرد، فأشيع أن نوابا  سيعرضون المسألة على المجلس أثناء بحث الميزانية، وهدد بعضهم بطلب إلغاء وظيفة طه حسين فى جامعة «فؤاد الأول». 

 

كان ذلك تصعيدا للمعركة الدائرة حول الكتاب التى بدأت فى صيف عام 1926 وفقا لتأكيد الدكتور أحمد زكريا الشلق فى كتابه «طه حسين - جدل الفكر والسياسة»، مضيفا: «على صفحات الجرائد، كتب مصطفى صادق الرافعى ومحمد رشيد رضا، وكان يتأذيان من نقد» طه حسين «لكتاباتهما كثيرا، يتهمانه فى تفكيره وجرأته على الدين، وجعلا يستعديان الحكومة ورجال القانون وعلماء الدين على الكتاب ومؤلفه، وكان طه حسين يرد عليها وعلى غيرهما على صفحات السياسة مدافعا عن الكتاب وعن منهجه، ومهاجما جمود الشيوخ الذين ذكر أنهم يتسلطون على الحياة العقلية والسياسية فيفسدونها جميعا، ونادى بضرورة أن نعصم حياة مصر الراقية من جمودهم «كان الكتاب وحسب» الشلق «عبارة عن محاضرات ألقاها طه حسين على طلابه فى الجامعة عام 1926 فى موضوع من أحب الموضوعات إلى نفسه،وهو الشعر الجاهلى الذى أخضعه لدراسة متأنية وتأمل طويل، وجعل يلقى نتائج دراسته على طلابه أولا بأول، بعد أن رأى وجوب دراسة آداب وتاريخ العرب استنادا إلى منهج عملى مستمد من مذهب»ديكارت»، الذى يبدأ بالشك ليتخذه طريقا إلى اليقين، فوصل تدريجيا إلى نتيجة مثيرة مؤداها أن ما أضيف إلى العرب قبل الإسلام من شعر، لم يكن لهم، وإنما نسب إليهم فكان منتحلا، ويؤكد الشلق: «خطورة تركيز طه حسين على تطبيق هذا المنهج لغربلة الروايات والنصوص الأدبية سيقوده إلى طرح إمكانية نقد النصوص الدينية من وجهة نظر البحث العلمى».

 

أشعل طلاب الأزهر ورجال الدين الأزمة، ويذكر الشلق، أن طلاب الأزهر توجهوا بمظاهرة إلى مجلس النواب تهتف بسقوط «طه حسين»، فخطب سعد زغلول رئيس المجلس فيهم مهدئا «إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر فى هذه الأمة المتمسكة بدينها، هبوا أن رجلا مجنونا يهذى فى الطريق، فهل يضير العقلاء شى من ذلك، إن هذا الدين متين، وليس الذى شك فيه زعيما ولا إماما حتى نخشى من شكه على العامة،فليشك ما شاء،وماذا علينا إذا لم تفهم البقر؟»

 

أما رجال الدين فأرسلوا برقيات إلى الملك فؤاد يطالبونه بمصادرة الكتاب وإبعاد طه حسين عن الجامعة، طبقا لتأكيد «الشلق»، وجاء الدور على مجلس النواب يوم 13 سبتمبر «مثل هذا اليوم» من عام 1926 حيث بدأ مناقشة أزمة الكتاب، ويذكر «الشلق»، أن رئيس المجلس كان سعد زغلول بأغلبيته الوفدية فى البرلمان التى تحالفت مع حزب الأحرار الدستوريين، وتركت لرئيسهم عدلى يكن رئاسة الحكومة، ويذكر «شفيق باشا»، أن النائب عبد الخالق أفندى عطية ألقى خطابا قال فيه: «لا يجوز أن تتملكنا فكرة انتقام بل يجب أن يكون رائدنا العمل على الإصلاح أو الوقاية من الأضرار، لأن الديانات من شأنها التسامح».

 

وتحدث وزير المعارف على الشمسى، فقال إنه سأل مدير الجامعة عن الإجراءات التى اتخذها نحو الكتاب، فأجابه بأن الجامعة منعت انتشاره بشراء جميع النسخ من المكاتب وحجزتها فى مخازنها، كما اتخذت الإجراءات لمنع طبع نسخ أخرى، وأن المؤلف صرح على صفحات الجرائد بأنه مسلم ولم يقصد الطعن فى دين من الأديان أو المس بكرامته، ووعد الوزير بأن يبحث المسألة.

 

تم تلاوة اقتراح النائب عبد الحميد أفندى البنان بتكليف الحكومة بأن تتخذ ثلاث إجراءات وهى: مصادرة وإعدام الكتاب واتخاذ ما يلزم لاسترداد ثمنه المدفوع من الجامعة، وثانيا: تكليف النيابة العمومية برفع الدعوى العمومية عليه لطعنه على دين الدولة الرسمى، ثالثا: إلغاء وظيفة طه حسين من الجامعة، ثم تلى اقتراح النائب محمود لطيف بك بأن يقرر المجلس رغبته إلى الوزارة بمعاقبة مؤلف الكتاب، وأن تتخذ الوزارة ما يحفظ المعاهد العلمية من أن تكون مقاما لمثل هذا التهجم، مع اتخاذ ما يلزم لإعدام نسخ كتاب.. وتواصلت الجلسة فى اليوم التالى.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع