التراث الفلسطينى فى خطر (2).. الاحتلال كثف هجومه على المواقع الثقافية منذ 2002.. حصار كنيسة المهد وتدمير البلدة القديمة بنابلس أكبر شاهد على جرائم إسرائيل.. وعدوان 2008 و20214 و2023 دمر مئات المواقع الأثرية

  • نهب الموارد الأثرية ونقلها أو الاستحواذ عليها في نطاق المستوطنات الإسرائيلية

  • وزير العدل الفلسطينى: سنطالب إسرائيل عبر المنظمات الدولية بإعادة ترميم الممتلكات الثقافية

  • تدمير مبنى قصر الضياف كليا خلال عدوان 2008 على غزة

  • قصف تل المنطار الأثرى وتدمير كامل لمسجد يالظفردمرى والمملوكى خلال عدوان 2014

  • مدير عام المتاحف بوزارة السياحة الفلسطينية: القوانين الدولية حظرت بارتكاب أية أعمال عدائية ضد الآثار التاريخية

  • مدير إدارة المواقع الأثرية بالآثار الفلسطينية بمحافظات الشمال: الاحتلال يستهدف موروثنا الثقافى منذ نكبة 1948
     

فى الحلقة السابقة، سلطنا الضوء على عمليات التدمير والاستيلاء على الآثار الفلسطينية منذ منصتف القرن التاسع عشر، من قبل بريطانيا والاحتلال، وفى هذه الحلقة سنبرز عمليات تدمير واستيلاء على مقدرات التراث الفلسطينى مع بداية القرن الواحد والعشرين، وسنبدأ بالأحدث حيث العدوان الأضخم الذى يشهده قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضى، الذى شهد أكبر عمليات استهداف وتدمير وسرقة للمواقع التراثية والأثرية فى هذه البقعة التاريخية.

 

حجم تدمير الآثار الفلسطينية فى غزة منذ بداية لعدوان الإسرائيلى الأخير

مؤخرا، وبالتحديد فى يوم الخميس 11 يناير، أصدر المكتب الإعلامى الحكومى فى غزة، بيانا كشف فيه حجم الدمار فى دور العبادة بقطاع غزة، والتى من بينها مبانى تاريخية، حيث أكد أن الاحتلال دمر 380 مسجدا و3 كنائس فى غزة، يعود بناء بعضها لأكثر من ألف عام، حيث دمر خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة 140 مسجدا بشكل كلى، و240 مسجدا هدمها الاحتلال بشكل جزئى، إضافة إلى استهداف وتدمير 3 كنائس.

 

كما كشف أن أبرز أساليب تدمير المساجد كان من خلال إلقاء عليها صواريخ وقنابل، وزن بعضها 2000 رطل من المتفجرات، مما أدى إلى تدميرها بشكل كامل، فى دليل واضح على حقد وإجرام الاحتلال الإسرائيلى ضد المساجد والكنائس، موضحا أن الجيش الإسرائيلى دمّر من بين المساجد والكنائس؛ مساجد أثرية وكنائس، فى محاولة فاشلة لطمس الوجود الثقافى والتراثى الفلسطينى ومحاولة لدثر الشواهد التاريخية والعمق التاريخى الفلسطينى فى قطاع غزة، على غرار تدمير المسجد العمرى فى مدينة غزة، والمسجد العمرى فى جباليا، ومسجد الشيخ شعبان، ومسجد الظفر دمرى فى الشجاعية، ومسجد خليل الرحمن شرق خانيونس، وكنيسة جباليا البيزنطية، كما استهدف الجيش الإسرائيلى المساجد والكنائس مثل مسجد السيد هاشم فى مدينة غزة، وكنيسة القديس برفيريوس فى مدينة غزة، حيث أن أصول هذه المساجد والكنائس تعود إلى العصر الفينيقى والعصر الرومانى، وبعضها يعود تاريخ بنائه إلى 800 عام قبل الميلاد، وإلى 1400 عام، وإلى 400 عام.

 

d7e31927-a981-4e21-8911-89380329f202

 

 

الفلسطينيون يوثقون جرائم إسرائيل ضد الآثار وسرقة التراث

فى هذا السياق يؤكد الدكتور ضرغام فارس مدير إدارة المواقع الأثرية بوزارة السياحة والآثار الفلسطينية فى محافظات الشمال بقطاع غزة، أن سياسة الاحتلال الإسرائيلى تعتمد على قتل أكبر قدر ممكن من سكان قطاع غزة بما فيهم النساء والأطفال وذلك من خلال القصف ومن خلال استهداف المستشفيات، ودفع سكان قطاع غزة إلى الهجرة من خلال التجويع والتهديد والإرهاب، وتدمير الأثار التى تشهد على الحق التاريخى للشعب الفلسطينى فى فلسطين وأهمها المساجد والكنائس التاريخية.

وحول أسباب استهداف الاحتلال للتراث الفلسطينى منذ بداية نكبة 1948، يضيف مدير إدارة المواقع الأثرية فى محافظات الشمال بقطاع غزة، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن استهداف الاحتلال الصهيونى للموروث الثقافى الفلسطينى هو جزء لا يتجزأ من استهداف الوجود الفلسطينى على أرض فلسطين، فالآثار هى الشاهد المادى الملموس على الحق والوجود التاريخى الفلسطينى على أرض فلسطين منذ العصور الحجرية إلى اليوم.

كما كشف عن حجم ما تم تدميره فى قطاع غزة منذ بداية العدوان قائلا أنه منذ بداية العدوان يوم 7 اكتوبر إلى الآن تعرض للتدمير الجزئى أو الكلى حوالى 200 موقع أثرى من أصل 325 موقع مسجل فى قطاع غزة، أى بنسبة تدمير تجاوزت %60 من إجمالى عدد مواقع، كاشفا أن وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، شكلت لجنة مختصة من كوادر الوزارة ومن مختصين من خارج الوزارة ويتم توثيق كل الاعتداءات وحصر الأضرار بشكل يومي.

وحول ما إذا كان هل استهداف المواقع التراثية يمثل انتهاكات للقوانين الدولية، يؤكد ضرغام فارس، أن قصف وتدمير الاحتلال الصهيونى للمواقع الأثرية والتاريخية يشكل خرقا فاضحا للقانون والاتفاقيات الدولية لحماية التراث خاصة الاتفاقية الدولية لحماية التراث العالمى الثقافى والطبيعى لسنة 1972، واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 واتفاقية لاهاى لسنة 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح وإعلان اليونسكو العالمى لسنة 2001 حول حماية التنوع الثقافي.

وحول إبلاغ اليونسكو تدمير الاحتلال للآثار الفلسطينية وسرقة محتوياتها يقول "تقوم وزارة السياحة والآثار الفلسطينية باستمرار بتوثيق ورفع اعتداءات الاحتلال على الموروث الثقافى الفلسطينى إلى مختلف الجهات الدولية المختصة وعلى رأسها اليونسكو وتطالبها بالتدخل".

استهداف الاحتلال لمواقع الأثرية فى عدوانى 2008 و2014

ما تشهده غزة الآن من تدمير ممنهج للتراث، تعرضت له أيضا خلال عدوانى 2008 و2014، حيث فى حرب عام 2008، تعرضت مبانٍ أثرية للتدمير الكلى مثل مبنى قصر الضياف وهو أحد المبانى التاريخية، بينما فى عام 2014، أصدرت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية تقريرا فى ذلك الوقت أكدت فيه أن انتهاكات الاحتلال أصابت المواقع المسجلة على اللائحة التمهيدية للتراث العالمى، بجانب العديد من مواقع التراث العالمى ذات الأهمية المحلية والوطنية والعالمية، أبرزها موقع القديس هيلاريون فى النصيرات، وتدمير جزئى فى موقع البلاخية والذى يمثل ميناء غزة القديم ويعود تاريخه إلى العصر الحديدى والهلنستى والرومانى والبيزنطى والإسلامى المبكر، وقصف متكرر على محمية وادى غزة الطبيعية، المسجل ضمن اللائحة التمهيدية للتراث العالمي.

وذكر التقرير حينها، أنه تم تدمير لمراكز المدن التاريخية فى غزة وخان يونس ورفح وبيت حانون وبيت لاهيا، بجانب تدمير عدد من البيوت القديمة فى محيط قصر السقا والسوق القديم فى الشجاعية، بجانب إلحاق أضرار واسعة فى موقع تل رفح والذى يعود الموقع بتاريخه إلى العصر البرونزى والحديدى، وتدمير واسع لدور العبادة والمبانى الدينية، والمقامات الدينية.

الاحتلال يكثف استهدافه على مواقع التراث الثقافى الفلسطينى منذ 2002

من جانبه يؤكد جهاد ياسين، مدير عام المتاحف والتنقيبات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أن الآثار تعتبر المنطقة التى يتقاطع فيها العلم مع الأيدولوجيا فى فلسطين، وعلى مدار مئة عام من النشاط الأثرى فى فلسطين واكثر من أربعين سنة من النشاط الأثرى الإسرائيلى فى الاراضى الفلسطيينة بعد عام 1967، وتمثل استهداف التراث الثقافى الفلسطينى فى التنقيبات الأثرية فى مئات المواقع الأثرية، فى انتهاك صريح للقانون الدولى، وكان الهدف من التنقيبات إعادة كتابة تاريخ هذه المواقع بما يخدم الادعاءات الاستيطانية الصهيوينة فى فلسطين، من خلال خلق صلة بين الماضى والحاضر.

جهاد ياسين

 

جهاد ياسين

ويضيف فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الوجه الاخر للنشاط الأثرى الصهيونى يتجلى فى نهب الموارد الأثرية ونقلها أو الاستحواذ عليها فى نطاق المستوطنات الإسرائيلية والمعسكرات أو ضمها بالجملة خلف الجدار العنصرى الفاصل، وقد أدت علمليات الاتجار غير القانونى إلى تدمير السياقات الأثرية الفلسطينية، من خلال تحفيز عمليات التنقيب غير الشرعية وتعرض التراث الثقافى الفلسطينى لعملية تدمير شبه منظمة على مدار سنوات الاحتلال، وعانت مواقع التراث الثقافى من آثار القصف والتفجير متسببة فى أضرار متفاوتة، وقد تكثف الهجوم الإسرائيلى على مواقع التراث الثقافى منذ شهر أبريل 2002.

ويتابع مدير عام المتاحف والتنقيبات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أنه جرى استهداف مقصود لمواقع التراث الثقافى فى المدن التاريخية فى غزه ورفح وخانيونس والخليل وبيت لحم وبيت جالا ورام الله ونابلس وجنين وطولكرم وسلفيت وقلقيلية وعابود، وتعرضت المدن القديمة فى الخليل وبيت لحم ونابلس لعمليات تدمير واسعة طالت المبانى الأثرية والتاريخية والدينية، ويعتبر حصار كنيسة المهد وتدمير البلدة القديمة فى نابلس أكبر شاهد على الاعتداءات الإسرائيلية على التراث الثقافى الفلسطينى، حيث طالت عمليات التدمير أحياء البلدة القديمة وبيوتها وأسواقها ومبانيها التاريخية وأماكن العبادة فيها. وقد طالت الاعتداءات مسجد الخضرا المملوكى وكنيسة الروم الأرثوذكس ومقام الشيخ مسلم. وجرى تدمير مصانع الصابون القديمة فى حى الياسمينة ثم خان التجار وعشرات بيوت السكن والمبانى التاريخية.

ويقول جهاد ياسين، أن عدد المواقع الأثرية فى قطاع غزة يبلغ حوالى 130 موقعًا ومعلمًا أثريًا يعود تاريخها منذ العصر البرونزى المبكر حتى الفترة الإسلامية، إضافةً إلى مئات المبانى التاريخية والتقليدية التى يمتد تاريخها منذ الفترة الرومانية حتى الفترة العثمانية، بينما تعمد الاحتلال على تدمير مواقع التراث الثقافى أثناء العدوان المتواصل على قطاع غزة، إلى جانب إبادة البشر عمد الاحتلال إلى تدمير الحجر والذاكرة والهوية والآثار والرموز السيادية الفلسطينية من خلال استهداف المعالم التاريخية والرموز الخاصة بالشعب الفلسطينى، وتدمير التراث الثقافى من وثائق وآثار ومعالم؛ لطمس أى هوية فلسطينية تتعلق بالفلسطينيين، أو تكون شاهدة على وجودهم فى هذه الأر،. وهذا ما يسعى إليه الاحتلال الإسرائيلى منذ سنوات طويلة، من خلال الاستهدافات المتكررة للمواقع الأثرية والتراثية فى فلسطين عمومًا، وتركيزه على قصف وتدمير المواقع الثقافية فى قطاع غزة خصوصًا، رغم أن الآثار التاريخية والأماكن الثقافية التراثية والنصب التذكارية تعتبر مناطق محمية، لكونها مشمولة بالحماية الدولية وفقًا للقوانين والأنظمة، لكن تتعمد إسرائيل إهمال اتفاقية لاهاى لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية فى حال النزاع المسلح.

ويوضح أنه فى الحرب السابقة 2014 على غزة جرى استهداف مقصود لمواقع التراث الثقافى والمبانى العامة والدينية والمؤسسات التعليمية والبنية التحتية. وقد طالت الاعتداءات مبانى الوزارات ومرافق الخدمات العامة والمبانى التاريخية والمواقع الأثرية ومنهاقصف تل السكن بطائرات F16 فى منطقة مدينة الزهراء، وقصف مبانى داخل البلدة القديمة عدد 2، وقصف موقع البلاخية- الانثيدون فى أكثر من غارة من البوارج الحربية، وقصف تل المنطار الأثرى فى أكثر من غارة عبر F16، وقصف محيط موقع دير سانت هيلاريون F16، وقصف المقبرة المسيحية المعمدانية التاريخية وأضرار لكنيسة القديس بيرفيريوس، بجانب الدمار الذى لحق بمقبرة دول الكومنولث الخاصة بجنود الحرب العالمية الثانية والواقعة فى حى التفاح، وقصف بيت ملاصق لبيوت السقا التاريخية وتدمير كامل لمسجد الظفردمرى المملوكى، ومسجد السيد هاشم وقصف مباشر وتدمير جزء كبير من المسجد المملوكى، بجانب المسجد العمرى فى جباليا والذى شهد تدمير كامل، واستتهداف قصر السقا الأثرى، والذى لحق به أضرار جزئية نتيجة قصف سوق الشجاعية، والمحكمة البردبكية المملوكية التى لحق بها تدمير جزئى، وتدمير كامل لتل رفح، وتدمير مقام وفسيفساء خليل الرحمن فى عبسان، وتدمير مقام النبى يوسف وهو مقام عثمانى فى بنى سهيلا، واستهداف الكنيسة البيزنطية فى جباليا، وتدمير مبنى المتحف الملاصق للفسيفساء، وقصف مباشر للمقبرة الرومانية فى منطقة شرق جباليا، واستهداف أرضية كنيسة أصلان، وإحداث تدمير جزئى.

ويشير جهاد ياسين، إلى أنه تم استهداف مقصود لعشرات المساجد التاريخية فى عام 2014، بجانب تدمير المشهد الثقافى والطبيعى فى منطقة حى الزيتون وبيت لاهيا وبيت حانون وجحر الديك، كما أدى استمرار الحصار المفروض على غزة إلى تفاقم الاوضاع الانسانية والحيلولة دون تقديم الدعم الدولى لحماية التراث الثقافى، وكذلك أدى بناء الجدار الفاصل فى عمق الأراضى الفلسطينية إلى السيطرة على المصادر التقافية للشعب الفلسطينى، وإلحاق أضرار فادحة بالتراث الثقافى الفلسطينى، تمثلت بتدمير عشرات المواقع والمعالم الأثرية فى مسار بناء الجدار نفسه، وفصل مئات المواقع الأثرية فى المنطقة العازلة الواقعة بين الخط الأخضر ومسار الجدار إلى جانب فصل مدينة القدس عن محيطها الفلسطينى، كما أدى هذا الجدار إلى تدمير كارثى للمشهد الثقافى والطبيعى وإفساد تكامليته بصورة فظة.

وبشأن تاريخ الجامع العمرى الكبير الذى استهدفته قوات الاحتلال مؤخرا، يقول مدير عام المتاحف والتنقيبات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أنه المسجد الأكبر والأقدم فى قطاع غزة، ويقع فى مدينة غزة القديمة، وقد أُطلق عليه هذا الاسم تكريمًا للخليفة عمر بن الخطاب صاحب الفتوحات، وكان موقع المسجد الحالى معبدًا فلسطينيًا قديمًا، ثم حوَّله البيزنطيون إلى كنيسة فى القرن الخامس ميلادى، وبعد الفتح الإسلامى فى القرن السابع حوَّله المسلمون إلى مسجد، ووصفه الرحالة والجغرافى ابن بطوطة بـ«المسجد الجميل» فى القرن العاشر الميلادي. وفى عام 1033م ضرب زلزال المنطقة فأدى إلى سقوط مئذنة الجامع العمرى الكبير، وفى سنة 1149م، حول الصليبيون مكان المسجد كاتدرائية مكرَّسة ليوحنا المعمدان، ولكن الأيوبيين دمروا معظمها عام 1187م، ثم أعاد المماليك بناء المسجد فى وقت مبكر من القرن الثالث عشر الميلادى، ولكن المغول قاموا بتدميره عام 1260م، لكن سرعان ما استعاده المسلمون، ودُمِّر مرة أخرى بعد وقوع زلزال ضرب المنطقة فى نهاية القرن الثالث عشر، وفى القرن السادس عشر، أعاد العثمانيون بناء المسجد العمرى الكبير، وذلك بعد حوالى 300 سنة من وقوع الزلزال. وأصيب المسجد بأضرار بالغة بعد القصف البريطانى أثناء الحرب العالمية الأولى، وفى عام 1925م قام المجلس الإسلامى الأعلى بترميم المسجد، وفى 19 نوفمبر 2023 استهدفت قوت الاحتلال الإسرائيلية المسجد مَما أدى إلى تدمير أجزاء منه وتحطم مئذنته التى يعود تاريخ بنائها إلى 1400عام، كما أعادت الطائرات الإسرائيلية قصف المسجد يوم 8 ديسمبر 2023 ودمرت أجزاء واسعة منه.

وبشأن الحرب الأخيرة على غزة وتأثيرها على الآثار الفلسطينى فى ظل استمرار استهداف الاحتلال للتراث فى القطاع يقول جهاد ياسين :"العدوان الإسرائيلى الحالى هو على كل نواحى الحياة الفلسطينية وخلف الآلاف من الشهداء والجرحى ودمار هائل فى البنى التحتية والمبانى المدنية والمنشات الحيوية، واستكمالا لما تقوم به وزارة السياحة والآثار فى حصر الأضرار التى نجمت عن العدوان، وثقت طواقم الوزارة بشكل أولى المواقع والمعالم الأثرية التى تعرضت إلى القصف الإسرائيلى من خلال الاجتياح البرى والعدوان الجوى بالرغم من صعوبة الوضع والعمل الميدانى لحصر الاضرار والذى يتطلب عمل وتوثيق ميدانى ، والذى اسفر عن تدمير العديد من المواقع أهمها ميناء غزة الأثرى (الأنثيدون)، وكنيسة برفيروس، وتدمير مجموعة من المتاحف منها متحف القرارة فى محافظة خان يونس، ومتحف رفح، بجانب تدمير واسع فى مجموعة من الاحياء التاريخية فى غزة منها حى الزيتون والدرج والشجاعية، وتدمير كنيسة أثرية فى جباليا، بجانب تدمير المقبرة الرومانية، واستهداف دير سانت هيلاريون، وتدمير مختبرين لترميم وصيانة المخطوطات الأثرية، وتدمير بيت السقا، وتدمير الجامع العمرى فى جباليا، واستهداف مئذنة مسجد المحكمة، وكذلك استهداف مسجد عثمان قشقار الأثرى شرق مدينة غزة، ومركز رشاد الشوا الثقافى والذى يعد أكبر مركز ثقافى فى قطاع غزة، يحتوى على وثائق وكتب ومخططات تاريخية.

ويؤكد أن العدوان استهدف أيضا مكتبة بلدية غزة وهى أكبر مكتبة عامة فى مدينة غزة، وتدمير مبنى الأرشيف المركزى لبلدية غزة، وإعدام آلاف الوثائق التاريخية التى يزيد عمرها عن 100 عام، واستهداف متحف قصر الباشا الأثرى، متابعا :"كما استهدفت قوات الاحتلال سبيل الرفاعية وهو أحد أهم وأقدم المعالم التى عرفت فى العصر العثمانى ومبنى بلدية غزة القديم، وحمام السَمَرَه، ومقبرة بيت حانون التاريخية، وتم رصد تدمير العديد من المواقع الأثرية الأخرى ولم يتسنَّ للوزارة بعد توثيق هذه الاعتداءات بسبب استمرار الحرب وعدم إمكانية الحركة والعمل للطواقم الفنية والأثرية ومن هذه المواقع مقام الخضر فى دير البلح، وموقع تل السكن الأثرى فى مدينة الزهراء، ومسجد هاشم بن عبد مناف فى حى الدرج، وتل المنطار الأثرى على أطراف مدينة غزة، والمدرسة الكاملية فى البلدة القديمة بغزة، ومسجد الظفرى دمرى فى حى الشجاعية بغزة.

القانون الدولى يحذر استهداف الآثار والتراث

ويوضح مدير عام المتاحف والتنقيبات وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أن هناك مجموعة من الوثائق والمعاهدات الدولية التى تنظم وضع الاثار والتراث الثقافى تحت الاحتلال وفى حالة النزاع الحربى، وأهم الوثائق والمعاهدات الدولية فى هذا الصدد هى اتفاقية لاهاى لسنة 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وملحقاتها، ثم اتفاقية لاهاى لحماية الممتلكات الثقافية اثناء النزاع المسلح لسنة 1954 وتوصيات المؤتمر الدولى التاسع حول التنقيبات الأثرية فى دلهى سنة 1956 ومقررات الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الأمن مقررات الصادرة عن منظمة اليونسكو والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامى ومؤتمرات الاثار الدولية.

ويشير إلى أن الاتفاقيات الدولية دعت إلى حماية الآثار والممتلكات الثقافية، حيث نصت المادة رقم 27 من الفقرة الرابعة من الملحق الرابع من أنظمة لاهاى لسنة 1907 على واجب القوات فى حالة حصارها اتخاذ كافة الوسائل لعدم المساس بالمبانى المعدة للعبادة وللفنون والعلوم والأعمال الخيرية والاثار التاريخية. كما حرمت المادة 56 من أنظمة لاهاى لسنة 1954 أى حجز أو تخريب للمنشئات المخصصة للعبادة والبر والمبانى التاريخية، كما ألزمت المادة الخامسة من اتفاقية لاهاى كل طرف يحتل اقليما أو جزءا منه تقديم العون لحكومة الطرف الذى احتلت أرضه فى حماية الممتلكات الثقافية واتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية الممتلكات الثقافية. وتضمن البروتوكول الإضافى لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1977 فى المادة رقم 53 من البروتوكول الاول والمادة رقم 16 من البروتوكول الثانى حظرا بارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التى تشكل التراث الثقافى والروحى للشعب.

ويتابع جهاد ياسين :"طالبت مجموعة كبيرة من قرارات اليونسكو إسرائيل بحماية الممتلكات الثقافية، كما أدانت اسرئيل بصفتها قوة محتلة مرارا وتكرارا لانتهاكها للميثاق المتعلق بالمحافظة على الممتلكات الثقافية، وادانت جريمة حرق المسجد الاقصى بتاريخ 21 اب 1969. وطالبت إسرائيل بالحفاظ على جميع المواقع والابنية والممتلكات الثقافية الاخرى والتوقف عن اجراء التنقيبات الأثرية فى الاراضى المحتلة. ويعالج القانون الدولى مسالة التخريب المتعمد للمتلكات الثقافية ويحاسب عليها كجريمة حرب، فقد قررت محكمة نورنبرغ اعتبار الاعتداء على الاثار والمبانى التاريخية دون سبب مشروع جريمة حرب استنادا إلى المادة 6 فقرة ب من ميثاق المحكمة، كما تعتنى توصيات مؤتمر نيودلهى لسنة 1956 بالمعايير المنطبقة على التنقيبات الأثرية فى ظل الاحتلال، وتحرم التنقيبات الأثرية المنظمة، وتضع الضوابط حول التنقيبات الانقاذية والاكتشافات العرضية. وتعالج الاتفاقية الدولية حول منع اسيتراد وتصدير ونقل مكلية الممتلكات الثقافية الصادرة عن اليونسكو لسنة 1970 قضية الاتجار غير المشروع، وهى الاتفاقية التى لم توقع عليها إسرائيل حتى الآن، وصدرت مؤخرا العديد من التوصيات حول التدمير المتعمد للتاريخ الثقافى واحترام التنوع الثقافى إلى جانب الاتفاقية الدولية للتراث الثقافى غير المادى، حيث تشكل هذه الاتفاقيات والتوصيات الدولية المرجعية القانونية الدولية التى تنظم وضع الآثار والتراث الثقافى الفلسطينى تحت الاحتلال". 

القانون الدولى الإنسانى يحظر فى الظروف كافة الاستهداف المتعمد للمواقع الثقافية والدينية التى لا تشكل أهدافًا عسكرية مشروعة ولا ضرورة عسكرية حتمية، خاصة اتفاقية لاهاى لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية فى حالة النزاع المسلح والبروتوكول الثانى للاتفاقية لعام 1999، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية صدقت على هذه الاتفاقية فى عام 2009، حيث تشكل حماية الملكية الثقافية أيضًا جزءًا لا يتجزّأ من البروتوكول الأول الإضافى إلى اتفاقيات جنيف المعقودة فى عام 1949 وبالتحديد المادتين 53 و85 ونظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 وقرار مجلس الأمن رقم 2347؛ وتندرج أيضا حماية الملكية الثقافية فى حالة النزاع المسلّح ضمن إطار القانون الدولى العرفي.

إجراءات فلسطينية لمحاسبة الاحتلال بسبب استهدافه للتراث الفلسطيني

من ناحيته يؤكد الدكتور محمد الشلالدة، وزير العدل الفلسطينى، أن إسرائيل المحتلة ارتكبت العديد من الانتهاكات ضد المراكز الثقافية فى غزة وهو ما يمثل خرقا للقانون الدولى واتفاقية لاهاى عام 1954م، فى ظل الانتهاكات الجسيمة للممتلكات الثقافية خاصة داخل قطاع غزة، وسوف تتحمل إسرائيل المسئولية القانونية الدولية لتدميرها لتلك الممتلكات.

وزير العدل الفلسطيني  محمد الشلالدة

وزير العدل الفلسطيني محمد الشلالدة

 

 وأضاف وزير العدل الفلسطينى، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن اتفاقية لاهاى لعام 1954 تلزم إسرائيل وكافة الأطراف المعنية باتخاذ الإجراءات الضرورية التى تكفل محاسبة الأشخاص الذى يخالفون أحكام هذه الاتفاقية وتحمل من يدمر المواقع الأثرية والتراثية مسئولية تلك الجرائم.

 وأوضح محمد الشلالدة، أن دولة فلسطين من خلال منظمة اليونسكو ومن خلال الأمم المتحدة ستطالب إسرائيل بإعادة ترميم الممتلكات الثقافية التى دمرتها خاصة أنها قامت بالاعتداء على كل الممتلكات الثقافية سواء فى القدس أو الضفة الغربية أو فى قطاع غزة.

 وتابع وزير العدل الفلسطينى: "نحن فى فلسطين نوثق كل الانتهاكات الجسيمة للممتلكات الثقافية بما فيها غزة والقدس والضفة الغربية، ونجمع كافة الأدلة التى تثبت مخالفة إسرائيل وانتهاكاتها للممتلكات الثقافية من أجل محاكمة مرتكبى الجرائم أمام المحاكم المحلية والدولية، واتخاذ كافة الآليات القانونية ضد انتهاكات إسرائيل فى القدس وقطاع غزة خاصة انتهاكها للممتلكات الثقافية وفقا للقانون الإنسانى الدولى واتفاقية لاهاي.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع