التراث الفلسطينى فى خطر (1).. تاريخ استهداف الآثار بدأ فى 1865.. بريطانيا استهدفت المدينة التاريخية بغزة عام 1917 وعاد الاحتلال بعد 105 أعوام ليدمرها.. تهريب 100 ألف قطعة أثرية بين سرقة واستيلاء فى العام الواحد

  • موشيه ديان نبش أكثر من 35 موقعا آثريا بعد حرب 1967

  • منطقة أبو سليم بدير البلح شهدت سرقة أكثر من 50 تابوتا كنعانيا

  • وزير الثقافة الفلسطيني: بريطانيا دمرت أجزاء من المسجد العمرى بغزة وعاد الاحتلال ليستهدفه

  • المستوطنون سرقوا 80 ألف كتابا تاريخيا من الفلسطينيين عام 1948

  • دراسة تكشف تدمير آلاف المواقع الأثرية منذ 1967 وحتى الآن بالضفة وغزة

  • بريطانيا أزالت الساعة الدقاقة من القدس عام خلال فترة الانتداب وحولتها لـ"بيج بن" فى لندن

  • مؤرخون إسرائيليون يعترفون بنهب وتدمير الاحتلال للآثار الفلسطينية

 

"تدمير أكثر من 200 موقع أثرى"، هذا ما خرج على لسان المسئولين الفلسطينيين خلال الأيام الماضية، خلال إحصائهم لعدد المواقع الأثرية والتراثية، والمبانى التاريخية التى دمرها الاحتلال منذ عدوانه الغاشم على قطاع غزة فى 7 أكتوبر الماضى، ولكن فى الحقيقة القصة تبدأ منذ عقود، ليس فقط مع بداية النكبة الفلسطينية عام 1948، بل يسبقها أيضا بعقود، البعض يرجع عمليات تدمير التراث الفلسطينى منذ وعد بلفور وبداية الانتداب البريطانى على فلسطين، ولكن مؤرخون آخرون يؤكدون أن تلك العمليات بدأت مع منتصف القرن التاسع العاشر، لذلك قررنا أن نغوص فى تفاصيل تلك الحكاية ونتحقق من تاريخ سرقة وتدمير التراث الفلسطينى، الذى ليس وليد اللحظة بل يعود لحوالى 160 عاما.

ما أثار انتباهنا حول تاريخ سرقة وتدمير التراث الفلسطينى، كان خلال حديثنا مع الدكتور عاطف أبو سيف، وزير الثقافة الفلسطينى، عن أبرز المواقع الأثرية التى استهدفها الاحتلال فى غزة، ليؤكد أن هذا الاستهداف له تاريخ كبير قبل حتى الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، بل بدأته بريطانيا خلال الانتداب، وسارت على نهجها إسرائيل، فى محاولة لتهويد تلك الآثار.

أهمية التراث الفلسطينى تكشفه وزارة الثقافة فى إحدى احتفالاتها بيوم التراث الفلسطينى، حيث تقول إن تراثنا سيظل عنوان هويتنا ومصدرا أساسيا لحكاية وجودنا على هذه الأرض وحافظ الرواية الوطنية، والحكاية الجمعية، والسردية الفلسطينية الخالصة، وهو بحمولته تلك يشكل سيرة ومسيرة ومسارا، يحافظ على الهوية الوطنية فى سيرته، ويعمل فى مسيرته على تجذير وتكريس الوعى الجمعى فى إطار الثقافة الوطنية الجامعة، ويشكل مسارا حول فلسطين كواحدة من أهم حواضر الكون فى الوعى والثقافة والتاريخ والمعرفة، والتى تساهم فعلا فى الحضارة الكونية، بصفتها محطة إنسانية أولى، كانت ولا زالت حاضنة التاريخ والتراث الإنسانى الكونى، كما أن التراث هو النص الأساس لخطاب الثقافة الوطنية، الذى يبرهن على حق الفلسطينى، وحقيقته الدامغة، فى المكان والزمان، ويؤكد فاعلية وقدرة الثقافة الفلسطينية فى تكريس وتمتين الوعى الوطنى، وبناء الجسر المتين الذى يحمل الماضى بعراقته وأصالته إلى الحاضر بجسارته فى ديمومة المسير إلى المستقبل المشتهى.

8f2802d0-ddc3-423c-9714-4c0fd664e448

 

دور بريطانيا فى تدمير آثار فلسطين مع بداية الانتداب ووعد بلفور

تاريخ استهداف الاحتلال للآثار الفلسطينية، يكشفها الدكتور عاطف أبو سيف، وزير الثقافة الفلسطينى، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، والذى يؤكد أن المشروع الصهيونى تاريخيا قائم على محاولة سلب الذاكرة الفلسطينية من خلال سرقة تراثنا وآثارنا وسلب جزء كبير منها لحكاية وجود مزعوم للعبرانيين، وهو وجود لم يثبت له أثر فى التاريخ.

"الحرب الأساسية التى تشنها إسرائيل تاريخيا على الشعب الفلسطينى هى حرب على الذاكرة"، هكذا يصف عاطف أبو سيف، أسباب إصرار الاحتلال على تدمير الآثار الفلسطينية وسرقة بعضها، موضحا أن إسرائيل تريد محو الذاكرة الفلسطينية وأن تستبدل هذه الذاكرة بذاكرة جديدة، وما لم تستطع أن تسرقه من آثار وتراث يتم هدمه، وهذا ما يحدث فى غزة، حيث يتم هدم المبانى التاريخية، كما يتم هدم المتاحف وسرقة محتوياتها وهدم المراكز الثقافية والمسارح والمكتبات العامة والمطابع ودور النشر كما يتم هدم المؤسسات الثقافية واستهداف الكتاب والفنانين وجاليريهات الفن بشكل ممنهج، وبشكل يستهدف بنية الرواية الفلسطينية وبنية السردية الوطنية القائمة على أن مثل هذه الشواهد والآثار والمعالم الثقافة والتراثية والفنية هى أدلة وثوابت على استمرارية وجود الشعب الفلسطينى، وهى أرض عامرة وليست أرض فارغة، وأرض عملت منذ فجر التاريخ وحتى هذه اللحظة، ومدينة غزة ربما كانت من أوائل المدن التى وجدت فى فجر التاريخ واستمر الوجود الفلسطينى فيها ولم ينقطع.

782f6bc81b.jpg

الدكتور عاطف أبو سيف

 

ويكشف عاطف أبو سيف، بداية أول استهداف للآثار الفلسطينية، قائلا: "أول استهداف للمدينة التاريخية فى غزة بالعصر الحديث كان خلال احتلال فلسطين على يد الحلفاء عام 1917، حيث تم قصف مدينة غزة التاريخية عبر البحر، والطائرات البريطانية دمرت منطقة القيصرية ومنطقة الخان وسوق الزايون، كما أن المسجد العمرى الذى تهدم جزء منه على يد الدبابات الإسرائيلية، تهدمت أجزاء منه فى عام 1917 أى قبل 105 سنوات تقريبا، والكنيسة فى مدينة غزة تضررت بشكل مستمر".

وحول تشابه ممارسات إسرائيل ضد الآثار الفلسطينية، مع ممارسات الانتداب البريطانى، يشير وزير الثقافة الفلسطينى، إلى أن سياسة الاحتلال واحد، وإسرائيل تكمل ما قام به الاحتلال البريطانى فى هذا الوقت، لأن هذا الاحتلال البريطانى هو من أوجد هذا الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين، وبالتالى استهداف المواقع التراثية هو جزء من سياسة الاحتلال بشكل عام، وغزة تاريخيا تعرضت الأماكن التراثية فيها لقصف مستمر من قبل الاحتلال الإسرائيلى قبل هذا العدوان، ونتذكر تل المنطار وبعض المواقع الآثرية والتراثية، خاصة مواقع الاستكشافات الآثرية فى تل سكن الأثرى خلال العدوان الإسرائيلى فى عام 2014 وقبل ذلك.

طرق إسرائيل فى استهداف التراث الفلسطينى وتدميره

مركز المعلومات الوطنى الفلسطينى، يكشف الطرق التى اعتمد عليها الاحتلال فى تدمير وسرقة التراث الفلسطينى، مشيرا إلى أن دولة الاحتلال أقيمت على أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية، البالغة قرابة 27 ألف كيلومتر مربع، وجرى تدمير 531 من أصل 774 قرية ومدينة فلسطينية، فيما بلغ عدد المواقع الأثرية الرئيسية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، 944 موقعًا، وعدد المعالم الأثرية 10 آلاف معلم أثرى، وهناك ما يزيد عن 350 نواة لمدينة وقرية تاريخية تضم ما يزيد عن 60 ألف مبنى تاريخيًا.

11

 

المركز عبر موقعه الرسمى يكشف عدة طرق استخدمها الاحتلال فى محو الذاكرة الفلسطينية، وأحد تلك الأساليب هى السيطرة، حيث تسعى سلطات الاحتلال جاهدة لبسط سيطرتها مكانيًا وزمانيًا على العديد من المواقع الأثرية الدينية والتاريخية فى جميع المحافظات الفلسطينية، وفى مقدمتها القدس المحتلة، من خلال استخدام القوة العسكرية أحيانًا؛ وبالتحايل والتزوير أحيانًا؛ وبالتهويد فى أحيانٍ أخرى، حيث احتلت إسرائيل فى 1967 مدينة القدس الشرقية، وفرضت سيطرتها عليها بما فيها البلدة القديمة، وبدأت بتهويد كل ما تحويه من معالم أثرية دينية وتاريخية، وفى مقدمتها الحرم القدسى الشريف، بالسيطرة على حائط البراق، ووضع الخطط لتهويد المسجد الأقصى وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، كما سارعت دولة الاحتلال بعد أيام من احتلالها لمدينة القدس عام 1967 ببسط سيطرتها على المتحف الفلسطينى ومحتوياته الأثرية؛ وتم إلحاقه بدائرة الآثار الإسرائيلى، حيث يضم المتحف مكتب رئيس سلطة آثار الاحتلال، وهو متحف أثرى مشهور فى الكتابات الغربية باسم "متحف روكفلر"، ويضم مجموعة كبيرة من القطع الأثرية المكتشفة من الحفريات التى أجريت فى فلسطين فى عهد الانتداب البريطانى ما بين العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين.

وخلال استعراضه لأساليب سرقة الاحتلال التراث الفلسطينى، قال مركز المعلومات الوطنى الفلسطينى، إن الاحتلال سيطر على قلعة القدس التى تقع فى الجهة الشمالية الغربية للبلدة القديمة، وفيها نجد بقايا أثرية من كل الفترات التاريخية سواء كانت هيروديانية، هيلينية، إسلامية أموية، أيوبية ومملوكية، وعثمانية؛ وحولها إلى متحف أسماه "متحف قلعة داود لتاريخ القدس"، كما عملت سلطات الاحتلال على طمس العديد من المعالم الأثرية الدينية والتاريخية العربية والإسلامية فى جميع المحافظات الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص بمدينة القدس المحتلة؛ وتحديدا فى بلدتها القديمة ومحيطها، ويحاول بكل الوسائل إضفاء طابع يهودى تلمودى مكانها، لافتا إلى أن من أخطر أشكال عمليات استهداف المواقع الأثرية والتاريخية التى تمارسها سلطات الاحتلال وأذرعها عمليات سرقة الأثار ونقلها على رؤوس الأشهاد من مواقعها الفلسطينية إلى متاحف إسرائيلية أو إلى أماكن تقع تحت السيطرة الإسرائيلية فى داخل أراضى 1948؛ كما تمت سرقة الكثير من الآثار عن طريق عصابات تنقيب وسرقة الآثار، مقابل مبالغ مالية، ما شجع على استفحال هذه الظاهرة فى المجتمع الفلسطينى.

بداية استهداف الآثار الفلسطينية بدأ فى منتصف القرن التاسع عشر

من جانبه يكشف الدكتور حسام أبو النصر المؤرخ الفلسطينى وممثل فلسطين فى اتحاد المؤرخين العرب، تاريخ نهب وتدمير التراث الفلسطينى، حيث يؤكد أنه يعود لما قبل وعد بلفور فى 1917، مشيرا إلى أن استهداف الآثار الفلسطينية بدأ منذ تأسيس صندوق استكشاف فلسطين عام 1865 من خلال المملكة البريطانية التى أوفدت مجموعة من المستشرقين وعلماء الآثار للبحث والتنقيب عن الآثار فى فلسطين وربطها بالرواية التوراتية.

9b753217-73f5-42c9-b4c8-39fa1f24445a

وأضاف ممثل فلسطين فى اتحاد المؤرخين العرب، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أنه منذ ذلك الحين حتى احتلال فلسطين فى عام 1948 بدأت إسرائيل تهويد المناطق الأثرية بشكل مادى بين السرقة والتدمير وصولا إلى الاستيلاء على المناطق الأثرية والآثار والتوابيت والمخطوطات وكان أخرها حفريات دوثان وسرقات موشيه ديان.

وأوضح الدكتور حسام أبو النصر، أن موشيه ديات استولى على الكثير من التوابيت التاريخية والكنعانية ونقلت إلى المتاحف الإسرائيلية، واستمرت عمليات سرقة وتدمير الآثار والمواقع الأثرية الفلسطينية، حتى وصلت إلى أوجها بتدمير أكثر من 200 موقع أثرى 100 بشكل كلى و100 بشكل جزئى فى قطاع غزة.

"هناك مواقع غير معروف مصيرها حتى الآن من مجموع 360 موقعا أثريا وتراثيا فى قطاع غزة وحدها"، هكذا يصف المؤرخ الفلسطينى حجم الدمار الذى تشهده المواقع الأثرية الفلسطينية على يد الاحتلال الإسرائيلي"، موضحا أن هذا التدمير الذى يشهده قطاع غزة، يأتى بجانب الاعتداء على المواقع الأثرية فى الضفة الغربية منها سبسطية وخليل الرحمن وغيرها من المواقع.

12ec6f4b-5071-4d81-9aac-619957efb7e6

ويكشف ممثل فلسطين فى اتحاد المؤرخين العرب، عدد المواقع التراثية والتاريخية الفلسطينية، قائلا إن عدد المواقع الأثرية حوالى 2000 موقع أثرى فلسطينى، أما المبانى التاريخية قد تصل إلى 10 آلاف تقريب، وهناك 360 موقعا فى قطاع غزة ودمرت إسرائيل الجزء الأكبر منها، مؤكدا أن عدد الوثائق والأرشيف الذى فقد فى غزة يعادل 100 ضعف أرشيف الذى فقد فى مركز الأبحاث ببيروت، وهناك أكثر من 200 موقع تضرر منهم 100 موقع آثرى غير قابل للترميم و100 موقع آخر دمر جزئيا.

ويشير حسام أبو النصر، إلى أن ما لم تفقده غزة من آلة الحرب والعدوان من كتب، استعمل حطبا ضد برد الشتاء بعد تهجير الناس، وكذلك كل متاحف غزة تضررت جزئيا وكليا بما فيها من مقتنيات أثرية من الكنعانيين حتى الانتداب البريطانى، وحجارة التاريخ اصبحت رملا، مؤكدا أن العدوان الإسرائيلى الأخير أدى إلى استشهاد أكثر من 10 من العاملين فى مجال التاريخ، كما أن مخطوطات غزة وكتبها الحجرية حرقت.

وبشأن حجم السرقات والدمار الذى ألحقته إسرائيل بالآثار الفلسطينية منذ بداية الاحتلال، وكذلك ما دمرته بريطانيا من آثار فلسطينية منذ الانتداب البريطانى على فلسطين، قال الدكتور حسام أبو النصر، أن موشيه ديان بعد حرب 1967 نبش لوحده أكثر من 35 موقعا أثريا، وكثير من المواقع التى بقيت بعد حرب 1967 كانت فارغة من محتواها وسرقت بالكامل، وكذلك علميات التنقيب التى نفذها صندوق التنقيب والاستكشاف البريطانى والذى نقب عن الآثار الفلسطينية، وصل عدد الآثار التى تم سرقتها وتدميرها للعشرات.

وأكد أن منطقة أبو سليم بدير البلح شهدت سرقة أكثر من 50 تابوتا كنعانيا فرعونيا على الطراز الفرعونى وتم نقلها إلى المتاحف الإسرائيلية، وطول التابوت الواحد يصل لـ3 أمتار، ووجه التابوت يصل لنصف متر، هذه من المقتنيات بجانب مقتنيات أدوات فخارية وحلى وذهب وبعض أدوات مستعملة فى ذلك الوقت أيام الكنعانيين وهى تدل على العلاقة المصرية الفلسطينية فى ذلك الوقت فى طريق حورس وهى طريق دير البلح فى غزة، وفى الضفة الغربية تم التنقيب على العديد من المواقع يقدر بأكثر من 200 إلى 300 موقع تم نبشها.

88ded8c9-3215-434f-896a-d80b486338cf

وحول إمكانية إحصاء عدد المواقع الأثرية التى تم سرقتها وتدميرها منذ بداية تنقيب بريطانيا على الآثار الفلسطينية فى القرن التاسع عشر وحتى الآن، يؤكد ممثل فلسطين فى اتحاد المؤرخين العرب، أنه على مدار السنوات الطويلة السابقة لا يمكن إحصاء كل المواقع التى تم نبشها وسرقتها، متابعا :"لكن نستطيع القول أنه تم تهريب عشئات الآلآف من القطع الأثرية بين سرقة واستيلاء وتهريب فى العام الواحد، وذلك على مدار سنوات كل عام يهرب هذا الرقم، وإسرائيل كانت تدعم عمليات الفوضى والسرقة والنهب والإتجار بالآثار كى تهود التاريخ الفلسطينى وتحاول بأى طريقة نزع الصبغة الحضارية الكنعانية المسيحية الإسلامية عن فلسطين".

وبشأن إمكانية استرجاع الآثار الفلسطينية التى تم سرقتها يقول الدكتور حسام أبو النصر: "يمكن استرجاع فقط ما تم حصره وموجود فى المتاحف الإسرائيلية ولكن ما دمر ونهب وتم تهريبه لا يمكن استرجاعه على الإطلاق".

ويؤكد المركز الوطنى الإعلامكى الفلسطينى عبر موقعه الرسمى، أن من أخطر أشكال عمليات استهداف المواقع الأثرية والتاريخية التى تمارسها سلطات الاحتلال وأذرعها عمليات سرقة الأثار ونقلها على رؤوس الأشهاد من مواقعها الفلسطينية إلى متاحف إسرائيلية أو إلى أماكن تقع تحت السيطرة الإسرائيلية فى داخل أراضى 1948؛ كما تمت سرقة الكثير من الآثار عن طريق عصابات تنقيب وسرقة الآثار، مقابل مبالغ مالية؛ ما شجع على استفحال هذه الظاهرة فى المجتمع الفلسطيني. وتقول دائرة الآثار الفلسطينية أن نحو 100 ألف قطعة أثرية فلسطينية تُهرَّب إلى إسرائيل سنويًا.

قوانين الاحتلال تزيد من حجم سرقة الآثار الفلسطينية وتدميرها

وفى إحصائية تكشف تدمير الاحتلال الإسرائيلى للآثار الفلسطينية تكشف عدة مواقع فلسطينية أنه فى عام 1948 سرق المستوطنون مقتنيات الفلسطينيين بعد تهجيرهم، حيث حملوا من مدينة يافا وحدها 20 ألف رطل من البضائع، 5 آلاف شاحنة عبارة عن مسروقات من الكتب والمخطوطات والصحف ويقدر عددها بنحو 80 ألفًا، أكثر من ثلثها نُهب من القدس وحدها، ونحو 30 ألفًا من هذه الكتب والمخطوطات نقلت إلى المكتبة العبرية تحت “قانون أملاك الغائبين”، منها مخطوطة لسُوَر من القرآن تعود للقرن العاشر الهجرى، وكتاب “تهذيب الأخلاق” عمره أكثر من قرن، بجانب محتويات المكتبات العامة والخاصة، كمكتبة خليل السكاكينى والكرمى، ومكتبة محمد إسعاف النشاشيبى الغنية بالكتب النفيسة والمخطوطات النادرة، مثل مخطوطة للقرآن الكريم كُتبت بماء الذهب، ومكتبات هنرى قطان، حنا عطا الله، عارف حكمت النشاشيبى، المحامى ساعة، فرنسيس خياط وهاكوب مليكيال، أيضًا مكتبة الشقيرى فى عكا، ومكتبات العديد من المدارس والكنائس والمؤسسات التربوية.

فى دارسة بعنوان "آثار فلسطين بين النهب والإنقاذ.. كيف يستبيح جدار الفصل والتنقيب غير المشروع وتجارة الآثار التراث الفلسطيني" لعادل يحيى، والصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عام 2008، يكشف كيف سمحت قوات الاحتلال بسرقة وتدمير التراث الفلسطينى، حيث تكشف الدراسة أنه وفقا للمسوحات الآثريين التى قامت بها سلطات الانتداب البريطانى فى ثلاثينيات القرن الماضى، ضمت فلسطين التاريخية ما يقرب من 35 ألف موقع أثرى كبير وصغير، تعود بتاريخها إلى الحقب التاريخية وما قبل التاريخية كافة، وتضم الضفة الغربية وحدها أكثر من ثلث هذه المواقع وبالتحديد 12216 موقعا، ولكن دمر قسم كبير من هذه المواقع فى الضفة الغربية وغزة منذ احتلال إسرائيل لهما فى عام 1967، وأن التقديرات تشير إلى أن ما دمر يصل لآلاف المواقع وليس المئات.

22

 

وأكدت الدراسة، أن قانون الآثار الفلسطينى الذى يحظر الحفريات غير المرخص بها، يسمح ببيع الآثار والإتجار بها، وذلك بأن سلطة الآثار الإسرائيلية تصدر نحو 300 رخصة تنقيب عن الاثار فى إسرائيلى سنويا، كما تصدر ما بين 70 إلى 80 رخصة للإتجار بها، ولكن فى الضفة الغربية وغزة، لا دور لسلطة الآثار الإسرائيلية، والحفريات تجرى بحرية شبه تامة، والقائمون بها يفلتون من العقاب.

وتنقل الدراسة عن حنانيا حزمى، نائب مدير دائرة الآثار الإسرائيلية التابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية فى الضفة الغربية كشفه فى عام 2005 لصحيفة الجيروزالم بوست، أن الآثار المعروضة جميعها فى السوق تأتى من القرى العربية، وحقق الإسرائيليون أراحا هائلة، حيث ازدهرت سوق الآثار فى إسرائيل بصورة ملحوظة وفى عام 2000 قدرت قيمة تجارة الآثار لـ80 تاجرا إسرائيلية ذوى رخصة بنحو 5 ملايين دولار.

نكبة 1948 تدمر نسبة كبيرة من الآثار الفلسطينية

فيما تؤكد الدكتورة منى أبو حمدية الأكاديمية الفلسطينية، والباحثة فى التراث والأثار، وعضو الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين والأثاريين الفلسطينى، أن المؤسسة الصهيونية ركزت منذ 105 عاما، وبالتحديد منذ وعد بلفور حول نزع الهوية العربية الفلسطينية التى تضرب جذورها عمق التاريخ واستبدالها بتاريخ جديد أخر تحدده الصهيونية بمعالم وإشارات توراتية مزيفة وتزوير الحقائق وتشويها والعبث بها لإثبات اكاذيب صنعتها يكون لها صلة تربط اليهود بفلسطين وذلك لنزع الشرعية التاريخية التى سطرتها العروبة عبر التاريخ بأن فلسطين أرض هى جغرافيا عربية كنعانية بلا منازع.

d7e31927-a981-4e21-8911-89380329f202

وتضيف عضو الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين والأثاريين الفلسطينى، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن الحدث الأضخم إقدام العصابة الصهيونية على تدمير أكثر من 450 قرية فلسطينية من عام 1948، موضحة أن للاحتلال عدة أساليب اتبعها فى استهدافه للمواقع الآثرية التاريخية كالسيطرة بالقوة والقتل والتهجير والتدمير ومن ثم تتبع أسلوب التهويد والسرقة، وهو ما حدث فى عام 1967 حين سيطرت إسرائيل على البلدة القديمة فى القدس واستولت على حائط البراق والحرم القدسى، وكذلك على الحرم الإبراهيمى فى الخليل وتهويده وتقسيمه، بالإضافة إلى مسجد بلال والذى يعود للعهد المملوكى، والذى يقع بين الخليل والقدس بالقرب من الجهة الشمالية لبيت لحم والذى عزله الاحتلال عن المناطق الفلسطينية ونسبها إليه.

وتتحدث الدكتورة منى أبو حمدية، عن مسجد بلال، مشيرة إلى أن المسجد ينسب إلى الصحابى بلال بن رباح وينسبه الاحتلال إلى راحيل زوجة النبى يعقوب وأم النبى يوسف بعد إقامة الجدار الفاصل بين القدس وبيت لحم، وفى عام 2010 أصدرت الحكومة الإسرائيلية قرارًا يقضى بإدراج موقعى قبة راحيل والحرم الإبراهيمى فى الخليل ضمن قائمة التراث القومى اليهودى.

ece1d4e5-34bf-4409-9250-66274d870679

وتكشف الكثير من أساليب الاحتلال وتاريخه فى تدمير وسرقة التراث الفلسطينى، موضحة أنه فى عام 1969 تم حرق المسجد الاقصى والتى التهمت نيرانه منبر صلاح الدين الأيوبى كما طال الحريق قبة المسجد الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة، بجانب وصول النيران لمسجد عمر الذى كان سقفه من الطين والجسور الخشبية ويرمز لفتح عمر بن الخطاب رضى الله عنه مدينة القدس، وطالت ألسنة النيران تخريب محراب زكريا المجاور لمسجد عمر، وهدم الاحتلال، حارة المغاربة وعمل على تشريد سكانها وتهجير أكثر من 100 عائلة بالقوة ليصبح مكان الحارة معبد يهودى يمارسون فيه طقوسًا دينية عند الحائط الغربى للمسجد الأقصى.

وبشأن تأثير تلك الانتهاكات الإسرائيلية ضد الآثار الفلسطينية، تؤكد عضو الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين والأثاريين الفلسطينى، أن الخسارة كبيرة للغاية وبسبب بطش حكومة الاحتلال وسياسة المؤسسة الصهيونية ومنهجيتها العنصرية وسيطرة الاحتلال على أغلب الاماكن الأثرية بالقوة المفرطة وفرض عقوبات لا يمكن حصرها على الفلسطينيين حالت من استرداد تلك الأثار التى تعود لحقب زمنية طويلة بنحو خمس آلاف عام.

وتتابع منى أبو حمدية قائلة :"أطلق لقب المؤرخون الجدد على المؤرخين الذين أعادوا كتابة الصراع العربى الإسرائيلى، حيث منذ عام 1948 ومثل هؤلاء المؤرخون يشكلون زعزعة وتدمير لكل المزاعم اليهودية المزيفة والتى اعتمدتها الرواية الصهيونية، وهؤلاء المؤرخون بكتابتهم كانوا مرجعًا للمفاوضين الفلسطينيين خلال تحميلهم إسرائيل مسؤولية اللاجئين واعتمدوا على كتاباتهم لتعزيز موقفهم وحجتهم فى المحافل الدولية، ومنهم المؤرخ ايلان بابيه صاحب مؤلف " التطهير العرقى فى فلسطين"، وكتاب "عشر خرافات عن إسرائيل"، حيث وثق التاريخ بكل حيادية وفضح المؤسسة الصهيونية، والمؤرخ بنى موريس صاحب كتاب "ولادة مشكل اللاجئين الفلسطينيين 1947 ـ 1949" والذى يتنبأ دائما بزوال دولة الاحتلال وغرفها بالدماء.

بريطانيا سرقت ساعة بيج بن من القدس ورحلتها للندن

وتؤكد عضو الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين والأثاريين الفلسطينى، أن بريطانيا اقترفت أكبر عملية سطو بتاريخ فلسطين والحضارة العربية الاسلامية منذ أكثر من قرن، حيث أن ساعة "بج بن " البريطانية فى لندن هى للفلسطينيين منذ العهد العثمانى وكانت موجودة فى القدس بعد دخول القوات البريطانية من العام 1917 إلى العام 1920 وبعدها تمت إزالتها لأنها كانت تعبر عن شعار الدولة العثمانية وتدعى " بالساعة الدقاقة" التى كانت تزين باب الخليل بمدينة القدس آنذاك ومعلم من معالمها.

 اعترافات الاحتلال بنهب وتدمير الآثار الفلسطينية

اعترافات كثيرة صدرت من باحثين ومؤخرين إسرائيليين تكشف دور الاحتلال فى سرقة وهدم التراث الفلسطينى، وعلى رأس تلك الشهادات أقوال المؤرخ الإسرائيلى ايلان بابيه مدير المركز الأوروبى للدراسات الفلسطينية فى جامعة إكستر فى وصفه للصهيونية وأفعالها : "يتحتم إعادة تعريف الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية استعمارية استيطانية، وإسرائيل بوصفها دولة فصل عنصرى، وأحداث 48م بوصفها تطهيرًا عرقيًا".

اعتراف أخر يصدر هذه المرة من المؤرخ الإسرائيلى بينى موريس الذى يقول: "يمكن إعادة مقتنيات الفلسطينيين المنهوبة لكن سرقة ديارهم هى أخطر ما فعلته إسرائيل".

كما استعرضت الدكتورة منى أبو حمدية تلك الاعترافات قائلة أنه فى سبتمبر 1948 اشتكى الحاكم العسكرى الجديد فى يافا مئير لانداو أن جنود وحدة "كرياتي" اقتحموا بيوتا فلسطينية وأصابوا سكانها بجراح وسرقوا سجادا وملابس وأجهزة راديو وساعات وغيرها ولم تتحقق أى نتائج تتعلق باستعادة هذه المسروقات أو محاكمة السارقين”، كما يقتبس بينى موريس أقوال وزير خارجية الاحتلال موشيه شاريت خلال اجتماع سكرتارية وكتلة “مباي” فى الكنيست فى 31 ديسمبر 1949 قوله : "هناك جنود فى مناطق مختلفة قد حولوا أماكن العبادة العربية لمزابل ومراحيض بعدما تمت سرقة محتويات الأديرة والمساجد".

من بين الاعترافات أيضا ما ذكره دوتان هليفى المؤرخ الإسرائيلى، عندما سئل عن سرقة وتدمير التراث الفلسطينى فى غزة، حيث قال: "يوجد الآن حزن عميق، حزن على التراث الذى يتم تدميره، ولكن أيضًا على حقيقة أن أشخاصًا من غزة قد أخبرونا فى الأعوام الأخيرة أن إسرائيل تقوم بتدمير كل ما هو جميل، وإسرائيل تدمر كل ما يمكن أن نجد فيه بعض العزاء والراحة، أنا لست عسكريًا ولا أعرف أى السلوكيات مبررة أو لا، ولكن الأمر محزن".

كم تحدث عن ما إذا كانت إسرائيل عمومًا تتعامل مع غزة كمدينة ذات تاريخ وثقافة وسكان، قائلا: "إننا بكل بساطة لا نفكر فى غزة بتاتًا، لقد أقمنا جدارًا فاصلًا، وقررنا أنها كيان معادٍ، ومنذ ذلك الحين لا نفكر فى ما يوجد هناك، بالنسبة إلينا، إنها ثقب أسود".

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع