يوسف أيوب يكتب: "القاهرة على خط الأزمة السودانية" قمة دول جوار السودان لإنقاذ الأشقاء.. المخرجات دليل قوة التحركات المصرية بالاتفاق على تسهيل دخول المساعدات الإنسانية.. وتشكيل آلية وزارية لوضع خطة عمل تنفيذية

ـ 4 مبادئ طرحها الرئيس السيسى حددت خريطة العمل للحفاظ على استقرار السودان وسلامته

- مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد والبدء دون إبطاء فى مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فورى ومستدام لإطلاق النار

- مطالبة كل الأطراف السودانية بتسهيل كل المساعدات الإنسانية وإقامة ممرات آمنة لتوصيل تلك المساعدات للمناطق الأكثر احتياجا

- إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية بمشاركة القوى السياسية والمدنية وممثلى المرأة والشباب يهدف لبدء عملية سياسية شاملة

- تشكيل آلية اتصال لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة وتضطلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة

 

قمة دول جوار السودان، التى استضافتها القاهرة الخميس الماضى، بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحضور قادة إثيوبيا وليبيا وجنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى وإريتريا، والأمين العام لجامعة الدول العربية، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى، جاءت لتكمل مجهودات الأشقاء فى التوصل إلى حلول جذرية للأزمة السودانية الراهنة، وهو ما ظهر من الاجتماعات التحضيرية التى استبقت القمة، وأيضاً المشاورات التى أدارتها القاهرة مع كل الأطراف المعنية، لذلك كان الجميع فى انتظار ما ستسفر عنه مخرجات قمة القاهرة، ورأينا وتابعنا الترحيب السودانى بهذه المخرجات.

 

فقد انتهت القمة بتحرك مهم على الأرض، له مساران، الأول إنسانى، والثانى سياسى، أما الإنسانى، فيتمثل فى الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضى دول الجوار، بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها إلى المناطق الأكثر احتياجا داخل الأراضى السودانية ودعوة مختلف الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفى الإغاثة الدولية.

 

أما السياسى، فله شقان، الأول التأكيد على أهمية الحل السياسى لوقف الصراع الدائر وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف إلى بدء عملية سياسية شاملة تلبى طموحات وتطلعات الشعب السودانى فى الأمن والرخاء والاستقرار.

والثانى، الاتفاق على تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار يكون اجتماعها الأول فى تشاد، لوضع خطة عمل تنفيذية تضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ، لوقف القتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة فى تكاملية مع الآليات القائمة بما فيها الإيجاد والاتحاد الأفريقى، تكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل واستقرار السودان، ووحدته وسلامة أراضيه والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار ووضع الضمانات التى تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار ودراسة آلية إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السودانى، على أن تعرض الآلية نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من توصيات على القمة القادمة لدول جوار السودان.

 

ورحبت حكومة السودان بمخرجات القمة، متقدمة بالشكر لمصر والرئيس عبدالفتاح السيسى على «الدعوة واستضافة هذه القمة الهامة التى ترمى إلى استعادة الاستقرار والأمن فى ربوع بلادنا الحبيبة، أيضاً نتقدم بشكرنا لدول جوار السودان التى أبدت مواقف داعمة لأمن واستقرار السودان والحفاظ على وحدته وسلامته وسيادته ودعمها لشعب السودان لتجاوز هذه المحنة»، مؤكدة فى الوقت نفسه حرصها على العمل مع كل الأطراف الساعية لوقف الحرب وعودة الأمن والطمأنينة للسودان، وأن «القوات المسلحة السودانية مستعدة لوقف العمليات العسكرية فورا إذا التزمت الميليشيا المتمردة بالتوقف عن مهاجمة المساكن والأحياء والأعيان المدنية والمرافق الحكومية وقطع الطرق وأعمال النهب».

 

كما أشاد جعفر الصادق محمد عثمان الميرغنى، رئيس الكتلة الديمقراطية، نائب رئيس الحزب الاتحادى الديمقراطى، بمخرجات القمة، مشددا على احترام الكتلة الديمقراطية لجهود مصر الشقيقة، المفضية إلى احترام سيادة السودان، وثمن الميرغنى، الإشارات الإيجابية الواردة فى خطوات وكلمات الرئيس السيسى، الذى ظل يُبدى الحرص والمتابعة للشأن السودانى بتجرد كامل، ووعى بأبعاد الأزمة وعمقها، كما أشاد بكلمات الرؤساء الأشقاء والأصدقاء التى تشدد على دعم الدولة والشعب السودانى وتدعو إلى وقف إطلاق النار والدخول فى حوار سياسى جامع لحل الأزمة السودانية.

 

وقال الميرغنى: «الحل لهذه الأزمة سيكون سودانيًا، وستخرج البلاد أكثر قوة، ومؤسسات الدولة أكثر متانة، وسينتهى المطاف بحكم مدنى خالص، يعيد البلاد إلى دورها الفاعل والإيجابى فى المحيط الإقليمى».

 

ومن يتابع أحاديث القادة الذين شاركوا فى القمة، سيجد أنها انصبت على الهدف الذى تسعى له مصر، وهو العمل على الأرض للوصول إلى حلول قابلة للتنفيذ.

 

فوستان-آرشانج تواديرا، رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، قال إن «هذه القمة تطرح لنا فرصة نتشارك فيها أفكارنا تجاه الموقف فى السودان والسعى سويا لإيجاد حل سلمى لهذا الصراع الذى يؤثر بشكل سلبى على الاستقرار والتنمية فى المنطقة».

 

كما قال رئيس إريتريا أسياس أفورقى، إن المبادرة التى تبنتها مصر لعقد قمة لدول جوار السودان هى فرصة لتأمين المناخ هناك لتحقيق الاستقرار فيه والمنطقة بأكملها، كما أن القمة تعد أيضا فرصة سانحة لدعم السودان وإيجاد حل للأزمة الراهنة، مؤكدا أن هناك حاجة ملحة لمنع التدخلات الداخلية والخارجية تحت أى مسمى وكذلك التدخلات العسكرية التى تهدف لتأجيج الحرب، موضحاً أن المبادرة التى تبنتها مصر يجب أن تكون بداية لمسيرة كبيرة لنقل الشعب السودانى لبر الأمان، عن طريق وضع آلية واضحة ذات مراجع عملية لكى يتمكن الشعب السودانى من الوصول لبر الأمان.

 

ووجه رئيس تشاد الانتقالى محمد ديبى، تحية خاصة للقيادة المصرية بزعامة الرئيس السيسى، على تلك المبادرة لإخراج السودان من أزمته الراهنة.

 

وأكد رئيس جمهورية جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، أن قمة دول جوار السودان تأتى من أجل مناقشة سبل إنهاء الأزمة فى السودان، لافتا إلى أنها عقدت فى وقت حرج لجميع دول الجوار، كما أنها «تعطى لنا الفرصة لتباحث الوضع فى السودان، وإنهاء الأزمة السودانية والتغلب على آثارها الجسيمة».

 

وأكد رئيس الوزراء الأثيوبى آبى أحمد أن دول جوار السودان سوف تعانى إذا استمرت أطراف النزاع فى السودان التصلب لمواقفها وعدم التجاوب مع الجهود التى تبذل لحل هذه الأزمة والصراع العنيف، داعيا إلى وقف إطلاق النار بشكل فورى ومستدام، مؤكدا على ضرورة وجود حوار يساهم فى استقرار السودان ، والتحضير لعملية انتقالية للوصول إلى السلام فى السودان.

 

وطالب رئيس المجلس الرئاسى الليبى محمد المنفى، ضرورة اتخاذ موقف موحد تجاه استمرار الصراع المسلح بين أبناء الشعب السودانى الشقيق؛ وما نتج عنه من آثار أمنية واقتصادية بالغة الصعوبة تجاوزت حدود السودان إلى دول الجوار.

فيما شدد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى موسى فقيه، على أهمية التوجه بكل جدية إلى الجذور الأساسية للأزمة السودانية من أجل الوصول إلى حلول لها.

 

وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أن الموقف العربى حيال ‎الأزمة السودانية يقوم على ركائز رئيسية هى الحفاظ على مؤسسات ‎الدولة السودانية ومنع انهيارها، ومعارضة أى تدخل خارجى فى الشأن الداخلى السودانى، ودعم مسار ‎جدة الساعى إلى تحقيق شروط وقف إطلاق نار شامل ومستدام يسمح باستئناف العملية الانتقالية، والتأكيد على أهمية دور ‎دول الجوار التى تواجه الأعباء الإنسانية الأمنية الكبيرة للأزمة، ودعم مسار سياسى سودانى شامل لكل الأطياف السودانية يؤدى إلى تشكيل حكومة انتقالية قادرة على تحقيق التوافقات المطلوبة، ورفض دعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.

 

القمة استهدفت فى الأساس الحفاظ على الدولة ومؤسساتها الوطنية، وقبلها الحفاظ على أرواح السودانيين، وكان الحضور كاملاً على مستوى رئاسى، فى تأكيد على الثقة التى يوليها قادة هذه الدول للدور المصرى ولمساعى وأهداف الرئيس السيسى، الذى كانت رسالته واضحة للحضور، بتأكيده أن مؤتمر قمة دول جوار السودان ينعقد فى لحظة تاريخية فارقة من عمر السودان الشقيق الذى يمر بأزمة عميقة لها تداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار فى المنطقة والعالم وعلى دول جوار السودان بشكل خاص، التى تعد الأشد تأثرًا بالأزمة والأكثر فهمًا ودراية بتعقيداتها؛ مما يتعين على هذه الدول توحيد رؤيتها ومواقفها تجاه الأزمة واتخاذ قرارات متناسقة وموحدة تسهم فى حلها بالتشاور مع أطروحات المؤسسات الإقليمية الفاعلة وعلى رأسها الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية؛ حفاظًا على مصالح ومقدرات شعوب دول الجوار.

 

ووجه الرئيس السيسى حديثه -فى ختام كلمته- إلى الشعب السودانى قائلًا: «إن مشاهد الخراب والدمار والقتل التى نطالعها، تدمى قلوب كل المصريين.. نشعر بمعاناة أشقائنا فى السودان، ونتألم لآلامهم.. وندعو الله العلى القدير أن يزيل هذه المحنة فى أسرع وقت»، مؤكداً ضرورة إعلاء كل الأشقاء فى السودان للمصلحة العليا، والعمل على الحفاظ على سيادة ووحدة السودان، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التى تسعى لتحقيق مصالح ضيقة، لا تخدم استقرار أو أمن السودان، بل والمنطقة وأشدد مرة أخرى على أن مصر لن تدخر جهدًا، للمساعدة فى استعادة الأمن والاستقرار والسلام فى ربوع هذا البلد الشقيق، بالتعاون مع كل الأطراف الجارة والصديقة.

 

وطرح الرئيس السيسى، خلال القمة تصور مصر لخروج السودان من مأزقه الراهن، والتى تتضمن 4 نقاط رئيسية تتمثل فى:

أولًا - مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد، والبدء دون إبطاء، فى مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فورى ومستدام، لإطلاق النار.

 

ثانيًا - مطالبة كل الأطراف السودانية، بتسهيل كل المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة، لتوصيل تلك المساعدات، للمناطق الأكثر احتياجا داخل السودان ووضع آليات، تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية، ولموظفى الإغاثة الدولية لتمكينهم من أداء عملهم.

 

ثالثًا - إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، بمشاركة القوى السياسية والمدنية، وممثلى المرأة والشباب يهدف لبدء عملية سياسية شاملة، تلبى طموحات وتطلعات الشعب السودانى فى الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية.

 

رابعًا - تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر، لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية على أن تضطلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة.

التصور الرباعى الذى طرحه الرئيس السيسى، يعبر عن الموقف المصرى تجاه الأزمة السودانية منذ بداية اندلاعاها، وهو موقف يتسق دوماً مع السياسة المصرية، التى تقف دوماً فى صف الحفاظ على أمن واستقرار الدول.

 

هذه التصورات ترجمتها القمة فى البيان الختامى الذى أكد على الاحترام الكامل لسيادة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل فى شؤونه الداخلية والتعامل مع النزاع القائم فى البلاد باعتباره شأنا داخليا، مناشداً الأطراف المتحاربة وقف التصعيد والالتزام بالوقف الفورى والمستدام لإطلاق النار لإنهاء الحرب وتجنب إزهاق أرواح المدنيين والأبرياء من أبناء الشعب السودانى وإتلاف الممتلكات.

 

البيان الختامى الذى أعرب عن القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمنى والإنسانى فى السودان أكد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى بما فى ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة فى محيطها وهو الأمر الذى سيكون له تداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل، مطالباً فى الوقت نفسه التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الانسانية بشكل جاد وشامل، يأخذ فى الاعتبار أن استمرارها سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار، الأمر الذى يمثل ضغطا إضافيا على مواردها يتجاوز قدراتها على الاستيعاب وهو ما يقتضى ضرورة تحمل المجتمع الدولى والدول المانحة لمسؤولياتهم فى تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات التى تم الإعلان عنها فى المؤتمر الإغاثى لدعم السودان والذى عقد يوم 19 يونيو عام 2023 بحضور دول الجوار.

 

منذ 2020، وبداية الأزمة السياسية فى السودان، اختارت القاهرة مسارها، من خلال دعوة كافة الأطراف لترك المساحة للاشقاء السودانيين لحل مشاكلهم بأنفسهم، وهو موقف رأها البعض ابتعاداً مصرياً عن السودان، لكنه فى حقيقة الأمر موقف يتسق مع المبادئ المصرية الحاكمة لعلاقاتها وسياساتها الخارجية، ولم تحاول القاهرة التدخل إلا حينما استدعاها الأشقاء السودانيون، وقتها تدخلت القاهرة طارحة العديد من الأهداف التى رأت أن السعى إلى تحقيقها سيجنب السودان أزمات سياسية مستقبلية، لكن للأسف الشديد، حدثت تدخلات من أطراف كانت تحاول أن تستأثر بالوضع السودانى بالكامل، فوصلنا إلى الوضع الحالى، الذى كان إحدى نتائج الإدارة غير الواعية للأزمة السياسية فى السودان.

 

وفور اندلاع المواجهات العسكرية من جانب ميليشيا الدعم السريع فى مواجهة القوات المسلحة السودانية، أعلنتها القاهرة صراحة، أنه لا حل الا الحوار السياسى، ودارت الكثير من المشاورات الإقليمية والدولية، لكنها كلها كانت تدور فى فلك الأفكار والرؤية المصرية، التى سبق وأعلنها الرئيس السيسى، لكل القادة والزعماء.

 

هذه الرؤية نابعة من فهم وإدراك مصرى واضح لتفاصيل الشأن السودانى، والواقع المعزز بالجغرافيا والتاريخ، ودور كبير وتأثير وثقل على الساحة السودانية، إلى جانب إدراك مصرى بأن الأزمة معقدة بالتأكيد، لكن هناك مبادئ أساسية تتحرك عليها مصر منذ البداية للحل، قوامها الرئيسى رفض التدخلات الخارجية فى السودان، والسعى إلى ابرام وقف إطلاق نار دائم ومستمر وشامل، ودعوة الجميع إلى احترام مؤسسات الدولة السودانية وإلى عدم التدخل فى الشؤون السودانية.

 

وتأتى هذه الرؤية لتعبر عن الاهتمام المصرى باستقرار وأمن السودان، وقبلها الحفاظ على أرواح الأشقاء السودانيين، وأن يبقوا آمنين فى ديارهم لا لاجئين تتفرق بهم السبل. 


 

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع