أسرار القاهرة.. شارع "تحت الربع" أنشأه الظاهر بيبرس فى العصر المملوكى.. اتخذه القائد الفاطمى جوهر الصقلى 358 هـ ليكون سكنا لعساكر البربر.. وأصبح مملكة صناعة الفوانيس بداية القرن التاسع عشر حتى الجمهورية الجديدة

أسرار القاهرة.. شارع "تحت الربع" أنشأه الظاهر بيبرس فى العصر المملوكى.. اتخذه القائد الفاطمى جوهر الصقلى 358 هـ ليكون سكنا لعساكر البربر.. وأصبح مملكة صناعة الفوانيس بداية القرن التاسع عشر حتى الجمهورية الجديدة
أسرار القاهرة.. شارع "تحت الربع" أنشأه الظاهر بيبرس فى العصر المملوكى.. اتخذه القائد الفاطمى جوهر الصقلى 358 هـ ليكون سكنا لعساكر البربر.. وأصبح مملكة صناعة الفوانيس بداية القرن التاسع عشر حتى الجمهورية الجديدة

لشهر رمضان بهجته، أضواء مبهرة وألوان مبهجة فوانيس وخيامية، فلكولور وتقاليد شعبية، شوارع المحروسة تعتبر أيقونة الفرحة على خريطة شهر الكريم، فالمصريين أول من استخدموا فوانيس رمضان وأول من طوروها من المعدن إلى البلاسيك مرورا بالتصميمات الخشبية والزخارف الإسلامية، بداية من العهد الفاطمى حتى الجمهورية الجديدة فى 30 يونيو، حتى وإن اختلفت الروايات وتباينت القصص حول بداية استخدام الفانوس إلا أن مصر رائدة فى عالم البهجة وحسن استقبال شهر الرحمة والبركات، فتقول أحد الروايات أن بداية استخدام الفانوس كان مرتبطًا بيوم دخول المعز لدين الله الفاطمى مدينة القاهرة فى الخامس من رمضان عام 358 هجرية، إذ أمر القائد جوهر الصقلى فاتح القاهرة، بأن يخرج الناس لاستقبال الخليفة وهم يحملون الشموع لإنارة الطريق وخرج المصريون فى موكب كبير اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذى وصل ليلًا وكانوا يحملون المشاعل المزينة بالشموع على شكل فانوس تقليدى للإضاءة، غلى أن بقيت الفوانيس تضئ الشوارع حتى آخر شهر رمضان لتصبح عادة ثقافية حضارية يلتزم بها المصريين كل عام من شهر رمضان فيما اصبح الفانوس رمزًا للبهجة وإضفاء الفرحة فى النفوس فى مصر والعرب حتى تربع على قمة هرم الفرحة لاستقبال شهر رمضان فى كل دول العالم.

 

وفى رواية اخرى تذكر أن سبب ظهور فانوس رمضان جاء بناء على مرسوم من الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله، كان قد منع النساء من الخروج ليلا، واستثنى شهر رمضان من ذلك الأمر لكى يسمح لهن بالخروج للصلاة، إلا أنه اشترط وجود غلام يحمل فانوسا ليضيء الطريق، ويعلم المارة بأن هناك امرأة تمر بالشارع، فيفسحون لها، ويغضون أبصارهم.

 

إلا أن هناك آراء مغايرة لنفس السياق أيضًا، أن الناس فى العصر الفاطمى كانوا يولون الاحتفالات والأعياد الدينية اهتماما كبيرا، ويتفننون فى الإعداد لها، وكان قدوم شهر رمضان مناسبة عظيمة يقوم الناس بتنظيف المدينة والشوارع والتجار يقومون بترتيب بضائعهم، فكانت الفوانيس تستخدم فى الشوارع والمساجد وحسب المصادر والمراجع وتعدد الآراء، فليس هناك بالضبط تأريخ دقيق للوقت الذى أصبح فيه الفانوس يصنع بشكل مصغر تداوله المواطنين ويلعب به الأطفال ويصبح سلعة تباع وتشترى وتحرك حركة السوق فى بداية رمضان من كل عام، ولكن الثابت أنه تحول إلى موروث شعبى أصيل فى مصر.

 

تحول الفانوس من وظيفته الأصلية فى الإضاءة ليلًا إلى الترفيه للأطفال وتعليقه كشل مزين بديع فى الشوارع منذ عصر الدولة الفاطمية حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والحارات حاملين الفوانيس وقد انتقلت فكرة الفانوس المصرى إلى أغلب الدول العربية وأصبح جزء من تقاليد شهر رمضان فى معظم الدول.

 

ولم يظهر الفانوس بشكله الحالى إلا منذ قرن ونصف من الزمان، فيها أخذ الفانوس شكل من أشكال الفلكولور المصرى الأصيل، فيما تم تطويره وأساليب تصنيعه وابتكار اشكاله وتعدد خامته، فشغل حيز من تفكير الصناع، فشيدوا له الورش وامتهنته أسر بعينها فورثت المهنة لأجيال وأجيال استقروا فى شارع تحت الربع، ومن خلال سلسلة أسرار القاهرة نسلط الضوء على مملكة صناعة الفانوس لكونه تراث غير مادى توارثه الأجيال منذ الدولة الفاطمية.

 

يرجع تاريخ شارع تحت الربع إلى تشييد مدينة القاهرة على يد جوهر الصقلى الذى جعل سكنى عساكر البربر والسودان خارج أبواب القاهرة، خصوصا باب زويلة، ويقع شارع تحت الربع فى المنطقة التى تقع خارج باب زويلة من اليمين حتى باب الخرق "باب الخلق حاليا"، وكان يطلق عليه قبل ذلك حارة السودان.

 

ولم يطلق على الشارع هذا الاسم سوى فى العصر المملوكى حسب ما ذكر المقريزى فى خططه، حيث كان يطلق عليه قبل ذلك حارة السودان، وحينما تولى الظاهر بيبرس الحكم قام بتطوير الربع وتقسيم المساحة المحيطة به وأنشأ ربعًا آخر لم يبقَ منه شيء حاليًا، حيث شب فيه حريق عام 721هـ - 1221م. وكان يقع بين باب زويلة وباب الفرج وعرف بخط تحت الربع وكان ربعا كبيرا يشتمل على 120 مسكنا.

 

اما موسوعة "القاهرة فى ألف عام" لعبد الرحمن زكى ذكرت صفحاتها أن الربع لم يكن له سوى مدخل واحد للجميع ويصعد إلى الطابق العلوى بواسطة سلم يوصل إلى دهليز طويل تطل عليه المساكن، ولا تؤجر هذه المساكن المؤثثة ولا يسمح للأغراب باستئجار مسكن من الربع، ولكن يسمح له بذلك من كان منهم مع أسرته.

 

وعلى الرغم من التطور التاريخى ومراحل تغيير اسمه ليصبح شارع أحمد ماهر، لايزال يتمسك المصريين باسمه القديم العالق فى أذهانهم شارع تحت الربع والذى أصبح علامة بارزة وسوقا لصناعة وتجارة فوانيس رمضان، فيه يعج الآلاف من المصريين المقبلين على شراء فوانيس رمضان التقليدية الأصيلة التى تحمل عبق التاريخ والأصالة، وذلك حسبما ذكر الدكتور عاطف عبد الدايم مدرس الآثار الإسلامية فى رسالته للدكتوراه عن منطقة تحت الربع حيث يكشف أن صناعة الفوانيس ازدهرت وانتشرت فى شارع تحت الربع مع بداية القرن التاسع عشر، أما التجارة الأصيلة والقديمة التى عرف بها شارع تحت الربع سوقا للنحاسين وسوقا لصناعة الصفيح ولاتزال موجودة حتى الآن وكذلك اشتهر بأنه سوق لتجارة المكسرات والمسقط (مخلفات الذبائح)، واشتهر أيضا بصناعة القرن الخشبية التى تستخدم فى تقطيع اللحوم وكذلك صناعة الأخشاب.

 

وتغيرت المعالم المعمارية للشارع بفعل الزمن بإنشاء المساكن الحديثة مع توسعة الشارع وتطويله حيث لم يكن يزيد طوله على 115 مترا، ومر بمراحل تطوير فيه كانت تنتشر قديما الخنادق والممرات الصغيرة التى تصل بينه وبين الحارات المجاورة، حيث يعد الشارع منطقة أثرية تضم عددًا من الآثار الإسلامية التى تهدم بعضها وبعضها لايزال قائمًا وأشهر هذه الآثار فيه باب زويلة ومسجد السيدة فاطمة وجامع المؤيد شيخ.

 

يجاور شارع تحت الربع شوارع صناعية وتجارية مازالت تلعب دورها الهام فى حركة التجارة المصرية والصناعات التراثية والتقليدية، وذلك حسبما ذكر كتاب "التراث الحضارى والمعمارى للمدن الإسلامية" للدكتور خالد عزب الذى يعد بمثابة مرجع تاريخى لتراث المدن الإسلامية.

 

تتميز منطقة تحت الربع بأنها تتجلى تاريخيا فى شقين من التراث المادى وآخر معنوى، المادى وهو يعد كل شيء من المادة مثل المبانى الأثرية والمساجد والحوانيت.

 

أما التراث المعنوى فهو كل ما يتمثل فى العادات والتقاليد والطقوس والموروثات الاجتماعية، وهو بذلك يحفظ ذاكرة المكان، منطقة تحت الربع تعد من الأماكن القليلة التى تحتوى على هذا الكم من التراث.

 

وعلى الرغم من تغيير اسم الشارع إلا أنه من أكثر الشوارع المتمسكة باسمها القديم فشارع تحت الربع يعد شاهدا على تاريخ القاهرة الفاطمية والمملوكية، فيوجد به تنوع معمارى ما بين العمارة المدنية التى تتمثل فى البيوت القديمة والعمارة الدينية التى تتمثل فى المساجد والعمارة الخيرية أو المائية التى تتمثل فى الأسبلة ولا يزال الشارع يحتفظ بالعديد من الورش القديمة، والتى توارثتها الاجيال من الشباب بعد ذلك، وأكد الزهار قائلا “يبدو أن الفوانيس الحديثة بأشكالها المتنوعة لم تؤثر على الفانوس التقليدى المصنوع من النحاس والزجاج، وأشار الزهار أن صناعة الفوانيس تعتبر نوع من أنواع الحفاظ على رمزية التراث.

 

وحسب المنظور الاجتماعى تظل الفوانيس فى مصر، واحدة من أبرز علامات الاحتفال بشهر رمضان المعظم، لا فرق فى ذلك بين غنى أو فقير، أو بين ساكنى القصور والبيوت الصغيرة فى القرى البعيدة، وهو ما يعكس بوضوح حرصًا لا تخطئه عين، على الحفاظ على ذلك الطقس الشعبى، الذى يضرب بجذوره فى عمق التاريخ الإسلامى فى مصر.

 

فللفانوس وتصنيعه وتجهيزه مناطق وشوارع مخصصة فمنطقة بركة الفيل فى السيدة زينب، تعتبر المنافس الشرس لشارع تحت الربع بضاحية باب الخرق (الخلق حاليا)، إذ تضم عشرات من الورش التى تخصصت فى صناعة الفانوس بمختلف أشكاله، بدءًا من التقليدى المصنوع من الصاج والزجاج الملون.

 

وفى كتاب "التطور العمرانى لشوارع القاهرة" للكاتب فتحى حافظ الحديدى الذى اعتمد فى مصادره على أرشيف وزارة الاشغال،  وسجلات الأحياء والدوريات النادرة،  لشوارع القاهرة مسميات قديمة ترتبط بشهرة معينة،  بعضها كان فى الأصل احياء متكاملة، شارع تحت الربع مثلا يرجع إلى إنشاء الظاهر بيبرس لربع ضخم يضم مائة وعشرين بيتا كان يقع مكان مسجد المؤيد حاليا وكان تحته طريق يعبر الناس منه،  والربع احترق في 721هـ/ 1331 ميلادية،  وتحولت تسمية إلى أحمد ماهر رئيس الوزراء الذى اغتيل فى البرلمان بواسطة الإخوان،  غير أن الاسم الأصلى بقى على ألسنة الناس وتقع به آثار مهمة منها مسجد السلطان المؤيد شيخ،  وسبيل وقف محمد حبيش وسبيل حسن أغا أرزكان،  وسبيل نذير أغا ومدرسة فرج بن برقوق وتكية الجلشنى،  ومسجد فاطمة الشقرا.

 

ويقع شارع تحت الربع بين ميدان باب الخلق وباب زويلة وهو حارة موازية للسورالجنوبى لمدينة القاهرة الفاطمية والذى لم يتبق منه شيئا.

 

يضم الشارع الكثير من الأثار الإسلامية منها مسجد المؤيد وبابه المفتوح على شارع السكرية فضلًا عن قصر الأمير المملوكى المتوكل، ووقف محمد حبيش.

 

يعتبر بحث سبيل وکتاب الأمير حسن أغا أرزنکلى بشارع تحت الربع بالقاهرة (قبل 4 صفر عام 1246هـ/ 25 يوليو 1830م) وذلك حسبما ذكر كتاب "سبيل وکتاب الأمير حسن أغا أرزنکلى بشارع تحت الربع بالقاهرة" للدكتور عاطف عبد الدايم عبد الحى.

 

اما عن تحريف باب الخرق إلى باب الخلق، فكان يقع على رأس الطريق الموصلة من باب زويلة إلى ميدان باب الخلق المعروفة الآن بشارع تحت الربع، أنشئ فى عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب فى سنة 639هـ/1241م التى أمر فيها بإنشاء قنطرة باب الخرق على الخليج المصرى لأن المبانى امتدت فى زمنه على جانبى تلك الطريق التى تعرف بشارع تحت الربع خارج باب زويلة.

 

وكانت تلك المنطقة فى بداياتها عبارة عن أرض فضاء بدون بنايات، مما عرضها للرياح الشديدة، لذلك سميت بـ"باب الخرق"، فى إشارة إلى "الخرق" الذى يخترقه الهواء وكان الميدان الذى يفتح عليه باب الخرق يعرف أيضًا بميدان باب الخرق ولاستهجان كلمة الخرق ولأن هذا الميدان يمر فيه خلق كثير من الناس استبدلت مصلحة التنظيم فى عهد الخديو إسماعيل هذه الكلمة وسمت الميدان باب الخلق ويعرف اليوم بميدان أحمد ماهر.

 

ويوجد بميدان باب الخلق حاليًا متحف الآثار الإسلامية، الذى كان فيما مضى يعرف باسم "دار الآثار العربية" وكان يشغل نصف مبناه، أما النصف الاخر فكان مقر دار الكتب العامة "كانت تعرف باسم دار الكتب الخديوية ثم السلطانية".

 

يحتوى المتحف على آثار إسلامية نادرة من الخشب والمعادن والجص والخزف والزجاج والبلور والمنسوجات والسجاد، المنتمية لمختلف الحقب الإسلامية التى مرت بها مصر منذ الفتح الإسلامى عام 642م/ 21هجرى وحتى العصر العثمانى، وكان بدأ التفكير فى إنشاء دار تجمع التحف الإسلامية سنة 1869م، فجمعت فى الإيوان الشرقى لجامع الحاكم، وفى عام 1881م صدر مرسوم بتشكيل لجنة لحفظ الآثار، فاتخذ الأمر طريقه إلى الجدية، وتضاعفت الجهود فى جمع التحف، حتى ضاق بها مكانها بجامع الحاكم، فبنى لها مكان خاص فى صحن الجامع، وتلاه بناء المبنى الحالى لتنقل إليه القطع الأثرية ويظهر للوجود المتحف الإسلامى الذى افتتح فى 28 ديسمبر سنة 1903 لتزدان به القاهرة، وذلك حسبما ذكر كتاب كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون لمصطفى بن عبد الله، الشهير بحاجى خليفة وبكاتب جلبى المنشور عام 1941م.

 

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع