سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 7 مارس 1799.. «بونابرت» يأمر بقتل 3 آلاف أسير فى «مذبحة يافا» ويعفو عن 400 مصرى بينهم عمر مكرم ويعيدهم إلى دمياط

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 7 مارس 1799.. «بونابرت» يأمر بقتل 3 آلاف أسير فى «مذبحة يافا» ويعفو عن 400 مصرى بينهم عمر مكرم ويعيدهم إلى دمياط
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 7 مارس 1799.. «بونابرت» يأمر بقتل 3 آلاف أسير فى «مذبحة يافا» ويعفو عن 400 مصرى بينهم عمر مكرم ويعيدهم إلى دمياط

زحفت قوات الحملة الفرنسية، بقيادة نابليون بونابرت، من مصر لاحتلال سوريا، وهزمت قوات عثمانية ومماليك فى العريش يوم 20 فبراير 1799، وفقًا لعبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من كتابه «تطور الحركة القومية فى مصر»، مضيفا: «تابع الفرنسيون زحفهم على سوريا، فاحتلوا «خان يونس»، وهى أول بلدة فى فلسطين، وساروا منها قاصدين غزة، واستولوا عليها دون مقاومة تذكر، واستراح الجيش بها عدة أيام ثم استأنف سيره يوم 28 فبراير 1799، فاحتل الرملة ثم اللد، ووصل تجاه يافا يوم 3 مارس، وكان الجيش العثمانى بقيادة عبدالله باشا ممتنعا بها، فحاصرها «بونابرت» بجنوده، واستولى عليها فى 7 مارس، مثل هذا اليوم، 1799، بعد معركة شديدة، قتل فيها من الجنود العثمانية نحو 2000 قتيل، ودخل الفرنسيون المدينة وأعملوا فيها السيف والنار».

يؤكد الرافعى: «نهب الجنود الفرنسية يافا، وارتكبوا فيها من الفظائع ما تقشعر منه الأبدان باعتراف المؤرخين الفرنسيين، واستمر القتل والنهب يومين متوالين، واضطر الجنرال روبان الذى عينه «بونابرت» قومندان للمدينة أن يقتل بعض الجنود لإعادة النظام، ولم ينقطع النهب إلا بعد أن كلَ الجنود من الاعتداء وسفك الدماء».

 

كان «نقولا ترك» معاصرا لهذا الحدث، ويسجله فى مذكراته «أخبار المشيخة الفرنساوية فى الديار المصرية» تحرير وتحقيق، عبدالعزيز جمال الدين، عن مكتبة الأسرة، القاهرة.. يقول: «احتاطت الجيوش الفرنساوية حول يافا، وانتظروا حضور أمير الجيوش «بونابرت»، فحضر لعندهم رابع يوم، واستخبر عن العساكر الموجودة فى البلد، فقيل له إنها نحو ثمانية آلاف، فكاتبهم أمير الجيوش أن يسلموا المدينة أول وثانى يوم، فمسكوا المراسيل وقتلوهم، فبلغ أمير الجيوش أمر أن يهجموا على المدينة، وهجمت الفرنساوية هجمة واحدة، فيالها من ساعة كانت مرعبة مرهبة، ودوروا السيوف فى العسكر الموجودة، وفى أهل البلد، ونهبوا وسلبوا وسبوا النساء، وفضحوا البنات، وذبحوا الأولاد، وحصل فى تلك الليلة فى يافا ما يكل عن وصفه اللسان، وكان أخذها ليلة عيد رمضان، والذين مسكوهم «الأسرى» أحضروهم ثانى يوم قدام أمير الجيوش فأمر بقتلهم جميعهم، ما عدا البعض منهم، مثل شوام، وحلبية، وأولاد عرب، ومصرية، وما بقى أخذهم على السيف جميعهم، ومن بعد ذلك ما زال النهب والسلب مستمرا فى البلد إلى ثالث يوم إلى أن تركوها كجوف حمار».

 

وفيما يذكر «ترك» أن الذين تحصنوا داخل يافا نحو ثمانية آلاف عسكرى، يذكر الرافعى أنهم ثلاثة آلاف، ويذكر «ج.كريستوفر هيرولد» فى كتابه «بونابرت فى مصر»، ترجمة: فؤاد اندراوس، أنهم من ألفين وخمسمائة إلى ثلاثة آلاف، مضيفا أنهم لما التجأوا داخل القلعة بالمدينة، أرسل «بونابرت» إليهم شابين من ياورانه، ونادا من نوافذ القلعة بالتسليم، فرد الجنود باستعدادهم إذا حصلوا على وعد بألا يعاملوا كما عومل بقية أهل يافا، وأعطى الشابان على مسؤوليتهما تأكيدات شفوية بأنهم لن يقتلوا، فخرجوا وسلموا سلاحهم، فلما رأى بونابرت ياوريه يعودان مع بضعة آلاف من الأسرى اصفر وجهه وقال ساخطا: ماذا يريداننى أن أفعله بهم؟ وأعطى أوامره بقتلهم».

 

يستشهد «هيرولد» بخطاب أرسله مساعد كبير الصيارفة واسمه «بيروس» إلى أمه فى فرنسا، يصف فيه هول هذه المذبحة، قائلا: «بعد انقضاء يومين أو ثلاثة على الهجوم، صدرت الأوامر بقتل 3 آلاف رجل استسلموا لنا بسلامة نية، ألقوا سلاحهم فسيقوا على الفور إلى معسكرنا، وفصل عنهم بأمر القائد الأعلى المصريون والمغاربة والأتراك، وفى صباح اليوم التالى أخذ المغاربة جميعهم إلى شاطئ البحر، وبدأت كتيبتان فى رميهم بالرصاص، وكان أملهم الوحيد فى النجاة هو أن يلقوا بأنفسهم فى البحر، فلم يترددوا، وحاولوا كلهم الهروب سباحة، فضربوا بالرصاص على مهل، ولم تمض لحظة حتى اصطبغ ماء البحر بدمائهم، وانتشرت جثثهم على سطحه، وأسعد الحظ نفرا قليلا فوصلوا إلى بعض الصخور، ولكن الأوامر صدرت للجنود باقتفاء أثرهم فى قوارب والإجهاز عليهم.. أما وقد تم إعدام هؤلاء الرجال فقد رجونا صادقين ألا تتكرر هذه الجريمة، ويعفى الأسرى الباقون من القتل، ولكن سرعان ما خاب رجاؤنا حيت اقتيد ألف ومائتان مدفعى تركى فى اليوم التالى ليعدموا، وكانوا قد جرعوا يومين أمام خيمة بونابرت، وصدرت التعليمات المشددة للجنود بألا يسرفوا فى الذخيرة، فبلغت بهم الوحشية أن أعملوا فيهم الطعن بالسنكى، ووجدنا بين الضحايا أطفالا كثيرين تشبثوا وهم يموتون بآبائهم، وسيقع دم هؤلاء الآلاف الثلاثة الضحايا على رؤوسنا إن عاجلا أو آجلا».

 

يؤكد «الرافعى» أن المصريين الذين استثناهم بونابرت من القتل كانوا نحو 400 فرد، من بينهم عمر مكرم نقيب الأشراف الذى هاجر إلى يافا بعد معركة الأهرام، ويذكر الجبرتى: «طلبهم نابليون إليه، وعاتبهم على خروجهم من مصر، وأنزلهم فى مركب وأرسلهم إلى دمياط من البحر».    


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع