سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 3 يونيو 1957.. المخابرات المصرية تشحن «إخوان ايلوكس» بالسلاح للثورة الجزائرية سرا

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 3 يونيو 1957.. المخابرات المصرية تشحن «إخوان ايلوكس» بالسلاح للثورة الجزائرية سرا
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 3 يونيو 1957.. المخابرات المصرية تشحن «إخوان ايلوكس» بالسلاح للثورة الجزائرية سرا

تلقى الملحق العسكرى المصرى فى العاصمة الأسبانية «مدريد» تكليفا، بمحاولة استئجار مركب بضاعة ذات حمولة كبيرة، وسريعة من شركة ملاحة إسبانية، وذلك لنقل شحنة بصل وأدوات زراعية من الإسكندرية إلى مراكش بالمغرب، وجرى التعاقد مع شركة تتبعها مركب «إخوان ايلوكس»، وفى مصر تم الاتصال بوكلاء الشركة الأسبانية وهم «إخوان محمد ياقوت النجار»، لعمل ترتيبات استقبال المركب وتزويدها باحتياجاتها من وقود وتموين.

 

هكذا كانت «الشحنة»على الورق، لكنها كانت فى الحقيقة غطاء وتمويه لعملية أخرى هى، إرسال مصر لسلاح إلى الثوار الجزائريين، أثناء اشتعال الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسى، الذى كان يحتل الجزائر منذ عام 1830، والعملية يروى وقائعها فتحى الديب، ضابط المخابرات المصرية، ومسؤول حركات التحرر العربية.

 

يذكر« الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة الجزائر» (دار المستقبل العربى– القاهرة)، أن السلاح الذى تم تأجير مركب «إخوان ايلوكس» لحمله تم شراؤه كصفقة من العاصمة التشيكية «براغ»، وذلك فى عملية مخابراتية معقدة، بدأت بسفره يوم 15 يناير 1957 إلى ألمانيا والسويد والنمسا وتشيسلوفاكيا (قبل تقسيمها إلى التشيك، وسلوفاكيا) بجواز سفر باسم «محمد إبراهيم حسن»، وبصفته «حامل حقيبة دبلوماسية» كان يتم تسهيل الحركة له بين دول أوروبا، وكان معه فى هذه الرحلة شخص جزائرى يحمل جواز سفر باسم «وزانى حامد»، بينما هو فى الحقيقة طبيب جراح بشرى اسمه «إدريس»، ويقيم فى مراكش بالمغرب، ويتولى مسؤولية شراء السلاح لجيش التحرير الجزائرى، الذى يقود الثورة المسلحة، التى انطلقت أول نوفمبر 1954 باتفاق تم فى القاهرة بين «الديب» وأحمد بن بيللا (قائد الثورة وأول رئيس جزائرى بعد الاستقلال).

 

سافر «الديب»، بعد أن تلقى رسالة حملها «وزانى» من قائد ولاية وهران التابع لجيش التحرير «عبدالحفيظ بوصوف»، يطالبه فيها بالتدخل بعد مراوغة تاجرين دوليين متخصصين فى عمليات تهريب السلاح، أحدهما فرنس ويدعى «فراى»، والثانى» «دنماركى» ويدعى «أريكسون»، وجاءت المراوغة بعد توقيع «وزانى» على عقد معهما لصفقة من الهاونات والرشاشات والبنادق، يتم شحنها من مخازن مخلفات الحرب العالمية الثانية بألمانيا الغربية، وقام بإيداع مليون دولار لهذا الغرض فى أحد البنوك السويسرية استلمها من «بوصوف».

 

قام «الديب» باطلاع عبدالناصر بتفاصيل الموضوع، فكانت تعليماته صريحة وهى: «أهمية استخلاص المبلغ من أيدى العصابة أو إتمام الصفقة مع وضع كل الضمانات لوصولها إلى المكافحين»، وهكذا سافر «الديب» ومعه «وزانى» لتنفيذ مهمته السرية، وبدأ بألمانيا فالسويد ثم النمسا، حتى انتهى بهما الأمر إلى السفر للعاصمة التشيكية «براغ»، ولقاء مسؤولين تشيك عن طريق المستشار العسكرى المصرى إسماعيل فريد، وخلال هذا التنقل استخدمت العصابة وسائل ترهيب باحتمالات القتل، وترغيب بالنساء والخمر، وفشلت جميعها، فى نفس الوقت، الذى كان «الديب» يتمم الصفقة، ويجرب السلاح فى ميدان رماية بنفسه، ويفاصل فى ثمنه حتى أبلغوه: «تقديرا للحكومة المصرية، قررنا إجراء تخفيض مقداره 30 %بالنسبة لكل أنواع الذخيرة، التى سيتم التعاقد عليها مع الالتزام بكافة الشروط فى إعداد السلاح بلا أى علامات، وباتمام إجراءات الشحن ويفضل أن تكون أحد موانئ بولندا».

 

وصلت الصفقة يوم 3 مايو 1957 إلى ميناء الإسكندرية، واستقرت فى المخازن المعدة لذلك، وبدأت مهمة شحنها إلى «جبهة وهران»، فجاءت فكرة استئجار مركب بضاعة كبيرة وسريعة من إحدى الشركات الإسبانية، مهمتها المعلنة «شحن بصل وطلمبات رفع مياه إلى مراكش»، ويؤكد الديب، أنه فى نفس الوقت طلب من «عبدالحفيظ بوصوف»، قائد جبهة وهران بموافاته باسم شركة مغربية يثقون فيها ليتم الشحن من الإسكندرية باسمها، وليتموا التخليص على البضاعة بمعرفتهم عن طريق الشركة لتبدو كشحنة تجارية عادية، ويؤكد الديب: «أن شركة الشرقية للملاحة والتجارة» كانت هى الجهة المصرية المعلنة، التى تقوم بإنهاء الأوراق الخاصة بتصدير «الطلمبات والبصل»، وهى شركة أسستها المخابرات المصرية خصيصًا يوم 28 يونيه 1956 برأسمال قدره 20 ألف جنيه لتمتلك مراكب تجارية، لكنها فى حقيقتها تقوم بعملية تهريب السلاح للجزائر..

 

يذكر «الديب» أن مدير «الشرقية للملاحة والتجارة» استخرج إذن تصدير  عادى لطلمبات رفع المياه والبصل، وعاونه مندوب المخابرات بوزارة الاقتصاد، ويضيف «الديب» أنه لجأ إلى الدكتور عبدالمنعم القيسونى، وزير الاقتصاد، فاتصل بمدير الجمارك بالإسكندرية ليطلب منه الاستجابة لكل ما يطلبه منه دون الإشارة إلى نوعية الشحنة حفاظا على السرية، ويؤكد أن عملية الشحن تمت صباح يوم 2 يونيو 1957 تحت إشرافه شخصيا، ووصلت يوم 13 يونيو، لكن مفاجأة كانت فى انتظارها.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع