أخبار عاجلة
سعر الريال القطرى فى مصر اليوم الجمعة 29-3-2024 -
كييف: قصف روسى يستهدف 3 محطات طاقة أوكرانية -
زلزال بقوة 5.7 درجة يضرب جنوب اليونان -

محيي الدين إبراهيم يكتب: خليل أبو زيد مفجر ثورة الصعيد 1919 وكيف اغتالته الثورة المضادة

محيي الدين إبراهيم يكتب: خليل أبو زيد مفجر ثورة الصعيد 1919 وكيف اغتالته الثورة المضادة
محيي الدين إبراهيم يكتب: خليل أبو زيد مفجر ثورة الصعيد 1919 وكيف اغتالته الثورة المضادة

أكدت الوثائق ( 1) أن هناك عدداً من الأعيان كانوا على تواصل مع الإنجليز، وحاولوا تأسيس ما يُسمى بـ «نادى الأعيان»، بهدف منازعة «الوفد» فى حق تمثيل المصريين، ومن بين هؤلاء الأعيان الذين وصفتهم الوثائق بـ«الخونة»: الشريعى باشا وكامل جلال ومصطفى ماهر وتوفيق شهاب الدين ومحمد هلال.

بعدما  ألقى سعد زغلول أول خطاب له في أول اجتماع بعد تأليف الوفد في 13 يناير 1919، بمنزل" حمد الباسل" الذي أعلن فيه أن الحماية باطلة بموجب القانون الدولي، وبعد أن أيد حسين رشدي باشا رئيس الوزراء حينها سعد زغلول وما جاء في خطابه بل وأيضاً حركة التوكيلات التي سيقوم بها الشعب لسعد زغلول، كانت غضبة القصر وغضبة الإنجليز التي استشعر منها "محمد سعيد باشا" أنه حتماً سيقع عليه اختيار القصر ليكون رئيس الوزراء القادم خاصة في ظل ذلك الموقف المتأزم التي تمر به البلاد من صراع بين القصر والوزارة وتقديم حسين رشدي باشا استقالة الوزارة أكثر من مرة، لكن لن تكون الوزارة الجديدة من نصيب "محمد سعيد باشا" إلا في حال نفذ سيناريو القصر وطالب بوفد ثان يشكّله مع الأمير " عمر طوسون"  لمواجهة وفد" سعد زغلول"  وزملائه، ولكن "محمد سعيد باشا" كان يؤمن بأنه لن يستطيع القيام بذلك إلا بتكوين جماعة قوية من أعيان مصر تستطيع بناء شرعية لهذا الوفد الثاني المواجه لوفد سعد زغلول ومن ثم طرأت في ذهنه فكرة "نادي الأعيان" الذين دعاهم لقصره بالقاهرة.

أقترح أحد هؤلاء الأعيان على "محمد سعيد باشا" اسم "أبو زيد بك علي" عين أعيان دير مواس ليكون واحداً من أهم أعضاء نادي الأعيان ضد سعد زغلول، فهو متفتح الذهن لدرجة أن أرسل أبنه " خليل أبو زيد علي" ليدرس في إحدى جامعات إنجلترا ومن ثم فهو معنا لاشك في ذلك، ورغم تحفظ " محمد سعيد باشا" على اقتراح أسم " أبو زيد بك علي" بسبب رفض أبنه خليل أبو زيد تولي مسئولية معاونة " كوكسن باشا" الإنجليزي مدير الزراعة بسبب كونه إنجليزياً وأنه ربما يكون الابن شبيه أباه إلا أن أحدهم طمأن رئيس الوزراء بأن "أبو زيد بك علي" لن يرفض طلباً يرضى عنه السلطان فؤاد – الملك فؤاد الأول فيما بعد – ورغم عدم ارتياح محمد سعيد باشا إلا أن الاجتماع انتهى بميلاد كيان الثورة المضادة ضد سعد زغلول ورفاقه، ميلاد "نادي الأعيان".

رفض "أبو زيد بك علي" أن يكون عضواً في نادي الأعيان الذي شكله "محمد سعيد باشا"، خاصة وأنه أحد أهم أعيان الصعيد المؤيدين لسعد زغلول ومن أهم أعيان مصر الذين قاموا بعمل توكيلات له خاصة بعد أن أصدر رئيس الحكومة ووزير الداخلية حسين باشا رشدي تعليمات صريحة إلى مديرى الأقاليم بعدم التعرض لحركة التوقيع على توكيلات الوفد تلك التوكيلات التي ساهمت في أن يقدم من خلالها "سعد زغلول" خطابًا في 2 مارس 1919 للسلطان فؤاد ليُعلن عن رفضه في قبوله استقالة الوزارة وخطابًا آخر في 4 مارس إلى ممثلي الدول الأجنبية يحتج فيه على منع الانجليز المصريين من السفر إلى مؤتمر السلام المنعقد في باريس. والذي بسببهما استدعى الجنرال "وطسن" قائد القواتْ البريطانية سعد زغلول وأعضاء الوفد. وقام بتحذيرهم وتحذير كل من يؤيدونهم بل وكل من قاموا بعمل توكيلات لهم القيام بأي عمل يعيق الحماية البريطانية على مصر، لأنه سيكون الدافع لأن يجعل الجميع عرضة للأحكام العرفية.

كان قصر " أبو زيد بك علي" في دير مواس بمثابة مركز سياسي لتوعية الناس وتأييداً لسعد زغلول ورفاقه بل وضد الوفد الثاني الذي يقوده محمد سعيد باشا وعمر طوسون باشا بحضور أبو المجد أفندي محمد الناظر نائب المأمور ومصطفى أفندي ملاحظ بوليس دير مواس مما أثار حفيظة محمد سعيد باشا وكل أعضاء نادي الأعيان الذي تم تشكيله وأعضائه كنوع من الثورة المضادة، لقد اعتبروا "أبو زيد بك علي" يسير في ركب  سعد زغلول ضد القصر وسلطانه فأعلنوا الحرب عليه خاصة أبنه الدكتور "خليل أبو زيد" الذي جعل من قصر أبيه وكأنه برلماناً شعبياً ومركزاً ثورياً خطيراً لمبايعة سعد زغلول ورفاقه.

كان الانتقام الأول لإزاحة خليل أبو زيد من المشهد السياسي بالصعيد - رغم أنه لم يمر على عودته من إنجلترا سوى بضعة أشهر - أن يتم قتل "كوكسن" باشا مدير الزراعة الإنجليزي بعيار خرطوش من بندقية انجليزية تمت سرقتها من أحد الجنود الأستراليين، ثم تم إطلاق الشائعات في مديرية أسيوط وإلمنيا بأن قتل ( كوكسن باشا ) إنما جاء بعد رجوع الدكتور خليل أبو زيد من انجلترا كرسالة من الفلاحين للإنجليز بأننا تخلصنا من مفتش الري الإنجليزي ونريد خليل أبو زيد ( المصري ) بدلاً منه، وهو ما دفع بعض باشوات "نادي الأعيان" الذي شكله "محمد سعيد باشا" الذين يعملون لصالح الانجليز في أن يقوم بالإبلاغ عن أن المحرض على قتل كوكسن هو الدكتور خليل أبو زيد نفسه، وعليه جاء بناء على هذا البلاغ حملة كبيرة من رجال الشرطة وعساكر الهجانة ( السودانية ) بحثاً عن قاتل كوكسن وظلت أكثر من ثلاثة أيام تحقق مع عائلة أبوزيد فيما نسبته إليهم أقوال الباشا بشأن التحريض على قتل كوكسن، ولكنهم لم يجدوا دليلاً مادياً واحداً ضد خليل أبو زيد ولم يستطيعوا الحصول على أي معلومة من الفلاحين فرحلوا ، بينما نادي الأعيان أضمرها وتوعد بالقضاء على نفوذ عائلة ابو زيد التحريضية ضد السلطان والقصر في الصعيد.

قبل أن يغادر الانجليز والهجانة دير مواس للتحقيق في مقتل كوكسن باشا كنوا قد اضمروا الحريق في عديد من القرى والبيوت، الناس كانت في غاية الغضب، كانت قلوب المصريين ( الصعايدة ) تمتلئ حقداً وغضباً على الإنجليز ومواليهم.

في 9 مارس1919 عرض السلطان فؤاد الأول على حسين رشدي تشكيل وزارة جديدة بعد تنفيذ المطالب من الإفراج عن سعد زغلول والسماح لهم بالسفر، فقبل رشدي تشكيل الوزارة، حيث كانت وزارة حسين رشدي مستقيلة منذ ديسمبر 1918 وقبل السلطان الاستقالة في أول مارس 1919. وحيث ظلت الدولة دون حكومة طوال فترة واشتعال الثورة،ولكن هل تم الإفراج عن سعد زغلول؟، لقد خدع السلطان شعب مصر ولم يفرج عن سعد فاشتعلت الثورة في كل إنحاء مصر.

في يوم 16 مارس 1919، وفى مشهد لم يسبق له مثيل خرجت مظاهرات حاشدة ووصلت إلي بيت الأمة حيث أكد بيان لصفية زغلول ألقته سكرتيرتها أمام المتظاهرين الذين أحاطوا منزلها  أن المصريين جميعاً والمرأة المصرية قادرة علي قيادة ثورة بحجم ثورة 1919 .وألمحت في البيان "إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعداً ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها فى نفس المكان الذى وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة صفية فى هذا الموقع تعتبر نفسها أماً لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية" .

اتفق الجميع خليل أبو زيد ومن معه أن يلتقوا بأعيان بندر منفلوط للاجتماع التحضيري الذي سيتم اجراؤه في بندر ديروط قبل السفر للقاهرة لمؤازرة الثورة وفي يوم الرجوع من منفلوط صباحاً لدير مواس خطب خليل أبو زيد في الناس أمام محطة قطار منفلوط فأثار حماستهم وغيرتهم الوطنية وألهبها، ثم خطب من بعده جرجس حنا المحامي ثم خطب عين أعيان منفلوط ومن بعده خطب عمدة ملوي ثم عبد الرحمن، كل منهم كان يخطب في جماعة وفي نفر من الناس، كان صياح الناس يملأ الأجواء، عشرات الآلاف احتشدوا أمام محطة قطار منفلوط، ثم دخل خليل أبو زيد بصحبة الأعيان لمحطة القطار متوجهين لرصيف المحطة ليستقلوا القطار، ووسط الزحام الشديد كأنه يوم الحشر، أعلن مستر ( فورد ) ناظر المحطة ( الإنجليزي ) بتعطل القطار المتجه لديروط، فقرر الجمع أن ينتظروا قطار الإكسبريس القادم من الأقصر ليستقلونه إلى ديروط، ولما جاء قطار الإكسبريس في الساعة العاشرة، زحفت الناس بالمئات نحو عربات القطار تستقله على أمل حضور اجتماع ديروط، حتى أن سطح القطار لم يكن فيه شبراً واحداً ليجلس فيه رجل في حجم طفل، دخل خليل أبو زيد ومن معه القطار بصعوبة بالغة حتى أنهم هرعوا لعربة الطعام في القطار على أمل أن يجدوا فيها موضع.

كان هناك ثمانية من الضباط الإنجليز في عربة الطعام يشهرون أسلحتهم في وجه خليل أبو زيد ومن معه وينظرون للموقف بأكمله بعين التوجس والريبة، شاحبي الوجوه وقد جزوا على نواجذهم وفي وضع الاستعداد لإطلاق الرصاص وهم: القائمقام "بوب بك" مفتش السجون في الوجه القبلي، والميجور "جارفر" والملازم "وللبي" وخمسة جنود.

تحدث خليل أبو زيد للضباط الإنجليز بأن لا يخافوا، فهم لم يستقلوا القطار ليقتلوهم، وبين المسافة من منفلوط وحتى ديروط تحدث معهم خليل أبو زيد عن ضرورة انهاء الاحتلال فوراً والإفراج عن سعد زغلول.

لم يعجب هذا الكلام الكولونيل ( بوب ) وأخذ يتحدث باستعلاء وغطرسة مع خليل أبو زيد، هنا كان القطار قد وصل لمحطة ديروط وقد ملأ الغضب قلوب المصريين الجالسين في نفس العربة مع الإنجليز، حتى خليل أبو زيد نفسه كان غاضباً غضباً شديداً من ( بوب ) الضابط الإنجليزي.

كانت الجموع البشرية في محطة ديروط لا تقل زحاماً عن منفلوط في استقبال خليل أبو زيد ومن معه من أعيان الصعيد باللافتات والأعلام والهتاف لمصر وحين نزل خليل أبو زيد وأعيان الصعيد من القطار أخذتهم الناس بالأحضان بينما أعلنت صافرة المحطة بمغادرة قطار الإكسبريس محطة ديروط متوجهاً للقاهرة، وهنا قفز جرجس حنا مخاطباً في الناس بأن لايدعوا القطار يرحل، ثم نظر للدكتور خليل أبو زيد ، حيث صاح عبد الرحمن أبو زيد من شدة الغضب: يا أهل مصر عليكم أن تفعلوا اليوم ماكان يجب عليكم فعله منذ زمن فهاهو القطار يجلس فيه قائد انجليزي سليط اللسان لا يريد لمصر خيراً، وقبل أن يكمل عبد الرحمن هب الناس مندفعين صائحين لعربة الطعام بالقطار محاولين الفتك بالضباط الإنجليز، وهنا قفز السائق الإنجليزي إلى غرفة قيادة القطار وتحرك بالقطار في طريق ذهابه للقاهرة، فدهس العشرات وتمزقت أجساد العشرات من الفلاحين تحت عجلاته والمدهش أن في تطاير الأشلاء وبحار الدم التي مازال ( يفرمها ) القطار لم تنهزم عزيمة المصريين من الصعود للقطار والفتك بالضباط الأنجليز الذين لم تنفعهم أسلحتهم، وحين وصل القطار دير مواس كانت جموع الغاضبين قد قتلت كل الضباط الإنجليز ومزقتهم تمزيقاً عنيفاً، وتوقف القطار في دير مواس حيث ( خلع ) الفلاحون قضبان السكة الحديد لمنع وصول أي قطارات محملة بعساكر انجليز، وأخذوا ينقلون جثث الضباط من شبابيك القطار ومن بينها جثة "بوب" الضابط الإنجليزي وألقوها على الأرض، وأخذوا يهتفون: تحيا مصر، يحيا سعد، يسقط الإنجليز وكان ذلك في يوم 18 مارس 1919.

في 17 أبريل في قنا وأسوان، أُذيع منشور بضرورة تحية الضباط البريطانيين، وأنذر كل من يخالف القرار من الأهالي، فأُتلف أهالي الصعيد من أسوان وحتى محافظة الجيزة خطوط السكك الحديدية.

في 21 أبريل لم توفق وزارة رشدي بإقناع الموظفين بإنهاء الإضراب، فتقدم رشدي باستقالته، وقبلت استقالته في اليوم التالي.

في 20 مايو 1919 تحقق حلم "محمد سعيد باشا" بتشكيل الحكومة وتولى فيها إلى جانب رئاسة الوزراء مسئولية وزارة الداخلية وهنا تفجرت من جديد قضية دير مواس (3) وأصرت انجلترا على عقد محاكمة عسكرية حازمة لمحاكمة المتورطين في قتل الضباط الإنجليز في قطار الصعيد ومن ثم تم القبض على 91 مصرياً بتهمة أنهم في 18 مارس 1919 بديروط ودير مواس قتلوا أو ساعدوا على قتل بعض الضباط والجنود الإنجليز وأنهم تجمهروا مسلحين بالنبابيت والعصي والطوب وأسلحة أخرى بقصد مهاجمة البريطانيين الذين قد يوجدون بالقطار عند وصوله دير مواس، وقد بدأ نظر هذه القضية أمام المحكمة العسكرية البريطانية العليا التي انعقدت في أسيوط بدءاً من يوم 17 مايو 1919 وكانت مؤلفة من سبعة أعضاء من ضباط الجيش الإنجليزي برئاسة اللفتننت كولونيل ( دونس Downes ) وسمعت المحكمة شهادة 51 شاهد إثبات ونحو 155 شاهد نفي وانتهت المحاكمة يوم 19 يونيه وتم حكم الإعدام في 51 منهم رمياً بالرصاص وعفا القائد العام عن واحد منهم وتم تعديل عقوبة الإعدام إلى الأشغال الشاقة بالنسبة لعشرة آخرين وبعد وساطة رئيس الوزراء " محمد سعيد باشا " عدلت عقوبة الإعدام للأشغال الشاقة بالنسبة إلى ستة آخرين وتم إعدام الباقين وعددهم 34 متهماً كان على رأسهم الدكتور خليل أبو زيد وعبد الرحمن ابن عمه، إلى جانب كل من: عبد العليم فولي، عبد المجيد فولي، محمد مرسي شحاتة، رزق مراد عبد الله، محمد مرسي محجوب، عبد الحكيم عبد الباقي، فرغلي محمد مبارك، عبد اللطيف علي عبد الله، تغيان سليمان حسان، عبد الجابر حمدان موسى، عبد الباقي علي حامد، عبد الله محروس، عبد الملك فرحات، راغب سويفي علي، أبو المجد محمد عبدالله، عبد الملك سليم إبراهيم، راغب عبد العال هلال، محمد علي مكادي، عبد العزيز عثمان شرابي، أحمد إبراهيم موسى الصعيدي، عباس عبد العال البحيري، عباس عبد العال الفلاح، أحمد عثمان، أحمد محمد إبراهيم، عبد الجابر أبو العلا، إسماعيل الدباح، قاسم محمد قايد، محمد أبو العلا، سيف أحمد عبدالله الغرابي، هلالي جنيدي، عبد السلام أبو العلا، محمد إبراهيم عبيد.

رحم الله الشهداء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحسب الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع السابق – جريدة الوطن عدد السبت 06-09-2014

(2) استبدل محمد سعيد باشا عام 1924 حكم الإعدام بالأشغال الشاقة في المحاكم العسكرية بدافع الندم من قضية دير مواس.

(3) عبد الرحمن الرافعي – ثورة 1919 تاريخ مصر القومي من سنة 1914 إلى سنقة 1921 صفحة 377 - 383