حسنى حنا يكتب: الحلي الاثريه في المتاحف السوريه ..ميراث الأجداد

حسنى حنا يكتب: الحلي الاثريه في المتاحف السوريه ..ميراث الأجداد
حسنى حنا يكتب: الحلي الاثريه في المتاحف السوريه ..ميراث الأجداد

 

"إني لاتعجب من كثرة الحلي المكتشفة في اوغاريت"!..

Claude Schaeffer

 

تعتبر سوريا  Syriaبحكم موقعها الجغرافي، ملتقى الشعوب والحضارات على مر العصور. وهي من اغني بلاد العالم بالمواقع الاثرية. و على ارضها قامت حضارات متعددة، تفاعلت مع بعضها، واعطت للعالم اروع المنجزات الحضارية وما اختراع الاحرف الابجديه ،والزجاج و صناعه السفن، و صناعه الحلي والمجوهرات الا بعض هذه المنجزات!.

 ويوجد اليوم في سوريا، ما يزيد على ثلاثين متحفاً، تضم الاثار التاريخيه والتقاليد الشعبية وغيرها. ويقوم بعض هذه المتاحف في ابنية قديمة تم ترميمها، وبعضها الاخر في مباني متحفيه نموذجيه. ومن اهم هذه المتاحف هو المتحف الوطني بدمشق الذي أنشىء في عام (1929) وقد شيد البناء الجديد وتوسعاته بين عامي (1963 و 1936 ) ومتحف حلب الذي أنشىء في عام (1928 ) ويعود البناء الحالي  الى عام (1966 ) ويعتبر المتحف الوطني بدمشق -على صغره- من ابرز متاحف العالم لاحتوائه على كنوز اثريه لا مثيل لها ،واثار حقب عديدة من التاريخ والحضارات.

 

الحلي الاثريه السوريه

تتوزع الحلي الاثريه، في سوريا Syrian Ornament،من اساور وخواتم واقراط وعقود وغيرها في المتاحف السوريه. وخاصة في المتحف الوطني بدمشق و متحف حلب. كما في عدد من متاحف العالم الكبرى، ومنها متحف اللوفر Louver Museum في باريس. حيث توجد مجموعات متنوعة ونادرة من الحلي تثير الاعجاب بجمالها واناقتها ودقه صنعها ولهذه الحلي قيمه اثريه وتاريخيه كبيره ودلالات حضارية متعددة، يمكن اختصارها فيما يلي:

ـ ان جمال هذه الحلي، ودقة صنعها، تدل على المستوى الفني الراقي في صناعه المعادن الثمينة و الحجارة الكريمة.

ـ ان كثرة عدد القطع المكتشفة، تدل على الغني، والمستوى الاقتصادي الرفيع، الذي كان يعيشه سكان سوريا القدماء.

ـ وجود الحجارة الكريمة المتنوعة في صناعة الحلي، يدل على سعة التبادل التجاري، بين سوريا و البلدان الاخرى، في تلك العصور البعيدة. وكان العالم الفرنسي (كلود شيفر) الذي رأس عمليات التنقيب الاثري في مدينة أوغاريت Ougarit شمال مدينه اللاذقية لمده تقارب نصف قرن، قد تعجب من كثرة الحلي المكتشفة في هذه المدينة، التي دلت بوضوح على ازدهار تجارتها البرية والبحرية.

ـ ان تقدم صناعة الحلي، واهتمام المرأة بها بصوره خاصة، نجده واضحاً في العديد من النقوش والتماثيل الرائعة، التي اكتشفت في شتى المواقع الاثريه في سوريا كالرأس العاجيه لإحدى اميرات اوغاريت و التماثيل الحجريه المكتشفه في مدينه تدمر Palmyra وهي مزدانه بالحلي والمجوهرات.

ويتبدى هذا التقدم والتنوع في صناعه الحلي في سوريا القديمه، فيما تم اكتشافه منها في مدن: اوغاريت وايبلا وماري وتدمر ،وفي منطقه حوران و ضفاف نهر الفرات وغيرها...

 

 في مدينة اوغاريت

بلغت الحضارة ارفع مستوياتها، في هذه المدينة الواقعة على الساحل السوري، في العصرالوسيط بين عامي (1500-1200 ق.م) وفي مدينة أوغاريت، اكتشفت أقدم أبجديه في العالم، إضافة الى آلاف الرقم الفخارية، التي دونت عليها آداب ومعتقدات وأساطير الاوغاريتيين. والى هذه الحقبه التاريخية، تعود معظم المكتشفات، من الحلي المصنوعه من الذهب والفضة و الحجارة الكريمة والعاج ومنها:

ـ قلادة ذهبيه وجدت في منطقه المرفأ في أوغاريت في عام ( 1929 ) مع بدء عمليات الحفر والتنقيب الاثري وفي هذه القلادة تظهر الخطوط اللينه جدا ،ملامح الجسم والتفاصيل. وتقارن هذه الصوره بالآلهة عشتار، كما تقارن بالالهه عناة. وهي تمسك بكل يد شعاراً رمزياً عليه زهور. وهي الان في متحف حلب. وقد ظهر في أوغاريت العديد من مثل هذه القلادة.

ـ قلادة ذهبيه تشبه ثمره الاجاص، يبرز عليها الراس والصدر، و على حافتها صف من النقاط  المخرمة، وقد خذت في الصفيحة شجره للتزيين، والوجه منقوش ومصاغ بدقة وعناية  (متحف حلب).

ـ خاتم للطبع عثر عليه في أحد قبور اوغاريت، وهو يعود الى احد اتباع الملك (اميشتامرو الثاني) وقد نقش عليه تزيين سعفي وعنزة (متحف حلب).

 

في مدينة إبلا Ebla

 تقع مدينه ابلا المعروفه ايضاً باسم تل مرديخ، الى الجنوب الغربي من مدينه حلب. و كانت عاصمه لمملكه واسعة، ويعتبر العلماء ان اكتشافها في عام ( 1975 ) هو احد اهم الاكتشافات الاثرية في العالم، خلال القرن العشرين. حيث كشفت التنقيات الاثرية عن قصرها الملكي، وعن آلاف الالواح الفخاريه المكتوبه بلغه ابلا حوالي (17) الف لوح. الى جانب العديد من قطع الحلي الجميلة. التي كشفت عنها البعثة الايطالية برئاسة العالم الاثري (Paolo Matthiae) وهي تعود الى العصر السوري القديم عام (1825-1750 ق.م) ومنها:

ـ سوار من الذهب ،وجد في قبر فتاة، وهو من الحلي الرائعة .ويتألف من شريط من الذهب السميك الخالص، المطروق والمنحني والمبروم وقد اضيفت اليه كرات ذهبية (متحف حلب).

ـ قلادة ذهبيه وجدت في احد القبور، وهي تتألف من ثلاث قطع. تدل على غنى الحقبه السوريه القديمه .والنجمة والدوائر مزينه بحبيبات ذهبيه صغيره (متحف حلب).

ـ قلادة للعنق من ذهب ولازورد Lapis Lazuli وجمز- مرو بنفسجي Amethyst .وتتألف هذه القلادة التي نظمت حديثاً من (21 ) درة - كره ذهبيه- بشكل الرمانه. ودره جمزية، واسطة مستطيله الشكل، مؤلفه من حجر كبير لازوردي ،موضوع في اطار من الذهب (متحف حلب).

ـ قلادة من حجر بلوري وذهب ... تضم هذه السلسلة الذهبية زوجاً من الاقراط، مصنوعين من حجر بلوري مصقول ومخطط. وقد ثبت كل منهما على قاعده ذهبيه ذات حلقتين، لهما حبيبات ذهبيه، وقد ضم هذان القرطان، الى حلقه دائريه جمعتهما (متحف حلب).

ـ حلية ذهبية على هيئه حلق ،وهي من الذهب، يعتقد مكتشفها انها حلقه للأنف إلا ان شكلها يرجح ان تكون قرطاً للاذن صنعت هذه الحلقه من طبقه ذهبيه سميكه وزينت بحبيبات ذهبيه صغيره (متحف حلب).

 

مدينه ماري Mari

 فوق تل واسع يبعد قليلا عن نهر الفرات ، ظلت منسيه قرابة (4000 )عام. حتى بعثتها التنقيبات الاثريه الى النور، منذ عام (1932). انها مدينه (ماري) اوتل الحريري. التي كانت عاصمه لمملكه كبيره ومزدهرة. ومن اهم ما تم اكتشافه فيها هو قصرها الملكي. وهو اكبر قصر اثري تم اكتشافه في الشرق من حيث الاتساع. واكثر من (22) الف رقيم فخاري مكتوب. والعديد من قطع الحلي الرائعة التي يكفي أن نشير الى بعضها:

ـ طوق: يعود الى اواسط الالف الثالثة قبل الميلاد (3000-2500 ق.م) وهو مصنوع من حجر لازورد  Lapis Lazuli وعقيق Carndian يتالف هذا العقد المنظوم حديثاً من احجار كريمه محززة من اللازورد. وهذه الحجارة غير موجودة في سوريا وبلاد الرافدين. وهي مستوردة بالتأكيد من مكان بعيد (وادي بادخشان) في شمال افغانستان او شمال ايران. و من احجار كريمة متطاولة من العقيق الاحمر Agatered المستورد من سيناء، او من المناطق الواقعه حول البحر الاحمر. وهذا يدل على وجود محطات ،ومراكز تجاريه وسيطة سهلت انتقال هذه الحجارة الكريمة وهو الان في (متحف دمشق).

ـ تمثال نسر برأس أسد: يعود هذا التمثال الى حوالي عام (2500 ق.م) وهو من حجر اللازورد والذهب.ويعد هذا التمثال احد اثمن قطع الكنز، الذي عثر عليه في القصر الملكي بمدينه ماري (كنز أور) ويعتقد مكتشفه العالم الفرنسي (Andre Parrot) انه كان يعلق على الصدر ( متحف دمشق).

ـ عقد (1300-1200 ق.م) من ذهب و لازورد ،وعقيق بنى وعقيق احمر و حجر ازرق. وهو من اثمن ما تم العثور عليه في ماري.

 هو عقد تتناوب فيه اشكال لولبية، واقراص رقيقه ،من احجار مختلفه الالوان ( متحف حلب) ويدل اللازورد الذي كان يؤتى به من افغانستان، على مدى اتساع العلاقات التجاريه التي اقامتها الدوله الآشورية الوسطى مع الشرق

 

في منطقه حوران

 تقع حوران في جنوب سوريا. وهي منطقه غنيه جداً بآثارها التي تعود الى عصور متعددة، ولاسيما العصر الروماني. ومما وجد فيها من الحلي:

- زوج من الأقراط: وجد في (دير الحجر) يعود الى القرن الاول الميلادي. وهو من الذهب مع حجر احمر شبه كريم (البجادي الرماني Gaunefs) وان هذين القرطين، المصنوعين من صفائح الذهب، على هيئه الياقة. مزينان بالكرات الذهبية الصغيره. وعلى كل من الجبهتين الضيقتين البارزتين الى الامام. يرقد طائر صغير ،صنعت عينه من حجر البجادي الرماني (متحف دمشق)

 

 منطقه الفرات

 تمتد بمنطقه الفرات الواسعة في شرقي سوريا بميلة الى الشمال ،وهي منطقه زاخرة بالتلال و المدن الأثرية، التي تعود الى شتى العصور التاريخية. ومن اهم الحلي الاثريه التي تم العثور عليها في هذه المنطقه

- سوار ذهبي:  عثر عليه في مدينه الرقه في عام( 1939) وهو يعود الى القرن (11-12 م) وهو مكون من صفيحه ذهبيه مطروقة. وعلى قرص القفلة، خيوط ذهبيه مبرومه، وشبكات ذهبيه. اما فصوص الاحجار الكريمة فقد فقدت. وهناك قطعة مماثلة ،موجوده في الوقت الحاضر في متحف ( فرير Freer) بواشنطن. وفي داخل الصغار السوار زخرفة على هيئه حراشف. وعلى السوار كتابه بالخط الكوفي هي:

( النعمه الشامله .البركه .العظمة الدائمة. الشرف) مع وجود زخرفات نباتيه تجريديه (متحف دمشق).

 

 حلي اثرية مجهولة المصدر

 اضافه الى ما تقدم.. يوجد في متحف سوريا عدد كبير من قطع الحلي مجهولة المنشأ. ومنها على سبيل المثال مشبك للملابس يعود الى الفتره ما بين القرنين (1-2 م) كان يوضع فوق منطقه الكتف، لتثبيت الرداء الملفوف على الكتف ،على نحو فضفاض، ويوجد في الحافه السفلى لهذا المشبك، حبيبات ذهبيه صغيره، تتدلى منها ثلاث سلاسل مصفوفه، تنتهي بوريقات على شكل القلب، وهو الان في متحف دمشق. وقد وجدت مشابك اخرى أسخى زينة، وارقى عملا في مدينه تدمر. تعود الى اواخر القرن الثاني للميلاد.

 ان الحلي اجمل من كل الالوان التي نراها.  لأنها ليست من اشعه الشمس، ولا من بهاء الشفق، ولا من الزنابق، التي تضحك لمداعبات ندى الصباح.. هي فقط ميراث الأجداد والأجداد كانوا يعرفون الكثير!..