صفوت عطا الله يكتب: فض الاشتباك

صفوت عطا الله يكتب: فض الاشتباك
صفوت عطا الله يكتب: فض الاشتباك

تأتي الذكري الخامسة والأربعون لانتصار حرب أكتوبر عام 1973 ومعها تتزاحم الذكريات لتلك الأيام التي أعادت للبلاد روح مصر المفقودة والضائعة وتستعوض مرارة الهزيمة والانكسار و النكسة واستبدلت الثوب الملوث المهلهل الممزق إلى ارتداء ثوب الفخر والكرامة والعزة للأمة المصرية ولكن معظمنا يغفل عن قصد حدث مهم مر علينا أثناء الحرب وربما الكثير لا يعلم عنه شيء لعدم الاشاره إليه او تسليط الأضواء ليس الهدف هو تعكير صفو الانتصار او جلد الذات و لكنه للاستفادة منها و محاوله لفهم التاريخ الذي لن يرحم احد سواء كان في السلطة او القيادة و مهما حاول البعض التزوير او التحايل او التأويل والتكتم عن ذكرها لعلها تنفعنا وتعلمنا دروس في حياتنا في المستقبل.

 

ثغره الدفراسوار

من الساعة الثانية بعد ظهر يوم السبت الموافق السادس من اكتوبر 1973 العاشر من رمضان عام 1393 هجريه تمكنت القوات المسلحة المصرية خلال ست ساعات فقط عبور المانع المائي لقناه السويس وتحطيم تحصينات خط بارليف المنيع والحصين وسقوط النقاط القويه للعدو الاسرائيلي على طول القناة والسيطرة علي الضفه الشرقيه وتكبيده خسائر كبيره في المعدات و الافراد وافقده توازنه الاستراتيجي والمعنوي والحربي خاصه وأنهم كانوا يحتفلون بيوم كيبور اوعيد الغفران عند اليهود حيث يعتبر من أقدم الاعياد عندهم وتحت نشوة الانتصار والفرح ورغبتهم في المزيد من استرداد الارض والاندفاع نحو الشرق لم نلتفت بما يفعله العدو بمساعده الأقمار الامريكيه واكتشاف فراغ او مساحه تفصل كل من الجيش الثاني والثالث أمكن للعدو المكار التسلل واختراق ببعض المعدات وعبور البحيرات المرة ناحية الدفراسوار بقصد إرباك قواتنا بغية تطويق وحصار الجيش الثاني ناحيه القنطرة واحتلال مدينه الإسماعيلية في نفس الوقت حصن الجيش الثالث واحتلال مدينه السويس لكنه فشل عند الاسماعيليه لوجود مقاومه عنيفة ولكن تمكن من الوصول على مشارف السويس وللأسف وقعت خسائر كبيره في المعدات والأرواح المصرية ومعها اتساع رقعة العدو غرب القناة بسبب سوء التقدير و اختلاف الآراء لدى القياده العسكرية المصرية وعدم التعامل معها بجديه انقلب الانتصار الكبير الى انكسار و حصار الجيش الثالث الميداني وكذلك مدينه السويس هنا وافق السادات على وقف إطلاق النار و اصدر مجلس الأمن قرارات 338 - 339 - 340 لتنفيذ ومتابعة و بدء محادثات عند الكيلو 101 علي طريق السويس تحت إشراف الأمم المتحدة سميت فك الاشتباك او فض الاشتباك استمر لعدة شهور والشئ المؤسف لتلك الفترة كانت مخزية وتنازل الجانب المصري و بأوامر من الرئيس السادات لأجل فك الحصار عن الجيش الثالث مما أذهل مستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كسينجر و الجانب الاسرائيلي مما زاد طمعهم لفرض شروطهم ربما التاريخ سوف يكشف مستقبلا الخفايا و الغموض الذي جعل السادات يقول تلك التنازلات المهينة.

ثغره الدفراسوار 1973 و اعتصام رابعه 2013

هناك مقارنه بسيطة بين ثغره العدو التي تسمى ثغره الدفراسوار واعتصام رابعة العدوية من ناحية بدأت الثغرة تظهر صغيره قليله ولكنها سوء تقدير والتصرف وسرعه التعامل معها بجديه تحول الى كابوس مؤلم ومكلف خسائر كبيره مازلنا ندفع الثمن الباهظ من سقوط شهداء وجرحى حتى الآن و بالرغم من العملية الشاملة في سيناء أوائل 2018 لم تنتهي من القضاء على ما يسمى الإرهاب الذي بدا كالثغرة صغيره بدأت أوائل عام 1973 من ظهور بعض زملاء الدراسة القادمين من أسيوط وقد أطلقوا ذقونهم وممارسه بعض التصرفات الغريبة علينا مثل الفصل بين الطلبة والطالبات وعدم الاختلاط وأقامه الصلاة بصوره لم ندرك أنها ولادة الفكر المتطرف و بداية ظهور الجماعة الإسلامية ولعدم التصدي له وسوء التقدير وعدم التعامل معهم بجدية على انهم بؤر صديدية خبيثة انتشر وتوغل وتغلغل في جسد الوطن كله تحول مع الأيام الى أورام سرطانية دمرت خلايا الفكر والعقل والسلوك المعتدل الى التطرف والإرهاب البغيض نحتاج الى محاولات لفض الاشتباك من اختلاط الدين في السياسة والتفاسير الخاطئة المغلوطة وواضح جدا ما اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب توليه القيادة ومطالبته دائما بتعديل الخطاب الديني وفض الاشتباك للفكر المنحرف إلا انه لم يوافق حتى هذه اللحظة لعدم الرغبة الأكيدة لدى قطاع كبير في الخوض في تجربة فض الاشتباك.

 

دور الأزهر الشريف وفض الاشتباك

المؤسسة الدينية المنوط بها فض الاشتباك لبعض المسائل والأمور المعقدة والشائكة و التي تتعلق بالحياة العامة وامن الوطن واختلاط الدين بالسياسة نحتاج للرأي القاطع الحازم والسليم والواضح الصريح يقطع الطريق أمام المغرضين أصحاب الفكر المشوه ومن أبرزها مسألة الخلافة فالذي يفعله الدواعش أقامه الدولة الاسلاميه في بعض البلدان خاصة سوريا والعراق وليبيا وسيناء بينما يقطع الأزهر بتكفير البعض أمثال نجيب محفوظ و فرج فوده و ناصر ابو زيد وإسلام البحري ويرفض تكفير الدواعش يعطي انطباع اشاره لفهم مغلوط والتباس لدي البسطاء مما يزيد من تعقيد واشتباك وليس فض الاشتباك كذلك في بعض الأمور الأخرى مثل رأي الدين في مسالة الجهاد في سبيل الله وهي الوسائل والطرق التي تؤدي للجهاد بالنفس  وليس القتل والدم الذي يحدث الآن للمخالفين والمختلفين معهم في الرأي والعقيدة رأي الأزهر القاطع ناحية المرأة عموما والحكم عليها حسب شخصيتها و ملابسها و شكلها وصوتها وحقها وتصرفاتها في الحياة وعدم المساواة مع الرجل حسب قوانين حقوق الإنسان مازال مسألة الاجتهاد في التفسير فعلق إمام المستنيرين في تفسير الأمور التي لا تناسب العصر والمكان ومحاولتهم في كثير من الأحيان تصل لاستباحة دمائهم والعمل على تكميم الأفواه ليس حل وفض اشتباك مطلوب حاليا بصوره واضحة.

 مسالة أخرى وهي حريه العقيدة و رأي الأزهر في مسالة الردة ما زال هناك محاولات لفض الاشتباك لتلك التفاسير والآراء حسب مقتضيات ومتطلبات العصر و مسايرة التطور السريع في الحياة على مستوى العالم كله.

 

العالم العربي و فض الاشتباك

نظره عامه عن الوطن العربي حتى يكتشف وجود ثغرة حساسة و شائكة ومعقده تحكم الصراع في كثير من البلاد العربية سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن وهو في المقام الأول صراع بين قوتين ممثله في السعودية أهل السنة و إيران أهل الشيعة ودون مواريه أو لف ودوران مهما اختلفت المسميات والأقوال في نهاية تكبدت البلاد خسائر فادحه وانهيار البنية التحتية وسقوط الآلاف من القتلى وتشريد ملايين وتدمير الحضارة يدق إنذار خطر ما نحتاجه هو فض الاشتباك بين طرفي الصراع وكادت مصر تكتوي بنيران هذا الصراع المقيت وما حدث في مصر أثناء حكم الأخوان الفاشي عندما اعتدى آلاف من أهالي قرية ابو مسلم مركز ابو النمرس محافظه الجيزة من الهجوم بالحجارة والنيران والعصي علي منزل بحجه أقامه طقوس مذهبيه للشيعة وإجبار صاحب البيت بإخراج احدهم حسن شحاتة و أبنائه وقتلهم بوحشيه والتمثيل بالجثث وسحلهم لمده ساعتين في أنحاء القرية وهي صوره مصغره لما يحدث في البلاد العربية وبالرغم ان المهاجمين تراوحوا أكثر من 3000 شخص لم يحاكم سوى 4 فقط وصدر أحكام بالسجن 14 سنه فقط وهذا ما يفسر ما يدور الآن عند أقامه المسيحيين الصلاة في آماكن غير مرخصة ورد الفعل العنيف.

 ما أحوجنا في الوقت الحالي لمحاولة فض الاشتباك من العقلاء والحكماء والشرفاء فك الاشتباك بين أصحاب الأديان المختلفة والعقائد فإذا كان العالم المتحضر نجح الحد الكبير في التعامل مع مختلفي الدين والعقيدة على أساس القانون و فصل الدين عن السياسة فمازال في العالم العربي ثغره ومشكله ومعضلة لم ينجح فيها حتى الآن.

 

الكنيسة وفض الاشتباك

يدور حاليا محاولات لفض الاشتباك بين أصحاب العقائد المختلفة لتلافي الثغرات والاختلافات والمواقيت بين الكنائس المختلفة وتقريب وجهات النظر والرأي خاصة في المسائل المعقدة منذ انفصال الكنائس الى طوائف وجماعات ومازال هناك التوفيق بين أصحاب الآراء العلمانية خاصة في مسائل الزواج والطلاق والاشتغال في السياسة و رأي الكنيسة من جهة أخرى وان كانت متباعدة ومتسعة يجعلها في صدام دائم وظهور فئات لها ارآء متشددة ومتطرفة تحتاج لفض اشتباك حتى لا تحدث صدام وانقسام وخسائر.

 

الإنسان وفض الاشتباك

على مستوى الشخصي الإنسان نفسه يحتاج الى محاولات لفض الاشتباك و محاربه الثغرات التي تبدو صغيره ولكن مع الأيام تكبر وتتوغل وتتغلغل داخله يصعب معها القضاء عليها او التغلب و التحرر منها على سبيل المثل رغبات الإنسان المتدفقة الكبيرة وطموحه الجامح وعدم التوفيق بين تحقيق الأهداف الكثيرة و إمكانياته المحدودة يجعله يرتكب أخطاء قد تكلفه خسائر فادحه وضياع نفسه ثغرة التدين المظهري واختلاط التدين الصحيح وبين التعاقد سواء كان في المظهر أو الملبس او السلوك مما أحدث انهيار في التصرفات والأخلاق الاصيله والعادات والتقاليد الموروثة مما يعمق من الجراح والآلام فلمتعد حبات اللؤلؤ متراصة متشابكة مترابطة في حبل الحب والتآخي والتآلف فلم يعد زمن الحب الجميل انفرط العقد وتباعدت الحبات بصوره منفره ومقززه تحت تأثير التطرف و التدين الظاهري المقيت منذ اللحظة الأولى للإنسان عندما يستيقظ من نومه ويفتح عينيه على شاشات التلفاز ويشاهد الأخبار والمشاهد الدامية والجرائم والحروب فيجد التصرفات الغريبة المستهحنه في الشارع والمدرسة والمصلحة حتى المعاملات العادية و العلاقات العامة تحولت على أساس الفصل والتفرقة والتحزب بين هذا وذاك فلم يعد المكافأة على الكفاءة و الخبرة و الثقافة و العلم و الانتماء بل الى أشياء بعيده كل البعد وثغرة الفساد والانحراف اتسع في أرجاء المجتمع وقد عمق الفكر الشاذ الفاسد الفاشل وسائل الإعلام المختلفة واختلطت الأوراق والأمور فلم نعد نفرق بين الحق والباطل وبين الأبيض والأسود واحتار الإنسان مع نفسه ويحاول دائما فض الاشتباك وللأسف في معظم الأحيان يفشل في حل المشكلة بالرغم الحل بسيطة و فرض القانون دون تمييز او تفرقه.

 

السلفيون و فض الاشتباك

أمر محير وغريب لتلك الجماعة و الفصيل الذي ظهر مع ثغرة الدفراسوار الفكر السلفي وأنواعه المختلفة و تقسيم الوطن والمجتمع الى دار الإيمان و دار الكفر وتوغل وسيطر على البسطاء بالفتاوى والآراء الغريبة الشاذة وقيام الأحزاب على أساس الدين والمخالف للدستور وفرض منطقهم المعوج الخاطئ وقويت شوكتهم بصوره ملفته اثناء ثوره 25 يناير 2011 واتحادهم مع قوه الإخوان فكان الشعار المحبب سلفي أخواني يد واحده حتى تحول مجلس الشعب إلى مجلس قندهار وعندما اختلفوا على توزيع الانصبه والتهام التورته حدث الصدام وانفصال مؤقت فانحاز السلفيين إلى قوى الشعب في ثوره 30 يونيو 2013 ليس حبا للوطن بل نكاية لزملائهم الإخوان وهناك حدث امرا غريبا هو الاختفاء أو الهدوء والسكون المريب ولا نجد تفسيرا مقنعا او منطقيا لهذا الأمر ربما ثغرة تحدث دون ان ندري مثلما حدث في الماضي ربما هدوء قبل العاصفة وهم في الحقيقة أكثر خطورة وشراسة من كثيرين سؤال مهم يتردد اين هم نشاطهم اين هم بزعمائهم اين هم رموزهم اين فتاواهم الكثيرة والغريبة والصادمة للمشاعر الانسانيه لا أظن انهم تابوا ورجعوا وتصالحوا واندمجوا مع أبناء الوطن أو نبذوا أفكارهم المتطرفة انه وهم وضرب من الخيال أمرا يثير الاهتمام والتحذير والإنذار من الان حتى لا تتسع الثغرة حتى لا يصعب حلها او القضاء عليها وحتى لا نبكي على اللبن المسكوب والبكاء على الخراب والضياع لأنه لا ينفع الندم بعد العدم نحتاج ان نلفت النظر الى فض الاشتباك لتلك الفئة والفصيل وتحديد موقفها صراحة وبشفافية شديدة من محاربه جماعه الإخوان والإرهاب يجب ألا نترك الفكر السلفي يتغلغل ويتوغل وكأنه تغير العقل الاخوانيه بالعقل السلفي وأبو زيد كأنك ما غزيت.

 

الثغرة الدرس والعبرة

الآن عرفنا كيف أن الحريق يحدث من مستصغر الشرر و الكوارث والمصائب تأتى من اقل الأمور و علمنا بان ثغرة الدفراسوار كادت تقلب النصر والفرحة الى هزيمة وحزن الثغرة الصغيرة تحولت نتيجة التهاون و سوء التعامل معها الى ضياع وحصار ودمار هدد اكبر الجيوش وحصار مدن عانت كثيرا من المؤن والماء والدواء وعندما حاولت مقارنه بين ثغرة الدفراسوار وثغرة الإخوان في رابعة العدويه حتى كادت تضيع هيبة البلد فرحه الانتصار على الجماعة الارهابيه في 30 يونيو و التحرر من سطوة الإخوان ثغرات كثيرة تولد صغيره و مع الإهمال وعدم التصدي لها تتحول الى غول وشيطان هدفه الخراب والدمار والموت واخطر أنواع الثغرات هو تغيير عقل وفكر الإنسان العادي المعتدل المسالم إلى عدواني وإرهابي وقاتل.

ما أحوجنا الآن أن نحاول ونسعى بكل جهد إلى فض الاشتباك و الفصل بين القوات ووقف إطلاق النيران والتعامل معها بكل حسم وحزم وقوه للقضاء على اي بؤر تحدث هنا او هناك قبل استفحالها وتغلغلها سواء على مستوى الإنسان او المجتمع او الوطن.