فرانسوا باسيلي يكتب: من يخاف من ضحكة المرأة؟

فرانسوا باسيلي يكتب: من يخاف من ضحكة المرأة؟
فرانسوا باسيلي يكتب: من يخاف من ضحكة المرأة؟

 

لو سمعت ضحكة إمرأة قد يتلبسك الشيطان فيخرجك عن وقارك ويوقعك في الحبائل الأنثوية الجهنمية. 

 

منذ الثمانينات وتأثير الإخوان علي المجتمع المصري يتصاعد ويظهر في سلوك المصريين والمصريات، ومن ذلك ترديد أكثر الأفكار والمقولات رجعية وبدائية، مثل أن صوت المرأة عورة، وضحكتها رجزٌ من الشيطان الرجيم، وراحوا يطلبون من المرأة ألا تضحك لكي لا يقع صوتها في أذن رجل فيفقد صوابه وتتملكه شهوته وغريزته الجنسية، وإذا بنا نري إحتفالات واجتماعات تجلس فيها المرأة المصرية صامتة، ثم تخفي وجهها وفمها وهي تمنع نفسها من الضحك علي نكتة أو تعليق مصري ساخر حتي لا يستمع أحد لصوتها الشيطاني المثير لكل الغرائز الشهوانية.

 

منذ الثمانينات سيطر الفكر الإخواني الرجعي علي قطاعات واسعة من المسلمين في مصر، رجالاً ونساء علي السواء، وبدأت السلوكيات الدينية المظهرية المتشددة تنتشر بدعوي التقوي والورع والفضيلة المكتشفة حديثاً، وكأن مصر لم تعرف الإسلام منذ ألف وأربعمئة سنة، فجاء الإخوان لإدخال الإسلام إلي مصر، ومن بين الأفكار والسلوكيات البدائية التي نشروها كان معاداتهم للفنون وخاصة الغناء، وراح أحد دعاتهم يتهكم في خطبه علي كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، ويقول كيف لسيدة في الستينات من العمر تتحدث عن الحب، وقبل الإخوان كانت جموع المصريين، بما فيهم الرجال الصعايدة، تحمل لسيدة الغناء كل التقدير والإحترام.

 

 ثم راح الإخوان يدخلون إلي لغة المصريين اليومية عبارات دينية متشددة، حتي في التعبيرات اليومية الروتينية في بداية ونهاية مكالمة هاتفية، وعبارات التحية عند دخول البيت والخروج منه، بل وفي دخول المرحاض - المليء بالشياطين - والخروج منه، وانهالت الفتاوي علي رؤوس الناس الأبرياء تحول حياتهم إلي جحيم من التشكك والحيرة حول الحلال والحرام، وانشغل المصريون بهذا عن كل شيء آخر، فأصبحت أعمالهم وأفكارهم وقضاياهم وعلاقاتهم الزوجية والإجتماعية والسياسية تخضع كلها لما يتفتق إنه ذهن الدعاة من تحريم أو تحليل، وصار المناخ المصري كله مناخاً دينياً منغلقاً حد الإختناق والهواء الفاسد، مخلاً بكل ما هو طبيعي وعقلاني حد الدروشة والخبل والتخريف.

 

المرأة وأحوالها وصوتها وشعرها ووجهها ويديها وزيها هي الشغل الشاغل للفكر الإخواني رغم تظاهره بأنه فكر التقوي والورع، وعندما منحهم المصريون فرصة الحكم مخدوعين في دعاوي تدينهم وتقواهم سمعنا أحد مندوبيهم في مجلس الشعب المصري يقول في التلفزيون وما المانع أن تتزوج البنت المصرية في سن الثالثة عشر مادام لم يحرم الله ذلك بنص صريح؟ وجاءت السلفية الوهابية - وهي التطبيق البدوي لنفس الانغلاق الديني المعادي للعصر - إلي مصر لتزيد من الرجعية الإخوانية وتتفوق عليها تزمتاً ورجعية في كل شيء، فقالوا بوجوب هدم الآثار المصرية لأنها أصنام (!)، وأدخلوا النقاب إلي مصر إستزادة من الفضيلة المتخيلة في أذهانهم المرهقة المراهقة المجذوبة جنسياً الملتهبة شهوانياً طول الوقت.

 

أما علاقاتهم بشركاء الوطن من غير المسلمين، بل من غير السنة، فقد كانت علاقة عداوة وعدوانية وكراهية وتربص وعنف واضطهاد وخلل خطير، فقد قال بعض دعاتهم بعدم جواز تهنئة الأقباط بأعيادهم أو حتي إلقاء التحية عليهم، وهكذا إنقسم الوطن إلي قسمين منفصلين يتوجس كل منهما من الآخر، ووجد الأقباط أن شركاء الوطن قد غيروا فجأة من ملابسهم وكلامهم وتحياتهم ورؤيتهم للحياة والوطن وخطابهم الديني وراح الدعاة القدامي والجدد يلعنون المسيحيين واليهود علناً في عظاتهم المذاعة بمكبرات الصوت في كل حارة وشارع في مصر.

 

كل هذه كانت خطايا هائلة وجرائم كبيرة في حق الوطن وشركاء الوطن ارتكبها الإخوان ثم السلفيين معهم ومن بعدهم طوال ما يقرب من نصف قرن في مصر.

 

ولكن بجانب أن جماعة الإخوان هي منظمة سرية لا يعرف بعضها بعضاً وبالتالي لا يصح أن يسمح لها أي نظام بالتواجد، فأن الجرم الأساسي لجماعة الإخوان هي أنها كانت دائماً تريد أن تغير من هوية مصر الأساسية، فمصر كانت علي مدي تاريخها الطويل مجتمعاً متديناً في إعتدال وقبول مدهش للآخر، بينما كانت الدولة دائماً مدنية، لها صفات الدولة القوية التي تحكم بالقانون وليس بالنص المقدس، وكان جيشها دائماً يضم المصريين بكافة دياناتهم، وكان المصري البسيط إنساناً متقبلاً للأنسان الآخر، حتي الأجنبي غير المصري، بغض النظر عن دينه، بدرجة لم تعرفها أوروبا نفسها، التي قامت باضطهاد اليهود بشكل بشع بناء علي تهمة صلبهم للمسيح، ثم قام الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت بعد الإنشقاق البروستانتي، وحدثت حروب أهلية ودولية طويلة بسبب الخلافات المذهبية.

 

أما مصر القديمة والحديثة علي السواء فكانت الدولة فيها أقرب ما تكون للدولة المدنية وليس الدينية، حتي لو إستخدم أحد الولاة الدين كمطية لتحقيق اغراض سياسية، فكانت طبيعة الدولة مدنية وكان لغير المسلمين من المسيحيين واليهود أمكنة ووظائف عليا في الدولة وفي السياسة، حتي لو منعوا من بعض المناصب العليا، وظل المجتمع المصري متديناً تديناً فطرياً غير منغلق ولا متشدد، وأكبر دليل هو ذلك القول المنفتح المدهش الذي كنت تسمعه في الشارع من أفواه الحواه وعارضي السيرك والباعة، وهو قولهم "موسي نبي، عيسي نبي، ومحمد نبي، وكل من له نبي يصلي عليه"، وكانت الجموع تلتف حول هذا النداء بلا إعتراض من أحد، لن تجد مثل هذا القول في أووربا الكاثوليكية في العصور الوسطي، ولا في آسيا ولا أي مكان آخر إذ كان الإضطهاد الديني هو سمة هذه العصور في مجتمعات العالم كله، واليهود الذين كانوا منبوذين في أووربا كانوا يملكون الشركات في مصر في القرنين الأخيرين حتي حدثت مأساة فلسطين فتغير الوضع، ليس لأن طبيعة المصري تغيرت، ولكن لأن السياسة العالمية تسببت في إضطهاد شعب كامل هو الشعب الفلسطيني لكي تغسل أوروبا يديها من خطيئة الاضهاد الديني الذي مارسته ضد اليهود. 

 

الخطير في هذا هو أن الاخوان أرادوا تغيير هوية مصر وطبيعة المصريين ليصبحوا أكثر تشدداً وتزمتاً ودروشة دينية، وفعلاً أصابوا قدراً كبيراً من النجاح في هذا للأسف بنجاحهم في بيع فكرة حجاب المرأة بادعاء أنه الزي الشرعي لأغلبية المسلمين المصريين، في تخاذل مهين من قبل الدولة المصرية في عهد مبارك، فلم يكن الحجاب قد دخل مصر حتي إغتيال السادات. 

 

جريمة الإخوان الأساسية إذن هي محاولتهم تغيير الطبيعة المصرية الجميلة المحبة للآخر وللحياة وللمرح والضحك والفنون إلي طبيعة أخري متجهمة - هل تذكر كيف كانوا يحرمون علي المرأة الضحك؟ - وقد خدع بهم المصريون بعض الوقت ثم اكتشفوا بطبيعة المصري الذكية السليمة مدي خواء وخيبة الفكر الاخواني ومدي إبتعاد سلوكهم عن التقوي المزعومة، فهب المصريون ضد مرسي وجماعته في 30 يونية في موجة ثانية لثورة 25 يناير التاريخية الهائلة، تصحيحاً لمسارها الذي أراد الإخوان سرقته، وأطاحوا بمرسي وعصابته السرية، بتأييد من الجيش الذي ما كان سيمكنه الإطاحة بمرسي بدون الخروج الشعبي الهائل.

 

ولأن لشعب مصر تاريخاً عريقاً من الوعي الحضاري والفطنة الفطرية أدرك بسرعة مدهشة خطر الإخوان بعد سنة واحدة من حكمهم البائس، لأنهم كانوا يريدون تغيير هوية مصر التاريخية وطبيعة المصريين الأصيلة الأصلية، وهو ما لا تغفره مصر ولا يغفره المصريون لأحد.