محيي الدين إبراهيم يكتب: يوميات عقل مُجهد

محيي الدين إبراهيم يكتب: يوميات عقل مُجهد
محيي الدين إبراهيم يكتب: يوميات عقل مُجهد

عربية البسبوسة

اضطرته الظروف والفقر المذل أن يخرج لأول مرة بعربة بسبوسة ليبيعها للناس في الشارع بحي الجمالية، لم يكن في بيته ( درهم ) واحد ليفي به حاجة تسعة ( عيال ) وأمهم .. لكنه في ذات الوقت لم يكن يعلم أن السلطان خليل بن قلاوون قد قتل القائد الشجاعي قائد حاشية الأمير طرنطاي، وجعل الجنود يطوفون برأسه المقطوعة والمعلقة على سن رمح أحد الجند بشوارع مصر المحروسة كلها !!

الجمالية حالياً في حالة فوضى .. ترقب .. شبه كساد .. أما هو فأختار لعربته زاوية بالقرب من "درب النحاسين" ليبيع البسبوسة ولا شأن له بالسياسة التي قتلت الشجاعي!!

وقف ( نقاش صواني) أمام العربة يملأ صحناً من البسبوسة بالزبد وهو يقول: كيف لا تعلم ذلك وقد كان الناس لثلاثة أيام كاملة يعطون لحاملي الرمح المعلقة فيه رأس الشجاعي أموالاً مقابل أن يدخلوا بالرأس إلى بيوتهم ليركلوها بإقدامهم مقابل درهمين للركلة!!

قال عربجي ( صاحب عربة يجرها بغل ) وهو يلعق أصابعه من أثر الزبدة: لقد أصرت زوجتي أن تجعل الجنود يدخلون بالرأس إلى منزلنا وأخذت هي وجاراتها يصفعون الرأس بالقباقيب والنعال حتى أغشي على أبنتي، لقد كلفتني تلك الصفعات ( مائة درهم ) أخذها الجنود مقابل السماح بصفع زوجتي لرأس الشجاعي .. كررها بأسى: مائة درهم ( ولاد الكلب ) !!

قال اسكافي ( صانع أحذية ) وهو يملأ صحنه الثالث: حامد ( بك ) أجبر عبيده وصبيانه أن يبولوا علي رأس الشجاعي .. حدد الجند البولة بعشرة دراهم .. أما أنت فتقف هنا لتبيع البسبوسة وربما لن تجني أكثر من عشرين درهما بينما إجمالي ما تبول به العبيد والعيال على رأس الشجاعي خمسة عشرة ألف درهم!!.

قال العربجي: خمسة عشرة ألف درهم ( ولاد الكلب ) !!.

جاء جندي مملوكي أمام عربة البسبوسة، نظر لها بنهم، ونظر للمحيطين بها بكل غضب ففروا وانفضوا من حول العربة حتى أن بعضهم لم يدفع ثمن ما أكله من شدة الخوف، مد الجندي يده في الصينية واغترف قطعه كبيرة من البسبوسة ألقى بها في فمه وهو يقول: هل تعلم لماذا قبض السلطان خليل بن قلاوون على القائد الشجاعي، كما قبض على نسائه وسراريه، وأحضر لهم المعاصير( حبال ضخمة يلفوها حول جسد الضحية ويعصروه بها عصراً حتى تنفجر الدماء من جسده )، وعصرهم بها عصراً حتى فارت الدماء من آذانهم، بل وقتل الشجاعي نفسه؟؟ .. ( أغترف غرفة ثانية من البسبوسة أعظم من سابقتها ) وهو يقول: الشجاعي كان لصاً .. ( كررها ): لصاً .. سرق أموال الدولة .. واشترى بها ذخائر لينقلب على حكم السلطنة .. أي لص يسرق .. سيحدث له ما حدث للشجاعي .. خاصة أموال الدولة .. مرة أخرى يمد يده في صحن الزبدة ثم في صينية البسبوسة ويغترف قطعة ثالثة عظيمة وهو يسأل: هل دفعت مكوس ( أي ضرائب ) لكي تقف في الشارع تبيع البسبوسة هكذا؟ .. هل التزمت بشروط شاه بندر تجار الجمالية في دفع ألف ( درهم ) كل أسبوع حتى تقف وتبيع بضاعتك كما تبيعها الآن ؟ .. مسح يده في سرواله من أثر البسبوسة والزبدة ثم أشهر رمحه متأهباً لقتال وقال مهدداً: أم أنك أكلت مال السلطنة بالباطل أيها اللص كما أكلها الشجاعي ؟؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ