فرانسوا باسيلي يكتب: التحرر من المرجعية الدينية شرط النهضة

فرانسوا باسيلي يكتب: التحرر من المرجعية الدينية شرط النهضة
فرانسوا باسيلي يكتب: التحرر من المرجعية الدينية شرط النهضة

كثيراً ما يتوهم البعض خاصة في المجتمعات الشرقية الدينية، أن الموبقات المجتمعية مثل الفساد والرشوة والمحسوبية والكذب والنفاق وغيرها ترجع لأنحطاط الأخلاق، وبالتالي يظنون أن العلاج هو المزيد من الوعظ الديني والتبكيت الأخلاقي والترهيب الإلهي، فيزيدون من الجرعات الدينية للمجتمع، ويزداد الإقبال علي المساجد والكنائس ويزداد التشدد الديني والتمسك بالمسالك والعبادات ثم الغلو والتعصب والتطرف، ليكتشفوا في النهاية أن الفساد والكذب والنفاق وبقية الموبقات والتشوهات الانسانية الفردية والجماعية قد ازدادت بدلاً من أن تنقص، وهو ما تجده في مصر حين تقارن بين المجتمع المصري في الخمسينات والستينات حين غابت عنه الدروشة الدينية، وبينه منذ منتصف السبعينات وإلي اليوم حيث تصاعدت ثم تسيدت وسيطرت الدروشة الدينية أو الجرعة الدينية الزائدة.

وربما أبسط مثال للدلالة هنا هو أن يتعاطي إنسان جرعات زائدة من دواء فبدلاً من أن يشفي نجده يصاب بتسمم أو جلطة يموت بها موتاً سريعاً أو موتاً سريرياً بطيئاً.

الإنسان علي الأرض كائن يحمل صفات فسيولوجية واحدة رغم إختلاف الثقافات والحضارات واللغات والمعتقدات، ولذلك يمكن لأي إنسان أن يعالج صحياً في مستشفي في أي بلد آخر دون حاجة الأطباء إلي تغيير أساليب علاجهم، لن الجسد واحد، وما يجعل مجتمعاً أفضل من غيره، حضارياً وسلوكياً ومادياً وروحياً، ليس سببه أن الإنسان فيه كان أرقي أخلاقياً منذ البدء، ولكن أن طرقاً وأساليب معينة تطورت وطبقت في هذا المجتمع أدت إلي مستوي أجدي وأنفع من السلوكيات الاجتماعية الحضارية.

إذا نظرت إلي تطور الحضارة الحديثة ستجد أن أساسها هو عصر النهضة وحركات التنوير في أوروبا وخاصة فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا، وهو العصر الذي بدأت فيه النخبة المثقفة في التحرر من السيطرة الدينية التي كانت ضد العلم والتحرر العقلي خوفاً من مناقشة ألدين نفسه، ومع تحرر العقل البشري من المرجعية الدينية التي تحرم التفكير خارج التسليم الموروث، ولجوئه إلي مرجعية إنسانية يصنعها هو بنفسه، إستطاع أن يعتمد المعرفة العلمية أساساً للبناء الإنساني والإجتماعي، دون خضوع قسري لأي موروث أخر ديني أو ثقافي، مع عدم حرمان النفس والمجتمع من الاستفادة من أي موروث يظل مفيداً، دون إضفاء أي نوع من القداسة عليه حتي لا تصبح القداسة حاجزاً مانعاً لحرية التفكري والإبداع.

بمجرد أن تحرر العقل الاوروبي من سلاسل التسلط الكهنوتي راح يجوس في أرجاء الكون الخارجي للطبيعة والداخلي للجسد والنفس البشرية، وراح يكتشف قوانين الطبيعة في الحالتين، وعليها وضع أساسيات أجدي وافضل للتصرف في جميع المجالات، من التربية والتعليم في الطفولة، إلي سلوكيات العدالة وضبط علاقتها بالحقوق والحريات، إلي المفاهيم الاقتصادية بمختلف ألوانها، إلي النظم السياسية، وأساليب الإدارة الحديثة، وبالطبع حرية الفكر والإبداع والتعبير، وفنون الإعلام والصحافة والتسويق، وغيرها المئات من مجالات الأنشطة الانسانية. 

لا يعني هذا إجبار أي انسان علي التخلي عن معتقداته الدينية، ولكن كانت النقلة النوعية في منع التسلط الديني علي الحياة السياسية أو الاجتماعية أو أي حياة أخري عامة، مع ضمان حرية المعتقد أو اللامعتقد للجميع، دون إنحياز من الدولة لأي دين، أو ضد أي دين. 

كان التحرر من السيطرة الدينية هو السبب الأساس في النهضة الأوروبية الحديثة، التي كانت بدورها الأساس في نهضة كل المجتعات العصرية الأخري التي اقتادت بها وتقتدي بها حتي اليوم.

بدون إستيعاب هذه الحقيقة التاريخية وتمثلها في مصر والشرق العربي بشكل هاديء علمي غير متشنج يكون الحديث عن أي تقدم هو مضيعة للوقت والجهد، وجريمة في حق الأجيال القادمة. 

 

عبد المنعم أبو الفتوح والأحزاب الدينية 

في المقابلة الأخيرة له مع الجزيرة في لندن والتي قبض عليه بعد رجوعه منها إلي مصر بعد اتهامه بالتواصل والتآمر هناك مع الإخوان، قال عبد المنعم أبو الفتوح في اللقاء في رده علي سؤال أن حزب مصر القوية حزب مشروع وليس ضد الدستور لأنه ليس حزبا دينياً ولكنه حزب "مرجعيته إسلامية"، وقال أن هذا ليس غريباً لأنه إذا كان من حق المواطنين عمل حزب بمرجعية ماركسية، فكيف لا يكون من حقهم عمل حزب بمرجعية إسلامية؟ 

هذا التبرير كان الإخوان يقدمونه دائماً لتبرير وجود حزبهم الحرية العدالة، وهو نفسه يقدمه السلفيون لتبرير وجود حزب النور، ولكن السؤال من السهل الإجابة عليه، فسبب منع الأحزاب الدينية والاحزاب ذات المرجعية الدينية في كل الدول الديمقراطية هي أن الأديان تختلف كلياً عن المعتقدات السياسية أو الإقتصادية في أن الإنسان يولد علي دين والديه ويرضع منهم حب هذا ألدين الذي يرتبط ليس فقط بوجوده علي الأرض ولكن أيضاً بحياته بعد الموت، أي هي عقيدة بالغة التأثير والقوة بشكل يجعل الغالبية الساحقة من البشر غير قادرة ليس فقط علي التحرر من تأثيرها بل حتي علي مجرد التفكير في افكارها، بل أن معظم الأديان تعاقب من ينكر صحتها وبالتالي تمنع التفكير فيها تماما، إذن لا يمكن مقارنتها بالمرجعيات السياسية أو الإقتصادية كالماركسية والرأسمالية والإشتراكية.

 وأعتقد أن أبو الفتوح وغيره في الإسلام السياسي يعرفون هذا الفرق لكنهم يتحايلون ويتجاهلونه، وللأسف قامت الجهات المختصة  في مصر بقبول هذا التحايل علي الدستور بالسماح لهذه الأحزاب الدينية بالتواجد.

 

رداً علي لميس جابر

د. لميس جابر تقول أن 56 ليست إنتصاراً لمصر، بينما حتي الإنجليز يعترفون بأنها كانت هزيمة لهم مرض بعدها رئيس الوزراء البريطاني إيدن ثم اضطروه إلي الإستقالة.  الحكاية ليست خناقة عسكرية، ولكن تحقيق أهداف سياسية، ولهذا هي إنتصار كبير لمصر علي المؤامرة الخايبة الإنجليزية الفرنسية الإسرائيلية، عيب يا استاذة لميس أن تكون رؤيتك بهذه السذاجة، وأن تكوني أكثر دفاعاً عن المتآمرين من أنفسهم.

للأسف مازال البعض ينظر بمنظار عسكري بحت لأي صراع، كانت فترة 56 فترة صراع بين مصر الصاعدة وبين القوي التي كانت تحتل مصر وبقية الشرق العربي وهي إنجلترا وفرنسا، وانضمت لهم إسرائيل، المعركة العسكرية ليست سوي صورة واحدة من صور الصراع الأوسع، بين إرادة التحرر وبين قوي الإستعمار، نعم له لغة لم تعد مستعملة ولكنها كانت لغة تلك الفترة عن إستحقاق حتي أدت دورها وحققت هدفها وهو طرد المستعمر، الهزيمة لحقت بالمتآمرين الثلاثة بلا شك، فقد إنسكشفت مؤامرتهم وكانوا يريدونها أن تبقي سرية، ثانيا لم يحققوا أياً من اهدافهم وهي إسقاط ناصر ثم العودة لاحتلال مصر أو علي الأقل السيطرة علي قناة السويس، لعبت مصر دورها بحنكة سياسية باهرة، فقامت أولاً بفضح حقيقة العدوان الثلاثي علي أنه مؤامرة، مما جعل إنجلترا وفرنسا في موقع الدولة الصغيرة التي تحتاج للتآمر سراً مع وصيت هو إسرائيل بدلا من التصرف كقوة عظمي تفعل ما تريد في العلن، وبالفعل كانت هذه الحماقة هي نهاية الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية. 

نعم كان هناك دور أمريكي، ودور روسي، وهذا طبيعي، ولكن لم تقف مصر موقف المتفرج، بل نجحت في تضخيم دور المقاومة الشعبية في بورسعيد، وهذا من حقها أمام عدو يعتدي عليها، كما قامت مصر بالتواصل الحميم مع بقية دول عدم الإنحياز وكانت مصر قد أصبحت إحدي قياداته في العالم كله بعد ثلاث سنوات فقط من الثورة.

كنت أشاهد مسلسل بريطاني بديع جداً هو "فيكتوريا" عن حياة ملكة إنجلترا، وفي حلقة منذ اسابيع عرضوا قصة تأميم القناة ثم المؤامرة الثلاثية ودور ايدن فيها، وأوضحوا كيف أنها كانت معركة خاسرة، وكيف أن نتائجها السياسية كانت وبالا وخيبة وهزيمة نكراء لبريطانيا وفرنسا علي الأخص كدول عظمي. 

فمن فضلك يا من لا تريد أن تمنح مصر إنجاز الانتصار في معركة السويس إذهب إلي أدبيات المعتدين أنفسهم لتعرف أنهم أقل منك تعصباً وأقرب منك إلي الحقيقة.