مؤمن توفيق يكتب عن: الطيب صالح عبقري الرواية العربية

مؤمن توفيق يكتب عن: الطيب صالح عبقري الرواية العربية
مؤمن توفيق يكتب عن: الطيب صالح عبقري الرواية العربية

عاد مصطفى سعيد محملاً بالحنين بعد رحلة طويلة اغترب خلالها صاحبه؛الطيب صالح، ليعود عبقري الرواية العربية في النهاية طامحاً في الاستقرار والسكينة، فتستقبله مقابر البكري بأم درمان ويطمئن لها المهاجر المتعب.

رحل أسطورة الأدب العربي تاركاً خلفه ثلاث روايات ومجموعة قصصيّة واحدة، وإرث لم يطفئ ظمأ عشاق أسلوبه السردي الماتع.

ابن القرية الساكنة (كرمكول) بإقليم مروى، شمالي السودان، القابعة في وجدانه بقدر رسوخها على ضفة النهر الخالد، برغم سنوات عمره الثمانين التي تغري بإرث كبير، إلا أنه اختصر كنزه الأدبي في درته الخالدة «موسم الهجرة إلى الشمال» التي كتبها في مهجره، بين عامي 1962 و1966، فأبدع التصوير والنقل من الواقع الحياتي بكل مشتملاته، ما جعل القارئ يتشارك الهموم مع أبطال روايته ويحيا سطورها، فيفرح مع عرس الزين، ويتألم لوفاة الحبيبة مريم، ويرثى مع المجنون السعيد لحال عشيقته جين موريس؛ ليبقى السؤال المتردد دائماً عن سر ذلك اللغز المحير الذي ارتبط كثيراً بحياة مؤلفه، وظل يطارده بحثاً عن الرابط والصلة بينه وبين أبطال روايته، إلى أن اعترف الكاتب ذات مرة أن ثمة شيء من الحقيقة نستطيع إقحامه عالم الرواية، مثل جين موريس الشخصية الحقيقية التي قابلها بلندن في مقتبل حياته، واختفت بعد تعارف لم يدم طويلاً، بينما خلدها المبدع العالمي في ذاكرة الأدب العالمي، فأصابت من الشهرة مالم تصبه أعمال عدة قام الطيب صالح بترجمتها ولم تحظى بالانتشار المناسب، تماماً كما كان واقع الحال في وطنه الذي عشق ترابه وتبادل الكره مع سلطته فبادلته كرهاً بكره أثناء حياته، وأحبته بعد مماته، وكأنه قدراً على المبدعين العرب أن ينالهم التكريم بعد وفاتهم لا أن ينالوه أثناء حياتهم. ولربما ساهمت هجرة الطيب صالح وعمله المتنوع بين الإذاعات البريطانية، ومنظمة اليونيسكو في باريس ووزارة الإعلام القطرية، في اكتسابه المهارة العالمية بحكم الترحال المستمر بين الشرق والغرب، فظهر نبوغه وتفوقه واضحاً من خلال المزج الحضاري البديع الذي عبر من الحلم والخيال فجعل من الفولكلور السوداني أدباً عالمياً، قدمه الراحل بصورة ورؤية فنية جديدة غير مسبوقة. عبر أسلوب مختلف آخاذ حلق بأعماله محلياً ودولياً، وفرض أدبه الساحر دون أدنى شعور للقارئ بالرتابة أو الملل.