الروح والنفس والجسد بقلم : ماهر اللطيف

الروح والنفس والجسد بقلم : ماهر اللطيف
الروح والنفس والجسد بقلم : ماهر اللطيف
 
 
نتحدث عن " الروح" و "النفس" و "الجسد" ونخلط بينها أحيانا عن قصد أو عن غير قصد، ونتجنب الخوض فيها باعتبارها من "الغيبيات" و"الأمور التي لا تخص المخلوق" مما جعلنا لا نفرق بينها وخاصة فيما يتعلق بالمصطلحين الأولين وننسى الحديث النبوي " لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله "، لذلك سنحاول هنا البحث في هذا الموضوع وفق المستطاع والمتوفر لنا على أكثر من صعيد وميدان  عسانا نخرج بشيء ولو قليل يفيدنا ويرشدنا  إلى صواب السبيل.
فما الروح والنفس والجسد لغويا ودينيا وفلسفيا واصطلاحا؟ ما الفرق بين الروح والنفس؟  واين تذهب الروح بعد موت صاحبها؟
لكن، وقبل الغوص في مجمل هذه الاشكاليات ومحاولة فك طلاسمها، علينا بدءا  فصل المادي ( الجسد) عن غير المادي ( الروح والنفس) ليسهل التعامل مع الجنسين ، فالبحث في المصطلحات المفاتيح التي سنعتمد عليها في هذا العرض، وأولها "الروح" و "النفس" و " الجسد" ،فما تعريفنا لها على أكثر من صعيد وخاصة منها الروح بما انها محور حديثنا؟
ف"الروح"  هي مصدر من فعل "راح" يروح روحا و روح  وهو يفيد " ما به الحياة" (المعجم الوسيط) ونسيم الهواء ونسيم كل شيء وهي مؤنثة وفي التنزيل "كمثل ريح فيها صر أصابت..." ( لسان العرب)، وهي ما به الحياة والأنفس (المعجم القاموس المحيط).
أما دينيا ، ف "الروح"  وردت في القرآن على عدة أوجه  : القرآن كقوله تعالى " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم" (الشورى 52) ، و الوحي حين قال " رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح" (غافر 15)، و جبريل في قوله "فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليهم روحنا فتمثل لها بشرا سويا" (مريم 17) و ""نزل به الروح الأمين" (الشعراء 193) ، و القوة والثبات والنصرة التي يؤيد الله بها من يشاء من عباده المؤمنين كما قال تعالى " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولائك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه" (المجادلة 22) ، والمسيح بن مريم  لما قال " يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله " ( النساء 171) ، وحياة الإنسان في قوله " ويسألونك عن الروح قل الروح منم أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" (الإسراء 85)، فهي الجزء الذي به تحصل الحياة والتحرك واستجلاب المنافع واستدفاع المضار (مفردات ألفاظ القرآن للراغب ص 369) وهو المعنى المقصود هنا في هذا المقال.
فلسفيا ، فكلمة الروح يختلف الفلاسفة في تحديد تعريف موحد  أو ماهية لها  ، لكن أجمع الكثيرون على أنها ذات قائمة بنفسها ذات طبيعة معنوية غير محسوسة  أو ملموسة ، وعلى الرغم من هذا الإجماع بقي الأمر محل شك ، أما البعض الإخر فإنه يعتبر الروح مادة " أثيرية أساسية" وهي من الخصائص المعجزة الفريدة في جميع الكائنات الحية.
فقد اعتبر أفلاطون الروح "الأساس لكينونة الإنسان " وهي المحرك الأساي له حيث رآها تتكون من ثلاثة أجزاء هي النفس والعقل والرغبة ، واعتقد أن النفس النفس هي المتطلبات الشعورية أو العاطفية ، أما الرغبة فهي متطلبات الجسد وضرب مثال العربة التي يقودها حصانان لتوضيح هذا المقصد ، فالذي يحرك الحصانين من وجهة نظره هما قوتا النفس والرغبة ووظيفة العقل هنا هي حفظ التوازن للعربة.
أما أرسطو فقد اعتبر الروح محور الوجود الأساسي ، لكنه لم يعتبرها مستقلة عن الجسد أو أنها شيء غير ملموس حيث اعتبرها مرادفة للكينونة ولكنه لم يعتبرها كينونة مستقلة تسكن الجسد ، وعلى هذا الأساس فقد أنكر أرسطو خلود الروح.
فيما رأى ريني ديكارت أن الروح تقع في منطقة محددة في الدماغ ،  وقال ايمانويل كانت أن محاولات الإنسان لمعرفة ماهية الروح وفهمها ينطلق من محاولة  عقله الوصول لنظرة شاملة حول طريقة التفكير ، أي إن العقل الذي يحاول الوصول إلى تفسير على أسس علمية سيواجه العديد من التساؤلات حول الأمور غير الملموسة والمجهولة.
أما اصطلاح ، فالروح كما قال القرطبي " جسم لطيف ، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم ، وحقيقته إضافة خلق إلى خالق ، فالروح خلق من خلقه أضافه إلى نفسه تشريفا و تكريما "
و "النفس" لغويا تعني كما قال ابن منظور "النفس في كلام العرب على ضربين أحدهما قولك خرجت نفس فلان أي روحه  وفي نفس فلان أن يفعل كذا أي في روعه ، والآخر جملة الشيء وحقيقته كقولك قتل فلان نفسه وأهلك نفسه أي أوقع الهلاك بذاته كلها.
أما دينيا ، فتأتي النفس بمعنى الروح " الله يتوفى الأنفس حين موتها" و والعقل "تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " ،و قوى الخير والشر في الذات الإنسانية " إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي " (يوسف53) و " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد11)....
فلسفيا ، فالنفس "صورة الجسم وكماله" ، فهي كما يقول أفلاطون مبدأ  حركة البدن ، وبالفعل تحركه مثلما تحرك النفوس السماوية أجرام الفلك ، فيظهر بذلك أن النفس مشتركة بين النبات والحيوان والإنسان والملائكة ، إلا أنها في النبات والحيوان كمال الجسم الطبيعي ، أما في الإنسان والملائكة فهي الجوهر المحرك اللامتناهي.
فيما تعني كلمة "النفس" اصطلاحا "الجوهر المتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصريف أو الجسم النوراني الخفيف الحي المتحرك النافذ في الأعضاء ، الساري فيها سريان ماء الورد في الورد.
اما مصطلح " جسد"  فهو اسم من فعل جسد جمعه أجساد ويعني الجسم "فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار" وهو مصطلح أكثر ما يستعمل لجسم الإنسان(معجم المعاني الجامع)
دينيا ، فالجسد له عدة تعريفات ومفاهيم وردت في القرآن والسنة وغيرهما ومنها مثلا  الخلو من الروح عن البدن كقوله تعالى " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" ، و التناسق والجمال الوجودي وتنقيته من الدنس والظلم العظيم فكانت مجمل ما تنزلت به آيات القرآن تنقية الجسد وروحه من دنس الشرك .
 فلسفيا فقد عرفت تصورات الإنسان للجسد تغيرات عبر التاريخ ، فقد صوره أفلاطون على أنه "جسد محتقر" فالجسد عنده يمثل ثقلا وعائقا على الإنسان ومكبلا لنفسه من أن تنطلق بحرية ويحرمها من صيد الحقيقة وبلوغ الكمال ، وهي ممحاورة كتبها أفلاطون على لسان أستاذه سقراط جاءت لتحكي لنا أخطر لحظة في تاريخ الفلسفة المتمثلة في آخر حوارات سقراط مع مريديه وهي تبدأ مع الحكم على سقراط بالموت ولم تظهر عليه علامات الخوف. ... 
اصطلاحا ، فالجسد يعني هذا البدن الذي يحمل في طياته الروح والنفس وبقية مكونات الإنسان المختلفة التي تجعل منه كيانا كاملا ومتكاملا وفق ما ابتدعه الواحد الأحد.
فما الفرق إذن بين الروح والنفس؟
فالروح من المخلوقات العظيمة التي  خلقها الله سبحانه وتعالى ، وقد كرمها الله  وأثنى عليها في القرآن الكريم في  عدة مواضع ، أما النفس فغالبا ما اتصلت بالدن أو الجسد. كما بينا في التعريف ، وبالتالي فإن مفهوم الروح أكبر وأشمل من النفس ، والروح تخلد فيما تفنى النفس مع الجسد.. فأين تذهب الروح بعد موت صاحبها أخيرا؟
فقد دلت الأحاديث الصحيحة أن العبد إذا مات ودفن في قبره ترد إليه روحع ويأتيه الملكان يسألانه ، وبحسب توفيقه في جاوبه يكون حاله في حياته البرزخية ، وأما مستقر الأرواح بعد سؤال الملكين وما يتعلق به فقد ذكره ابن القيم في كتابه "الروح" ورجح أنه لا يوجد لها مكان معين بل لها عدة أمكنة ، فمنها مثلا ما يكون على أفنية القبور ومنها ما يكون في الجنة ومنها ما يكون محبوسا على باب الجنة ومنها ما ينتق ، فقال " هذه مسألة عظيمة تكلم الناس فيها واختلفوا فيها ، وهي إنما تتلقى من السمع فقط ، واختلف في ذلك فقال قائلون :أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم وهذا مذهب أبي هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم. وقالت طائفة: هم بفناء الجنة على بابها يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها ، وقالت طائفة: الأرواح على أفنية قبورها ، وقال مالك : بلغني أن الروح مرسلة حيث شاءت ، وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله : أرواح الكفار في النار و أرواح المؤمنين في الجنة."
فما فائدة هذا العرض إذن وماذا نستخلص منه؟
فالروح والنفس والجسد وإن اختلفت  التعريفات والأجناس والمآلات فإنها دالة على عظمة الخالق وكماله وتصوراته من جهة ، وعلى تماسك المخلوق وكثرة مكوناته التي تساعده على الوجود والتعايش والتواصل من جهة ثانية ، وعلى تكاملها ومساعدتها للمخلوق من أجل تنويع كينونته ووجوده ومساهمتها الفعالة في مساعدته على عبادة الله وحمده وشكره باستمرار إن أراد الفلاح والنجاة والفوز في الآخرة كسعيه الفوز والفلاح في هذه الدار الفانية من جهة أخرى.