تاريخ الجالية الألبانية في مصر بقلم د.محمد فتحي عبد العال

تاريخ الجالية الألبانية في مصر بقلم د.محمد فتحي عبد العال
تاريخ الجالية الألبانية في مصر بقلم د.محمد فتحي عبد العال
لقد بدأت القصة مع الاحتلال الإيطالي لألبانيا عام ١٩٣٩ م في عهد الملك "أحمد زوغو أو سكندر بيك الثالث أو أحمد مختار بيه زوغوللي".. كان "زوغو " في الماضي رئيسا لوزراء ألبانيا ثم رئيسا لها ثم ملكا ومشيرا للجيش أيضا !! وفي عام 1929 م وعلى خطى أتاتورك في تركيا أوقف العمل بالشريعة الإسلامية وحظر الحجاب واستخدم القوانين المدنية السويسرية ..تعرض لحوادث اغتيال عدة ونجا منها أطرفها ما حدث في 21 فبراير 1931 عند زيارته لدار أوبرا فيينا.  حيث اشتبك بنفسه مع المهاجمين وتبادل معهم اطلاق النار في سابقة فريدة في التاريخ المعاصر ..سياسة "زوغو " في التقارب مع إيطاليا  أفقده استقلال قرار بلاده بل وعرشه أيضا في النهاية حيث اتخذ موسوليني من عجز ألبانيا  ذريعة لفرض شروط فجة عليها منها بسط النفوذ العسكري الإيطالي داخل العاصمة " تيرانا" وتدريس اللغة الإيطالية في المدارس ..حاول "زوغو" أن يدير ظهره لهذه المطالب وأن  يقلص من النفوذ  الإيطالي عبر الاستغناء عن خدمات المستشارين العسكريين الإيطاليين وتأميم مدارس الروم الكاثوليك  الإيطالية ويتحول صوب فرنسا وألمانيا  ..لكن الوقت كان قد تأخر جدا  لمثل هذه الخطوات الاستقلالية فسرعان ما اجتاجت جيوش موسوليني ألبانيا وأصبحت تحت حكم  " فيكتور عمانويل الثالث"  ملك إيطاليا..
قرر الملك "زوغو" اللجوء إلى "لندن" سعيا نحو تشكيل حكومة "منفى" هناك فضلا عن مقاومة المحتل الإيطالي انطلاقا منها لكن بريطانيا وحرصا على علاقتها مع إيطاليا فرضت عليه حظر ممارسة أي نشاط سياسي ...بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية وانسحابها من ألبانيا ساءت الأمور وتعقدت إذ اندلعت حرب أهلية وسيطرت القوات التابعة للحزب الشيوعي الألباني على مقاليد الحكم في البلاد  ومن ثم أعلنت جمهورية ألبانيا الشعبية ...أحس الملك "زوغو" أن الغرب لن يكون داعما له في قضيته خاصة مع تصاعد موجات اللجوء الألباني من أوساط السياسيين والعسكريين وعجزه من استثمار ذلك في تشكيل قوة لإعادة حكمه الملكي مرة أخرى لعدم توافر الدعم المالي اللازم وعدم وجود ظهير دولي يدعمه فقرر أن يتجه صوب الشرق وتحديدا مصر..ذلك أن مصر ممثلة في شخص الملك "فاروق" ذو الجذور الألبانية والمعروف بعدائه الشديد للشيوعية سيكون خير معاضد له في قضيته ووالده الملك "فؤاد" لم يكن بعيدا عن ألبانيا بل كان قاب قوسين أو أدنى من حكمها بدعم عثماني قبل مصر لولا المعارضة الروسية  علاوة على أن "فاروق" كان يسعى لتحقيق حلم أبيه الملك "فؤاد" في زعامة العالمين العربي والإسلامي وهو ما يمكن استغلاله في تشكيل جيش من اللاجئين بمساعدة مصرية لتحرير ألبانيا من الحكم الشيوعي ..بالفعل تم استقبال "زوغو " وأسرته بشكل رسمي في ٢٣ فبراير ١٩٤٦م ولم تكن مصر قد اعترفت بجمهورية ألبانيا الشعبية  كما وجه "فاروق" بإرسال المساعدات للاجئين الألبان في معسكرات إيطاليا عبر الأمير "عمر إبراهيم" وعبر "تيودور باشا" بمعسكرات اليونان ..هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين عام ١٩٤٨م أطاحت بكل أحلام "زوغو " إذ أبدى "فاروق " بعدها صدودا في الحديث مع "زوغو" في أي مشاريع سياسية وكان للأخير وجهة نظر في القضية الفلسطينية عبر عنها  بالنصح لفاروق قائلاً : "لا أتصور يا جلالة الملك أن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تقرر إقامة دولة لليهود ، ثم تسمح لك بإزالتها "..مع ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م بدأت السلطة السياسية الجديدة تبدي عدم الترحاب تجاه تواجد الملك "زوغو" بمصر متهمة إياه ببيع السلاح لإسرائيل على لسان الصحف المصرية وقتها وبدأت تضيق حوله الخناق فأرسل مرتين للرئيس "محمد نجيب "دون جدوى ووصل الأمر إلى مداهمة السلطات لمقر إقامته فتوسط الرئيس السوري "شكري القوتلي" لدى جمال عبد الناصر في تسهيل خروجه لخارج مصر وهو ما حدث بالفعل حيث انتقل عام ١٩٥٥م إلى باريس ومات بها عام ١٩٦١ م ..
 
 
* المصدر : المجموعة القصصية استروبيا 
د.محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث وروائي مصري