رحلة داخل عالم د.محمد طه وعلاقات خطرة مراجعة وتحليل الجزء الخامس بقلم /حنان فاروق العجمي

رحلة داخل عالم د.محمد طه وعلاقات خطرة مراجعة وتحليل الجزء الخامس بقلم /حنان فاروق العجمي
رحلة داخل عالم د.محمد طه وعلاقات خطرة مراجعة وتحليل الجزء الخامس بقلم /حنان فاروق العجمي
يفاجئنا الكاتب بعبارة (الحتّة الفاضية إللي جواك) وبلغة عامية وأسلوب بسيط للوصول للقارئ واستطاعته جذبه للقراءة والإبحار داخل نفسه لاكتشاف تضاريسها قلاعها وجبالها ووديانها ومنحنياتها وتعقيداتها وكما وعدتك عزيزي القارئ ستقرأ وتُبحر بكتابين معًا كتاب المؤلف الطبيب النفسي العظيم وسطوري داخل كتابه مسافرة بمدادها في عالمه تحلل وتفسِّر وتُلقي الضوء، وعودة إلى بداية (الحتة الفاضية) والتي ذكرها الكاتب مُعبِّرًا عن ثقوبك النفسية العميقة تأمل داخلك الحلقة المُفرغة التي حاولت أن تملأها، فمنا مَن يملأها بنجاحه وشهرته وتسليط الأضواء عليه ومنا من يملأها بالنفوذ والسُّلطة أو حُب المال وجمعه أو الشره في شراء الملابس والطعام أو قصص الحب السطحية أو الذي يلبس رداء العلم والحكمة كالاستعارة التي شبه فيها المؤلف الحكمة والعلم بالرداء أو الثوب الذي نلبسه ويمتعنا دائما بأسلوبه الأدبي الشيق فى عرض فحوى كتابه ويشير كاتبنا إلى الثقب النفسي داخل كل إنسان والذي لا يشبع أبدًا يريد الامتلاء وابتلاع كل شيء لإحساسه بالفراغ، ومن أجل الشعور بالرضا يحدثنا الكاتب الطبيب فيقول (تصدق  إنك تستاهل) وينوه د.محمد طه أنه يكرر هذه العبارة كثيرا في كتاباته ومحاضراته لأهميتها الشديدة ولن يتوقف عن تكرارها وآشار إلى أن التربية والمجتمع عاملان أساسيان في ترسيخ معتقدك الداخلي واستحقاقك وتقديرك لذاتك ويمكن توصيل هذه الرسالة إيجابا أو سلبا وأول من يرسل هذه الرسائل الأم والأب فإذا أطعتهم ونفذت ما يقولون وسمعت الكلام تستحق الرعاية والحب والاهتمام، ثم يأتي دور المدرسة ورسالتها وذكر مثال لنا وهو أن مجموعك بالثانوية العامة هو الذي يحقق قيمتك بالحياة !  ناهيك عن رسائل الشارع والعمل والناس من حولك إذا ما استقبلت منهم أنك لا تستحق أن تعيش بهذا العالم وصب كم العقد النفسية للآخرين عليك وهنا يصاب الإنسان بشعور السراب وفقد الأهمية ويحاول ويسعى جاهدًا لملء هذا الثقب الأسود العميق داخله حتى لو حصل على أعلى الدرجات في دراسته إذا عاش يسمع ويصدق كل من حوله بأنه لا يستحق فيؤدي به إلى عدم تصديقه في نفسه مهما حقق من نجاحات، أما عن دنجوان عصره الذي يعيش قصص الحب لتعويض النقص الذي بداخله أنه لا يستحق الحب فلن يقنع أبدًا، كذلك الباحث عن الشهرة والأضواء حتى إن طار بأجنحة في السماء فلن يشعر بالرضا إلا إذا قَدَّر نفسه وأنه إنسان فاعل في الحياة وليست الشهرة والسعي وراءها هي التي تعطيه القيمة
ينتقل بنا الطبيب الكاتب إلى عالم الصناديق ! تعالى عزيزي القارئ لنرى معًا عالم د. محمد طه 
(انت عايش جوه صندوق) ويقصد الكاتب القولبة في التعامل مع الحياة والنمطية التي يعيشها البعض في تعاملاتهم
مع شتى المواقف والفرضيات الثابتة وهؤلاء الأشخاص يصفهم لنا بالمرضى وقد يكونوا أصحاء ولكنهم اختاروا هذا الأسلوب كأسلوب حياة ثابت والتعامل بمشاعر متكررة وذكر لنا مثال الذي يحصر نفسه في معتقدات وأفكار أو مخاوف معينة ويرى نفسه هو الوحيد بالعالم الذي على صواب وباقي الناس على خطأ، ومثال آخر للأم النرجسية التي  تصور لأولادها أنها مصدر الحب والعطاء في وجود الأب أو غيابه وكأنها تمن عليهم به ليقدموا فروض الولاء والطاعة وكعادته الكاتب يتحدث معك داخل الكتاب بالعامية الدارجة كأنه صديقك المقرب، ويذكر أيضا مرضى الحب الذي يحب كل منهما الآخر بجنون ويتصور أنه ماضيه وحاضره ومستقبله فيفقد نفسه داخل الآخر ويذوب فيه، والزوجة التي تقوم بعمل الاختبارات النفسية لزوجها باستمرار للتأكد من حبه لها، والذي يتعامل مع أولاده وزوجته أنهم ملكية خاصة له، أما عن صندوق الكاتب التالي فهو صندوق العادات والتقاليد وقمع الذات وتحجيمها في أن الخطأ لا يصح ولوم الإنسان لنفسه وأنه يجب أن يكون أحسن واحد بالعالم والضعف والفشل جريمة، وصندوق آخر في جعبة الكاتب هو التعلق الشديد بالآخر على حساب النفس، وصندوق العيش بدور الضحية أو الجاني أو المنقذ ، أشعر أثناء قراءتي وكأن الكاتب يلعب دور الساحر يقف أمامي على خشبة المسرح يفتح دولابه السحري المملوء بالشخصيات المختلفة كل منها يلبس صندوق موصد بقفل على رأسه، معذرة هذا هو المشهد الذي تراءى لي ولكني مستمتعة بالقراءة، وتطرق الكاتب إلى صندوق التطرف الديني، وصندوق الشك والخوف، وأعجبني تعبيره
 (صندوق الطلاق اللي حاطط يافطة جواز) واستخدامه الأسلوب الساخر، وصنوق العيال اللي هضحي بنفسي عشانهم، والعمل المجهد وغير المُرضي الذي لا يحبه أحدهم وأنه غرقان فيه ليصف درجة معاناته الشديدة ومأساته، أفادنا الكاتب أننا نعيش في دوائر لا تنتهي وصناديق مغلقة نسجن أنفسنا فيها بأيدينا وحتى نهاية الأجل
 وفي رأيي يقصد الكاتب استعذاب الألم والبحث عن سبب لعدم الخروج من سجن النفس بإرادتنا الحرة، 
وقد ذكر د. محمد طه (أن اللي ربنا كرمه هو من استطاع تحرير نفسه من سجنه) وأشار إليه بتعبير لفت انتباهي بأنه يخرج من الصندوق مثل الطفل الذي يرى العالم لأول مرة وتطبيقًا على نفسي فأظن أنني قد خرجت
 من صندوقي الخاص الذي حبست نفسي فيه بإرادتي ساعية للبناء والحياة المثالية بينما بالحياة أدوار كثيرة يمكن أن أجد فيها نفسي ويمكنها أن تحقق لي الرضا والإشباع الروحي وتيقنت بعد خروجي من الصندوق أن المثالية التي كنت آسعى لتحقيها وإرضاء كل مَنْ حولي على حساب نفسي ورغباتي 
لا يراه الآخرون سوى شيء عادي ولم يطلبه أحد، ولكني بالفعل خرجت كالطفل الذي يرى العالم والناس من حوله لأول مرة بعد ولادته بعين وليدة تستطيع تمييز النور من الظلام وتتعرف على الأشياء من جديد وعالم البشر الملئ بسائر المخلوقات والأطياف والأرواح، وأنصحكم وأنصح نفسي بنصيحة د. محمد طه ...أثناء خروجك من الصندوق حاول أن تلجأ إلى مَنْ يقف بجانبك ويساعدك قد يكون صديق أو معالج أو زوج ورفيق أو من يكون أهلا للثقة ولديه الخبرة الكافية لمساعدتك ولكن لا تستسلم أبدًا جدد مشاعرك جدد علاقاتك قُم بممارسة نشاط تحبه صاحب الحكماء تنفس هواءًا جديدًا غير ملوَّث خالي من العُقد والأحكام وتحكمات الأشخاص وقالب التقاليد الموروثة ومقولة هكذا فعل آباؤنا، استقبل النور لتتضح الرؤية، صعب جدًا أن يسافر الإنسان في رحلة داخل ذاته، حقا هو مؤلم، لكن بالصبر، ستصل بالنهاية إلى فهم نفسك وفهم الحياة وسبب وجودك فيها، وكما قال الكاتب (يالا نشوف النور)
وتستمر الرحلة وألقاكم على نفس السفينة وبنفس الميعاد واستكمال رحلتنا مع الطبيب الفيلسوف وفلسفتي الخاصة وقراءتي التحليليلة لكتاب علاقات خطرة.