د.إبراهيم خليل إبراهيم يكتب : إسرائيل ومجزرتها في مدرسة بحر البقر

د.إبراهيم خليل إبراهيم يكتب : إسرائيل ومجزرتها في مدرسة بحر البقر
د.إبراهيم خليل إبراهيم يكتب :  إسرائيل ومجزرتها في مدرسة بحر البقر
عندما قامت إسرائيل بعدوانها الغادر على مصر يوم 5 يونيو عام 1967 واحتلالها لسيناء الحبيبة لم تصمت مصر بل في أول يوليو في نفس العام بدأت معارك الاستنزاف ووجهت القوات المصرية ضربات موجعة لإسرائيل وضمن تصعيد الغارات الإسرائيلية على مصر للقبول بإنهاء حرب الاستنزاف وقبول مبادرة روجرز قامت طائرات الفانتوم الإسرائيلية والأمريكية الصنع فى الساعة التاسعة والعشرون دقيقة من صباح يوم الأربعاء الثامن من شهر أبريل لعام 1970 والموافق الثانى من شهر صفر 1390هـ بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بقرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية ونتج عن هذا العدوان الغاشم 77 شهيداً وجريحاً من المدنيين وإصابة 4 من العسكريين ..فى صباح يوم الخميس التاسع من شهر أبريل لعام 1970 نشرت جريدة الجمهورية فى عددها الأسبوعى: (إسرائيل تغير بطائرات الفانتوم الأمريكية الصنع على مدرسة بحر البقر الابتدائية بالشرقية).
أرسل أطفال قرية بحر البقر رسالة إلى باتريشيا نيكسون زوجة الرئيس الأمريكى نيكسون وسألوها: هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا؟ أنتِ الأم لجولى وتريسيا والجدة لأحفاد.. فهل نستطيع أن نذكر لكِ ما فعله زوجك المستر نيكسون؟.
لقد تقابلت مع أهالي قرية بحر البقر وأجريت لقاءات صحفية معهم وأذكر أن السيد عبد الرحمن حسن أحد مصابي مذبحة مدرسة بحر البقر قال: انتظمنا في الدراسة صباح يوم 8 أبريل عام 1970 ثم فوجئنا بضربة جوية من قبل الطائرات الإسرائيلية فتحولت المدرسة إلى حطام ووجدت زملائي وأجسادهم أشلاء وتوجه الأهالي للمدرسة لانتشال الجثث ونقل المصابين إلى المستشفيات وتم نقلي إلى مستشفى بالقاهرة وكانت حالتي خطيرة فأمر رئيس لجمهورية بنقلي إلى بلغاريا للعلاج ولم أكمل تعليمي بسبب الصدمة التي عشتها وقالت نبيلة علي محمد والدة شهيدين من تلاميذ مدرسة بحر البقر : يوم الأربعاء 8 أبريل عام 1970 فوجئت بإبنتي تدخل على المنزل في بكاء وصراخ : إخواتي ماتوا يامه فخرجت مسرعة إلى المدرسة وفوجئت بالأهالي يحملون جثثهم غارقة في الدماء وأصيب ابني بالصرع فور سماعه للخبر وقال سالم عبد الجليل محمد والد الطفل الشهيد محسن قال : فى صباح يوم استشهاد ابنى وفلذة كبدى ذهبت زوجتى لزيارة أقاربها وذهبت أنا للحقل وكان محسن يبكى وطلب الذهاب مع أمه فرفضت وفضلت ذهابه إلى المدرسة حرصا على مستقبله وخلال تواجدى بالحقل شاهدت بعض الطائرات تحلق بارتفاع منخفض فوق المدرسة وفجأة سمعت صوت انفجارات شديدة فذهبت للمدرسة وشاهدت اندلاع أدخنة كثيفة وخلال اتجاهى للمدرسة قابلنى ابنى الآخر وقال باكياً : المدرسة تم ضربها وعندما وصلت للمدرسة وجدت بركة من الدماء تسبح فيها أشلاء الأطفال الأبرياء وفارق محسن الحياة.
أيضا قال سعيد متولي أحد المصابين : أثناء تواجدنا في المدرسة سمعنا صوت الطائرات تحلق فوق رؤسنا وسيطرت حالة من الخوف المختلط بالبكاء وسقط السقف علينا وكنت في الصف الخامس الابتدائي ووقعت على الأرض وأصبت بحالة إغماء ولم أشعر بنفسي إلا وأنا بالمستشفي وبجواري أمي وأبي يبكيان وزملائي غارقين في الدماء وكانت حالتي خطيرة ولذلك أمر رئيس الجمهورية بنقلي للعلاج في المانيا وأجريت لي عملية بالرأس ورجعت إلى بلدي مصر وقال محمد شاهين أحد مصابي مذبحة بحر البقر : عندما قامت إسرائيل بقصف المدرسة كنت في الصف الأول الابتدائي وبعد سقوط سقف المدرسة حفرت فتحة بجدار المدرسة وخرجت منها بعد إصابتي فوجدت أمي وأبي في بكاء شديد مع الصراخ والهلع والخوف على أنا وزملائي وتم نقلي مع زملائي إلى مستشفى الحسينية وزارنا رئيس الجمهورية ومعظم أهالي القرية رفضوا ذهاب أبنائهم إلى المدرسة مرة أخرى والبعض أخذ أطفاله وترك القرية .
شاء الله تعالى أن التقي الدكتور الحسيني الوكيل رحمه الله والذي شارك في علاج المصابين حيث قال لي : صباح يوم الحادث كنت متجها إلى عملي بالزقازيق عاصمة محافظة الشرقية فسمعت النبأ الحزين فى اﻷتوبيس من الركاب الذين انتابتهم حالة من الحزن والثورة والغضب فقررت التوجه إلى مستشفى الحسينية مباشرة لشعورى أن هؤﻻء اﻷطفال بحاجة إلى وجودي معهم أكثر من غيرى لمعرفتى بكل كبيرة وصغيرة فى هذا المستشفى ولصلتى الوثيقة بكل العاملين وكذلك لأن المستشفى كان به  نقص فى أخصائيين الجراحة فنزلت فى منيا القمح وركبت اﻷتوبيس المتجه إلى الحسينية وعند وصولي هناك رأيت آﻻف من الرجال والنساء والأطفال داخل المستشفى ومن حوله والجميع فى حالة من الحزن الشديد والهلع والغضب يتاصيحون ويتأوهون  ويصرخون ويطالبون بالثأر ﻷبشع جريمة عرفتها البشرية حيث قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بضرب مدرسة لأطفال أبرياء عزل ذهبوا إلى مدرستهم متعطشين للمعرفة  كالزهور المتفتحة للحياة . 
كل فرد أعتبر أن الضحايا أبناءه وأخوته وجاءت سيارات الإسعاف تحمل اﻷطفال الضحايا والمصابين وتسارع آﻻف تجاه السيارات وهم يصرخون يتاصيحون كل واحد يريد أن يفعل كل مايستطيع من أجل هؤﻻء أﻷبرياء وتم نقل الشهداء إلى المشرحة والمصابين إلى اﻷستقبال .. كنا جميعا رغم الألم والحزن الذى يمزق قلوبنا متماسكين ومتحفزين كلنا كنا مستنفرين ومستعدين للعمل ساعات  طويلة فقد كانت اإصابات خطيرة ومتنوعة .. جروح وشظايا فى كل مكان ونزيف بالمخ وكسور بالعظام وبجميع اﻷطراف ونزيف داخلى بالبطن وتهتك باﻷمعاء والكبد والطحال والكلى والمثانة. 
أضاف الدكتور الحسيني الوكيل : عندما تم خروج آخر طفل مصاب من المستشفى بعد حوالى 3 أسابيع تذكرت فجأة أننى على قوة مستشفى الزقازيق العام والذى انقطعت عن العمل فيه طوال هذه المدة وﻻ يعلم أحد شيئا عن سبب غيابى فقمت بتوزيع زملائي والعاملين بمستشفى الحسينية وتوجهت عائدا إلى مستشفى الزقازيق العام مقر عملى ومنعنى الموظف المختص من التوقيع وأخبرنى أننى قد تجاوزت مدة الإنقطاع عن العمل وأخبرنى أنهم أرسلوا لى إنذارين بالفصل على بلدتى وأننى محال إلى الشئون القانونية إتمام إجراءات فصلى من الخدمة فانتابنى الفزع وتوجت إلى مديرية الصحة لمقابلة المدير العام الدكتور عبد الحى محمد عبد الله والذى رآني كثيرا عند زيارته المتكررة للأطفال المصابين وعندما رآني تهلل وجهه مبتسما وقال لى : ايه أخبار اﻷطفال ياحسينى ؟ قلت : يافندم تم خروج آخر طفل مصاب اليوم فقال : الحمد لله أشكرك أنت وجميع الزملاءعلى ما بذلت من جهد مشرف معهم قلت : يافندم ده واجب وطنى فقال :  طيب ياحسينى أنت عايز حاجة من المديريه ؟ فحكيت له ما أخبرني به الموظف فنظر لى وقال :  أنت بتشتغل فى الحسينية وﻻ الزقازيق ؟ قلت : يافندم أنا نقلت من الحسينية للترقية من حوالى شهر إلى الزقازيق وعندما علمت بالحادث قررت الذهاب إلى مستشفى الحسينية فورا لرعاية هؤﻻء اﻷطفال المصابين لشعورى بحاجتهم لوجودى معهم ﻷننى أعرف كل شىء بالمستشفى فقال لى : ولم تخطر إدارة مستشفى الزقازيق بأى شئ ؟ قلت له : ﻻ يافندم ؟ ابتسم وقال لى : أنت بتشتغل فى عزبة ياحسينى ؟ أنت مش عارف أنك موظف حكومي والعمل الحكومى له نظامه ؟ قلت له : يافندم عندما علمت بالخبر نسيت كل شئ ولم يكن أمامي سوى التوجه فورا ﻷقوم برعاية هؤﻻء اﻷطفال المصابين اﻷبرياء .. ترسم ضاحكا ورفع سماعة التليفون وطلب مدير مستشفى الزقازيق وقال له : الدكتور الحسينى يعود لعمله وأنا اللى أرسلته فى مهمة خاصة إلى مستشفى الحسينية طوال هذه المدة وسوف أرسل لك خطاب رسمى بذلك وألغي جميع اﻷجراءات ثم قال : أنا أشكرك ياحسينى على روحك الوطنية.  
كتب الشاعر الكبير صلاح جاهين رائعته ( الدرس انتهى لموا الكراريس) مسجلاً تلك المجزرة البشعة فى ذاكرة الشعر العربى والأغنية العربية ولحنها الموسيقار سيد مكاوى وحملها صوت الفنانة شادية لضمير العالم وقد ذكر محمد فائق وزير الإعلام الأسبق أن الشاعر صلاح جاهين حضر إليه بعد تسجيل الفنانة شادية الأغنية ومعه الورقة التى تضم أغنيته والتى كانت تقرأ منها المطربة شادية وهى مبللة بدموعها من شدة التأثير .
تقول كلمات الأغنية : 
الدرس انتهى لموا الكراريس
بالدم اللى على ورقهم سـال
فى قصـر الأمم المتحدة
مسابقة لرسـوم الأطـفال
ايه رأيك فى البقع الحمـرا
يا ضمير العالم يا عزيزى ؟!
دى لطفـلة مصرية وسمرا
كانت من أشـطر تلاميذى
دمها راسم زهرة
راسم رايـة ثورة
راسم وجه مؤامرة
راسم خلق جبارة
راسم نـار
راسم عار
عالصهيونية والاستعمار
والدنيا اللى عليهم صابرة
وساكته على فعل الأباليس
الدرس انتـهى
لموا الكراريس ..
ايه رأى رجـال الفكر الحر ؟
فى الفكرة دى المنقوشة بالدم
من طفل فقير مولود فى المر
لكن كان حلو ضحوك الفـم
دم الطـفل الفـلاح
راسم شمس الصباح
راسم شـجرة تفاح
فى جناين الإصلاح
راسم تمساح
بألف جناح
فى دنيا مليانة بالأشباح
لكنها قلـبها مرتاح
وساكته على فعل الأباليس
الدرس انتـهى
لموا الكراريس 
إيه رأيك يا شعب يا عربى ؟
إيه رأيك يا شعب الأحـرار ؟
دم الأطـفال جايلك يحـبي
يقول انتـقموا من الأشـرار
ويسيل عالأوراق
يتهجى الأسـماء
ويطـالب الآبـاء
بالثـأر للأبـناء
ويرسم سيف
يهد الزيـف
ويلمع لمعة شمـس الصيف
فى دنيا فيها النور بقى طيف
وساكته على فعل الأباليـس
الدرس انتهى لموا الكراريس .
كما كتب الشاعر فؤاد حداد أغنية بحبك يا بلادي ولحنها الموسيقار بليغ حمدي وأداها كورال من الأطفال ضمن أحداث فيلم العمر لحظة وهذا الفيلم تأليف يوسف السباعي والإعداد السينمائي حسين حلمي المهندس وبطولة ماجدة وأحمد مظهر وناهد شريف ونبيلة عبيد ومحمد خيري وأحمد ذكي وصلاح نظمي وشفيق جلال وحسن حسين وعلية عبد المنعم وحاتم ذو الفقار وأحمد الطاهر ونورا ونادية شمس الدين ويحيى الشاذلي ويوسف العسال وجمال شبل ومحمود رشاد وإخراج محمد راضي وتم عرضه في شهر سبتمبر عام 1978 وكان هذا الفيلم أول بطولة للفنان محمد خيري وقد تكلف إنتاج الفيلم 650 ألف جنيه وهو مبلغٌ ضخمٌ جدًا آنذاك وتم منع الفيلم من العرض في الدول العربية أثناء حكم الرئيس السادات بسبب توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومقاطعة بعض الدول العربية لمصر وتسبب الفيلم في خسارة مادية كبيرة للفنانة ماجدة بصفتها منتجة الفيلم حيث لم تغطي الايرادات تكاليف انتاجه وبلغت خسائرها بما يقارب الربع مليون جنيه وبعد انتهاء فترة المقاطعة العربية لمصر تعرض الفيلم للسرقة وتسرب على أشرطة الفيديو وقتئذ مما ضاعف من نسبة خسائر الفيلم .
تقول كلمات أغنية بحبك يابلادي :
مدرستى .. بحر البقر الابتدائية 
 كراستى .. مكتوب عليها تاريخ اليوم
 مكتوب على الكراس اسمى 
سايل عليه عرقى ودمى
 من الجراح اللى فى جسمى
 ومن شفايف بتنادى ..
 يا بلادى. . يا بلادى ..
 أنا بحبك يا بلادى ..
 يا كل واحد فى الملايين .. 
بنت وولد طلوا وشوفوا .. 
درس النهاردة يا مصريين .. 
كتبت عالتختة حروفه ..
 أدى الـ  ( أ )  وأدى الـ ( ب ).. 
هاتوا القلم نتك عليه .. 
فى ذاكرتكم لو جينا ..
 فى مدرستنا الجديدة .. 
وكل مدرسة قصرية ..
 يا بلادي .. يا بلادي ..
 أنا بحبك يا بلادى .
نسجل هنا أيضا أن تلك الجرائم الخسيسة التي أرتكبتها إسرائيل زادت من إصرار المصريين على إكمال مسيرة التحرير وقد كان يوم 30 يونيو 1970 يوما فاصلا حيث اكتملت منظومة الدفاع الجوي المصري باكتمال بناء حائط الصواريخ وانتهاء عصر العربدة الإسرائيلية في السماء المصرية الى الأبد وتواصل الكفاح والصمود المصري حتى كان النصر العظيم في أكتوبر 1973 م.
لكن واصلت إسرائيل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وهاهى يوم 7 أكتوبر 2023 قامت بإبادة جماعية لسكان غزة وبأسلحة محرمة دوليا وللأسف تدعمها أمريكا وحلفاء القتل والخراب والتدمير والتآمر ولن تكون تلك المجزرة الأخيرة بل ستواصل إسرائيل جرائمها إن لم يتم ردعها ولتعلم المعمورة أن الله تعالى يمهل ولا يهمل .