الكرم من الصفات المحمودة بين الناس، ولكن ينبغي الحذر من الإفراط في هذا الأمر حتى لا يتجاوزه ويصبح من التبذير، أو أن يكون المرء كريمًا على الآخرين لدرجة لا تُبقي له شيئًا من المال الذي ينفقه على أبنائه وزوجه، ومن المسلمات أن الأقرباء أولى بالمعروف، فلا ينبغي الإنفاق على الآخرين بينما تعلم أن هناك من يمر بضائقة مادية شديدة كالأخ والأخت أو الوالدين والأبناء، إذ لا بأس من العطف والكرم مع من يحتاج إليه ولو بالقليل، ولكن لا ينبغي نسيان من هم أولى بذلك الإحسان إنّ الفرق بين الكرم والجود والعطاء ليس كبيرًا، ولكن له مجالات متعددة فمنها ما يكون في المال؛ إذ يبذل الإنسان كل ما يملك من أموال، علمًا أنّ العطاء لا يكون في المال فقط وإنما في أشياء أخرى ينتفعون بها؛ كالذهب والفضة والأنعام والحرث والخيل وكل ما يؤكل أو يشرب أو يلبس أو يستخدم للركوب أو يسكن فيها، أو دواء يمكن التداوي به، أو أن يكون الكرمُ في دفع الضرر والبأس عن الغير، كما يكون الكرم والعطاء بالعلم والمعرفة فنرى كثيرًا من الناس لديهم من العلم والمعرفة، لذا تراهم يعلّمون الناس بما يعرفون ولا يبخلون عليهم بمعلومة كبيرة أو صغيرة، ومنهم بخلاء لا يحسنون إلى أحد ولا يعطونه من علمهم شيئا وإنما يستأثرون بالعلم لأنفسهم ظنًا منهم بأنه حصر عليهم
ومما لا يمكن إنكاره أنّ للكرم أهمية كبيرة سواء على صعيد الأفراد أم المجتمعات، فهي من الصفات الحسنة التي تنتشر بها السعادة بين البشر، فهي دليل عظيم على حسن ظن الإنسان بخالقه، فهو يعلم أن الله سيعوضه خيرًا على كرمه وإنفاقه ويرسل له من الخير ما لم يكن في حسبانه، فإعطاء المال والتصدق به لا ينقصُ من المال شيئًا، بل على العكس فقد وعد الله تعالى عباده المنفقين بالخير الكثير والعوض الكبير في الدنيا والآخرة، كما للكرم والجود والعطاء دلالة على قوة الإيمان وكماله وحسن الإسلام، وقد وعد الله عز وجل المنفقين بإكرامهم في الدنيا ورفع ذكرهم في الآخرة، فكل كريم يحبه الله ويحبه عباده وتراه قريبًا من قلوب الناس يحبونه ويسعدون بوجوده ويمتدحون كرمه وعطاءه ويدعون له بالخير الكثير وبالنسبة للعطاء دون طلب هو من صفات الطيّبين الذي قد نشؤوا عليه، فيكون عطاؤهم عطاء الحبّ الذي لا ينتظرون معه أن يُقال لهم شكرًا على العطاء، فهم يمدّون أيديهم للناس بلا ثمن وبلا مناسبة ليقولوا لهم إنّ الخير في هذه الدنيا ما يزال موجودًا، أولئك الناس الذين ما زالوا يتقنون فن العطاء ويمدون أيديهم للناس بلا مقابل، هم الطيبون الذي قل وجودهم في هذه الدنياإنّ العطاء والكرم مفهومان متلازمان لا ينفصلان، فلو كان الإنسان يفعل المعروف ثمّ يمنّ به فهذا لم ينل من معروفه شيئًا يذكر، ولكن من كمال العطاء أن يكون فيه إحسان، والإحسان لا يكون مع المنّة بالعطاء، لذلك يعطى و لا يندم على العطاء مهما كان الذي يلقاه من الناس من أذى أو أيّ شيء آخر قد يجعل الإنسان العادي يندم على ما فعله، ولكن من تأصّل فيه طبع أو لازمته سجيّة فإنّه يحتفظ بها وتكون معه حتى وفاته ولا تتأثّر بالمحيط الخارجي.