إدوارد فيلبس يكتب : قيامة السيد المسيح ورجاء الحياة الأبدية للإنسان

إدوارد فيلبس يكتب : قيامة السيد المسيح ورجاء الحياة الأبدية للإنسان
إدوارد فيلبس يكتب : قيامة السيد المسيح ورجاء الحياة الأبدية للإنسان
 
أبدأ بتهنئة من القلب بعيد القيامة المجيد؛ هي في الحقيقة تهنئة متواصلة منذ ميلاد السيد المسيح وحتى قيامته؛ فإذا كان الحبل به في أحشاء السيدة العذراء بالروح القدس معجزة لم ولن تتكرر فإن موته على الصليب وقيامته هو عمل اشترك فيه الناسوت واللاهوت وأيضا لم ولن يتكرر. الميلاد من الآب ؛ وهو الله الذي لا بداية ولا نهاية له أي الأزلي الأبدي  ؛ هو نفس الآب الذي خلق العالم من  أجل أن يخلق الإنسان بعد ذلك ليعيش فيه ؛ هو نفس الآب الذي خلق الإنسان " آدم وحواء " كنموذج للرجل والمرأة " بكل تركيبتهما المعقدة جدا من حيث كيف يؤدي الجسد وظائفه ثم كيفية التناسل والإنجاب ؛ هو نفس الآب القادر أن يحرك كل قوى الطبيعة التي خلقها بل هو القادر أن يزيل العالم كله في غمضة عين ؛ هو نفس الآب الذي أراد أن يكون له أبن يملك الناسوت الذي يمكنه أن يعيش بين البشر ليكون مثلهم ,, " عدا الخطيئة " يتحدث معهم  ويكون لهم مثل نبي  يرشدهم للطريق الصحيح ولا جدال في أن تعاليمه كلها كانت هي الصورة المثالية التي يجب أن يكون عليها الإنسان ؛ ثم يُكمل الأبن طريقه نحو الغاية الكبرى التي أتى من أجلها وهي خلاص البشرية من حكم الموت الأبدي الذي يستحقه لأن الآب حكم به كعقاب على أول البشرية لمخالفتهم الوصية  الإلهية  .أحيانا أفكر هل من المعقول أن يكون الله له أبن ؛ فأول الإيمان المسيحي يقول " بسم الآب والأبن والروح القدس إله واحد آمين " ؛ فإذا قلنا أن الروح القدس منبثق من الآب وهو القوة الإلهية التي تحرك كل شيء فالعذراء حُبلت بالروح القدس والإنسان المسيحي يحل عليه الروح القدس في المعمودية ؛ لكن ليس معنى هذا أن الإنسان المسيحي يملك الروح القدس بعد المعمودية ؛ بالقطع لا ؛ هذا الإحلال ليس معناه أنه يملك الروح القدس ؛ هو نفحة فقط توجهه نحو الإيمان وعليه أن يحتفظ بهذه النفحة بتمسكه بالإيمان السليم ؛ أي أن الروح القدس وهو القوة المنبثقة من الآب يمثل الله من حيث العمل وعلى سبيل المثال لو فاز إنسان في أي لعبة من ألعاب القوى لا نقول أن قوة هذا الإنسان هي التي فازت لكن نقول أن فلان فاز ؛ وكذلك الله يتحكم في الروح القدس المنبثق منه ويمنحه بدرجات وأخفها الدرجة التي تحل على المتعمد التي يمكن أن نقول أنها مجرد مسحة ؛ فإذا انتقلنا نقلة أكبر بكثير ولا وجه للمقارنة إلى الروح القدس الذي حبلت به السيدة العذراء يتغير الحال والفكر ؛ فما حبلت به السيدة العذراء هو الروح القدس ذاته بكل قوته المنبثقة من الآب لأن الذي حُبل به يدعى قدوس وهو الأبن الذي يحمل لاهوت الآب ؛ ونتوقف هنا أمام علامة التعجب التي يضعها البعض وسؤال يتردد على ألسنتهم " كيف يكون الله له أبن "  ؛ وعلامة التعجب بل ألاف من علامات التعجب أن يُحسب الأمر وكأن الله انتقى له عروسا وبالطبع أقولها من باب التعجب لأنه لا يوجد إله مذكر وآلهة مؤنثة وتم الزواج بينهما ثم الإنجاب ؛ حاشا أن يكون الفكر نحو الله بهذا الشكل ؛ لكن عندما نفكر في الأمر بطريقة مضبوطة ؛ يجب أن نفكر في الله الذي خلق العالم بكل ما فيه والذي لا زلنا نفكر ونتعجب وعقولنا تتوه في دقة تسييره وملايين السنين والشمس والقمر والكواكب تسير كالساعة ؛ خلق كل شيء بدقة متناهية من أجل أن تفيد الإنسان وتكون نافعة له في حياته ؛ أما عملية خلق الإنسان نفسه  بكل عضو فيه من أجل أن يعيش وينجب فهو الخيال الحقيقي الذي تتوه فيه العقول وإن كان الطب قد أحرز التقدم في العلاجات والمداواة لكنه يعجز تماما أمام سر الحياة والموت . الله وقدراته بالتأكيد أكبر وأقوى من أي كلمات أكتبها أو يكتبها أي إنسان مهما بلغت فلسفته أو دراساته؛ كلها اجتهادات للوصول ولو على الهامش لهذا الإله العظيم؛ فكيف نتعجب من أن ننسب إلى السيد المسيح أنه ابن الله.  ليس لغزا وكل شيء في وضوح الشمس منذ البداية ثم جاء في تسلسل لا يثير العجب. لكنه يظهر قوة هذا الإله غير المحدودة؛ ومحبة فائقة للبشر الذي خلقهم بيديه " آدم وحواء " وبالتأكيد كان لديه الإحساس بالأبوة بالمعنى البشري نحوهما؛ كان يعلمهما كأطفاله ؛ ويريد أن يصل بهما وإلى نسلهما إلى الإنسان الكامل في فكره وسلوكياته  وبالتأكيد كان يدبر المزيد لهما لولا وقوعهما في خطيئة مخالفة وصيته ؛ لكن الله بمحبته الفائق لخليقته ؛ لم يرد أن يهلكهما ؛ غضب عليهما  وطردهما من الجنة ؛ لكن أبقاهما من أجل وعده بأن يتناسلا ويتكاثرا لكن حكمه بالموت الأبدي الذي نطق به ظل قائما ومن المؤكد أنه ندم عليه لكنه لم يستطع أن يتراجع عنه ويمكن أن أشبهه بندمه عندما أتى بالطوفان الذي أغرق الجميع عدا نوح وأولاده وقرر بعدها أن  لا يهلك الإنسان ثانية ؛ لكن حكمه بالموت الأبدي لنسل آدم وحواء  ثم ندمه ؛ صعب أن يتراجع عنه وقد صدر الحكم كان يمكن أن يتراجع بالنسبة لهما لكن نسلهما كان غير ممكن لأنه في حكم المجهول ولم يأت بعد ؛  لذا كان لا بد أن يوجد الفداء الذي يتحمل هذا الحكم لتنجو البشرية كلها من الموت الأبدي ؛ يمكن نتخيل فكرة الفداء التي وضعها أمامه من أجل فداء البشرية بأن نعود إلى أمره لحبيبه إبراهيم بأن يقدم الأبن الوحيد الذي ظل ينتظره طوال عمره هو وسارة زوجته حتى وصلا إلى عمر  الشيخوخة ؛ ذبيحة له ؛ وكانت الاستجابة رائعة من إبراهيم الذي قبل الأمر دون مناقشة لكن بالتأكيد كان الموقف بالنسبة له في غاية الألم ؛ كيف يقدم وحيده من زوجته سارة ذبيحة ؛ لكن الإيمان كان شديدا فأخذ  "اسحق" دون تردد وذهب به لينفذ أمر ربه ؛ لكن الله الرحوم لم يكن هدفه أن يذبح إبراهيم ابنه أسحق بيده الذي جاء بعد طول انتظار ؛ لكن الهدف الإلهي كان منقسما لشطرين ؛ أولهما اختبار لإيمان إبراهيم ليكون أسحق ابن الموعد ؛ والشطر الثاني يدور حول كلمة الفداء لكي ينتقل معنى مفهوم "الفداء "إلى مفهوم الإنسان ؛ حتى الإنسان العادي وغير المتعلم ؛ فإذا كان الإنسان الذي أخطأ من بدايته يمتلك هذا الإيمان وبدون تردد أخذ  إبراهيم ابنه وحيده ليقدمه كفداء للرب ؛ فأن الله بكل جلاله لن يتردد أن يقدم ابنه وحيده وهو السيد المسيح له المجد فداءً لكل البشرية المحكوم عليها بالموت ؛ هذا الأبن الذي نزل إلى الأرض بطريقة خارجة عن مفهوم البشر تماما ؛ وهي التجسد في أحشاء فتاة طاهرة ومباركة بالروح القدس وليس بزرع البشر ؛ ليأتي إنسانا في وسط الناس حتى عندما يصلب ويتحمل الآلام يكون فداءً حقيقيا عن الإنسان . يجب أن نتوقف عند هذه النقطة وهي الأبن الذي جاء متجسدا بالروح القدس من السيدة العذراء الطاهرة مريم  ؛ إذا كان هذا الأبن مجرد إنسان فهو لا يمثل الفداء فعلا لأن الإنسان لا يفدي إنسانا مثله حكم عليه بالموت الأبدي ؛ يجب أن يكون هذا المولود الذي يحمل الناسوت يحمل أيضا قوة الآب الذي صدر منه الحكم بالموت الأبدي على الإنسان وسأسوق مثالا تقريبيا من الأرض ؛ لو أن حكمً صدر بالإعدام على شخص مذنب ؛ من الذي حكم على هذا الإنسان ؛ بالطبع لا بد أن يكون قاضيا يحمل الصفة القضائية ويمثل الهيئة القضائية بالكامل والحكم صدر من محكمة مختصة بإصدار هذا الحكم ولا يمكن أن يخفف الحكم أو يصدر حكما بالبراءة سوى من قاضً آخر يمثل الهيئة القضائية ومن المحكمة المختصة أي لا يمكن أن يصدر حكم التخفيف أو البراءة من أي إنسان عادي ؛ لا بد لمن يُصدر سواءً حكم الإدانة أو البراءة أن يكون ممن يحمل صفة القضاء ؛ إذا أيضا لا يمكن أن يصدر حكم البراءة على الإنسان إلا من يحمل صفة الإله الذي صدر منه حكم الإدانة ؛ وبالتأكيد لا يوجد سوى إله واحد والممثل له هنا هو الابن  ؛ وهذا ما حدث بالضبط ؛ يسوع المسيح أبن الله المتجسد بالروح القدس والذي أتى بطريقة  لم يسبق  مثلها ولم ولن يحدث مثلها أبدا وإلى الأبد . أتى الأبن وعاش وسط البشر العادي أي الطبقات الفقيرة والمتوسطة وهم الأغلبية في كل زمان ليكون مثلهم لأن ناسوته يمثل الإنسان ؛ لم يأت غنيا حتى يكون قريبا من معظم البشر في ذلك الوقت ؛ عاش يعمل كنجار مع أبيه بالتبني لأن يوسف النجار كان خطيبا للسيدة العذراء مريم بحكم انتمائها لعشيرته وقت بلوغها السن الذي لا يمكن بعده أن تستمر في الهيكل كما هو كان سائرا في ذلك الوقت لأنها قُدمت للهيكل منذ طفولتها كما نذرتها أمها ؛ عاش الطفل يسوع مع أسرته حتى بلوغه سن الثلاثين أي سن النضج الكامل ليس بالنسبة له ؛ لأن من يحمل اللاهوت منذ أن كان في أحشاء السيدة العذراء مريم لا يحتاج لهذه الصفة ؛لكن بالنسبة للناس حتى لا يتشككوا في صغر عمره ؛  في هذا العمر ابتدأ رسالته المزدوجة  الأولى كنبي واستمرت ثلاث سنوات قد تزيد قليلا والثانية كفادي للبشرية جمعاء من حكم الموت الأبدي . رسالتان عظيمتان ؛ يصعب وصفهما بالكلمات العادية ؛ كل منهما تفوق الأخرى ؛ النبي الذي ترك للبشرية تعاليم لو سارت عليها لأصبح الإنسان إنسانا بمعنى الكلمة وهو ما كان يطلبه الله في خليقته منذ البداية  والنبي الذي تمت على يديه معجزات لا تعد ولا تحصى وكلها تشير إلى لاهوته  لأنه لا يوجد في البشر من يمكنه القيام بمثلها ؛ شفاء من كل الأمراض ؛ إقامة موتى ؛ إخراج أرواح شريرة بالجملة ؛ معجزات كلها تفوق فكر العقل البشري ؛ كان نبيا فوق مستوى الأنبياء جميعا لأنه قال عن يوحنا المعمدان الذي جاء ليعد الطريق أمامه  أنه أعظم من نبي فمن المؤكد أنه ذاته كان نبيا أعظم وأعظم أتى برسالته السهلة البسيطة وبدون تعقيدات حتى لا تكون صعبة على البشر العادي ؛ رسالة تحمل السلام والمحبة والتعاطف بين البشر ؛ لو اختصرت فقط على موعظته على الجبل لاجتاز الأنسان عتبة سمو الأخلاق . هذه الرسالة تركها مع تلاميذه ليكونوا مبشرين بها في جميع العالم؛ ترك رسالته للبشرية ليتقدم بعدها إلى رسالته الأصعب من أجل أن تحيا البشرية للأبد؛ حياة لا تخطر على بال ولا قلب بشر ما أعده الله لمحبيه؛ يتألم ويهان ويصلب على الصليب من أجل أن تحيا البشرية للأبد. مات من أجلها وقام من أجلها؛ تحمل عقاب خطيئة البشرية بكل محبة ودفنها معه على الصليب ليقوم وتقوم معه البشرية وتأخذ طريقها إلى باب السماء. أن يأتي السيد المسيح متجسدا بالروح القدس في أحشاء السيدة العذراء مريم  يحمل ناسوت البشر ويحمل لاهوت الآب لنقول " بسم الآب والأبن والروح القدس إله واحد آمين " ليست بدعة ولا هرطقة ولا كفر بالله لكنها حقيقة لا تحتاج لتشبيهات أو أي دفاع عنها؛ لأنها كلها تدور في مسار الله الواحد لو فكرنا فيها بعقولنا وبالمنطق السليم  ؛ لأن الله الواحد الذي خلق كل شيء بدءً بالأرض والسموات وأنوارها من الكواكب والنجوم وصولا إلى خلق الإنسان نفسه لا ولن يستعصي عليه عمل أي شيء ؛ الله له عقل وفكر ليس محدودا بأي شيء كعقل البشر المحدود الذي خلقه الله فيه وأعطاه فرصة للتمدد والاتساع والوصول إلى مستويات عالية جدا من الفكر كهؤلاء العلماء الذين وصلوا إلى القمر والمريخ وأعلى درجات التقدم في الطب والهندسة والعلوم وجميع الفروع الأخرى لكن جميعهم لا يستطيع أن يتعدى نقطة محددة  يتوقف عندها ولا يمكنه الوصول إلى لا محدودية العقل الإلهي ؛ كيف نشك ولو للحظة واحدة أن هذا العقل غير المحدود له القدرة أن يستخدم روحه القدوس ولاهوته ليكون له أبن غير تناسلي يأتي كمثال البشر ليكون قريبا منهم  ويفديهم من خطيئتهم المتوارثة ويأتي أيضا  في صورته هو  ليكون إلها نرى من خلاله الإله غير المنظور الذي لم يتمكن النبي موسى بكل قربه منه أن يراه ؛ لكن الله بكل شفقته على البشر أعطاهم الفرصة من خلال الأبن السيد المسيح لكي يروه ولا يشك أحد في وجوديته ؛ كل هذا رأيناه في الأبن يسوع المسيح الذي فدى البشرية على الصليب وأيضا رأيناه كإله يقيم الموتى ويشفي كل الأمراض بل ويخلق عيونا للإنسان الذي ولد أعمى ؛ خلق له عينين من الطين وهو نفس الطين الذي خلق منه الله في البداية آدم ؛ بل وكان نبيا أعطى للبشرية أجمل تعاليم ليكون الإنسان صالحا أمام الله وصالحا مع الإنسان رفيق الحياة وترك وصاياه الخالدة في موعظته على الجبل . لا؛ لا يجب أن نندهش أمام ما يردده المسيحيون دائما " بسم الآب والأبن والروح القدس إله واحد آمين " الله موجود والأبن هو منه والروح القدس هو قوته المنبثقة منه وغير المحدودة ليكون الثلاثة متمثلين في الله الواحد خالق كل شيء ولا يقف أمام إرادته أي شيء ولا ينقص من عظمته الإلهية الأبن الذي أتى بناسوت البشر لفترة محددة لغاية تظهر فيها محبة الله للبشر ولاهوت ظهر في كل معجزاته وقيامته من الموت ثم صعوده إلى السماء لنؤمن أن الله فيه وهو في الله. بالحقيقة السيد المسيح أتى وصُلب وقام ليعطي الإنسان رجاء الحياة الأبدية.