وحده كفيل بقتل كل ما تبقي بقلم مراد ناجح

وحده كفيل بقتل كل ما تبقي بقلم مراد ناجح
وحده كفيل بقتل كل ما تبقي بقلم مراد ناجح
 
 
 
يبدو اختطاف ..
نعم , بالأمس تحدّثنا طويلاً , ذكرياتنا معاً أمام فُرن الخبيز , وكيف كنت استعجلها في شواء البطاطا , حتي أكون اول من يأخذ نصيبه منها , تحدّثنا كثيراً عن أبي , وكيف كان يتلعثم في الكلام وتدمع عيناه , عندما يتحدّث في التليفون الي أحد إخوته الذين استوطنوا بلاد أخري , بحثاً عن حال أفضل , أو حصلوا علي وظائف في مناطق نائية , وكيف كان يدسُّ في جيبه الحلوى بعد عودته من العمل ليلاً , حتى نفاجأ بها صباحاً , ويبدأ شجارنا مختلطاً بسعادة , حول تبديل واحدة بأخرى , كانت هي مَن يقوم بالترضية بيننا دون اعتراض , بالأمس ضحكنا كثيراً , تذكّرنا سقوط أختي من الطابق العلوي , ولولا رعاية الله لتهشّمت رأسها وتكسّرت عِظامها الصغيرة , وعن جدّتي التي أرهبت بمفردها حرامي الفراخ وجعلت منه 
قط هارب علي حوائط الجيران .
بالأمس فقط , ومابين الأمس واليوم , كذر التراب في العيون , أصاب الكثيرين وأصابنا منه الكثير , لم تهتز أعمدة البيت جرّاء زلزال أو انهيارات أرضية , ولكنها تصدّعت أحجاره حجرًا حجرًا , رقدت أمّي وهي التي أرهقت الأحزان جرياً في ساحاتها ولم تحصل منها علي شئ , اعتدنا عليها قويّة شاهقة , تهدهد ثورة الأيام بابتسامة غضّة , فتورق ربيعاً بين جنبات البيت , نلتف حولها كدجاجاتها , نلقم من فمها أعذب الحكايات , واصدق الأحضان , اليوم نلتف حولها نئن من طأطأة رأسها لقسوة المرض , نتسابق دوماً في تلبية طلباتها بخفّة الطير , ( كورونا ) هذا المرض اللعين , أزاح غطاءاً عن مشاعر , توهّمنا طويلاً قوّتها , وهي التي كانت تتّكئ علي عصاً نخرها السوس , تركناها تصارع الموت في غرفة صغيرة , بَعد عَنَاء طويل ومداولات لا تخلو من هروب وخوف , تطوّعت أختي الصغرى بمرافقتها , كنت اخشي أن يجتمع الكل علي أن اكون من يصاحبها , فأنا الابن الأكبر , وقد مُدللاً في علاقتي بها , حتى أنّهم كانوا يقولون لها ( هو انتي ماخلِّفتيش غيره ) , أي حُب هذا الذي أتحدّث عنه , وأي تضحية سوف أتحدّث عنها غداً , وأنا هارب داخل قوقعة من الخوف , تكاد أن تقتلني .
أحجار ثقيلة ترقد فوق الصدر , لكن دقّات قلبي تصارعها دفعًا لأعلي , لا شهية للطعام , تتلاطم الساعات جريًا كموج البحر , تشبه بعضها بعضًا , لا ليل يفصلها ولا نهار , الانتظار وحده كفيل بقتل كل ما تبقي من حياة بداخلنا , رنّات الهاتف المحمول تؤرق في نغماتها أي إحساس بالهدوء , لعلها تحمل حُزنًا اكبر , أو انفراجة , لكن اشاراة الأطباء ونظراتهم لبعض , تنبئ عن حدث جلل ينتظرنا , صعود وهبوط مؤشر نبض القلب , يعني تراجع الحالة , وتدهورها , مؤشر نبض القلب يهبط كثيراً بشكل مفاجئ , تتصبب عرقاً في فراشها , أغمضت عينيها , كانسدال ستار علي نهاية فصول المسرحية , اجتمع الابطال المزيّفين لتحيّة الجمهور , ببكاء وعويل , بعدما تواري البطل الحقيقي خلف الكواليس .