د. مصطفى تيليوا : السياحة الثقافية تساهم بشكل كبير في التنمية المستدامة وعشقت التاريخ فكتبت عنه وصارعت الزمن

د. مصطفى تيليوا : السياحة الثقافية تساهم بشكل كبير في التنمية المستدامة وعشقت التاريخ فكتبت عنه وصارعت الزمن
د. مصطفى تيليوا : السياحة الثقافية تساهم بشكل كبير في التنمية المستدامة وعشقت التاريخ فكتبت عنه وصارعت الزمن
 
 
حوار : أحمد طايل 
 
الدكتور مصطفى تيليوا من مواليد 1970 بمدينة الرشيدية بالجنوب الشرقي للمملكة المغربية ، رئيس مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث، حاصل على الدكتوراه في العلوم الإنسانية، باحث في التاريخ والأنثروبولوجيا الثقافية، أستاذ مؤطر بالإجازة المهنية في السياحة والتراث والتنمية المستدامة بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية ،يشرف على إدارة عدة ملتقيات ومهرجانات ثقافية أبرزها "موسيقى الأعالي" و"موسيقى الصحراء"، والمهرجان الدولي لثقافات وحضارات شعوب صحاري العالم. عضو فعال وبارز بمجموعة من المنظمات الوطنية والدولية... من إنتاجاته العلمية كتاب باللغة الفرنسية Potentialités culturelles et touristiques de la région du Tafilalet والذي تمت ترجمته إلى ثلاث لغات العربية والانجليزية والإسبانية، وكتاب "الأهمية السوسيوثقافية للسياحة الواحية والصحراوية" وكتاب "السياحة والثقافة وتأهيل الواحة أهم رهانات التنمية بإقليم الرشيدية" . له عدة ترجمات لكتب ودراسات جد هامة كان اخرها ، " التراث العمراني في المغرب، بين التحديات والحفاظ واعادة التأهيل" سنة 2022. كما أن الدكتور مصطفى تيليوا يدير ويرأس هيئة تحرير مجلة "واحات المغرب" وهي مجلة علمية محكمة تصدر باللغات العربية والفرنسية والانجليزية والتي تسلط الضوء على المجال والإنسان والتنمية المستدامة بواحات المغرب وواحات العالم عموما. ويعتبر هذا الإصدار وثيقة مرجعية ترصد مجال الواحات باعتبراها فضاءات تعكس ملامح المجتمع الواحاتي في مختلف تمظهراته في الزمان والمكان من خلال العديد من المقالات التي تتوخى أن تكون طرحا جديدا في الساحة الثقافية والعلمية الوطنية والدولية ، من خلال رصد وتحليل التحولات الهيكلية الكبرى التي باتت تشهدها المجالات الواحية على المستوى الاقتصادي والبيئي والسوسيو- ثقافي خلال العقود الاخيرة، دلك أن الواحات التي تعتبر بمثابة فضاء للتزود بالماء وللراحة، كانت دائما تقوم بدور أساسي في مجال التبادل والانتاج ، بحيث كانت وراء ارساء الطرق التجارية التي تعبرها القوافل مما خلق علاقات للتبادل والتفاعل بين الحضارات الافريقية والاورو-اسيوية. مما جعل هذا الاصدار يشكل فضاء علميا لرصد مختلف الاختلالات التي تعيشها مناطق الواحات واتاحة الفرصة لمختلف الباحثين والمهتمين لتدارس المقاربات والمداخل الممكنة للحد من التدهور الخطير الذي تعيشه المجالات الواحاتية مما يؤثر سلبا على الانظمة الايكولوجية و"زعزعة الاستقرار الاجتماعي والثقافي للتجمعات البشرية الواحاتية.
 فضلا عن اصداره لمجموعة كبيرة من المقالات والأبحاث نشرت بالعديد من المجلات والدوريات الأكاديمية داخل المغرب وخارجه.
تم انتخابه عضوا ممثلا للمغرب في المجلس الاستشاري لمؤسسة الفضاء الاورومتوسطي لحوار الثقافات، الذي يضم شخصيات وفعاليات من جنسيات مختلفة، المغرب،مصر ، تونس، ألمانيا، فرنسا، اسبانيا، والسنغال، خلال الجمع العام العادي الذي احتضنه مقر المؤسسة  بشتوتكارت بألمانيا يوم 26 دجنبر 2015،
وفي إطار اهتمامنا بالتراث ومساهمتنا في ترسيخ ثقافة العناية به والعمل على استثماره في التنمية ، وإيمانا منا برسوخ قدمه وعلو كعبه في هذا المجال، يسرنا استضافة الدكتور مصطفى تيليوا ، في هذا الحوار الشيق الدي تم تخصيصه لموضوع .............والدي قدم فيه مجموعة من المعطيات القيمة، التي لا يمكن للفاعلين والمهتمين تجاهلها بأي حال من الأحوال.
 
 
احدثنا عن البيئة والنشأة الأسرية والمجتمعية التي أسست بداخلك الشغف لمجال البحث ؟
حين تغرم بالواحة وبالمكان وتسخر وقتك كله لكل شبر من منطقتك تبحث في قصباتها وقصورها وتاريخها وتبحث في اصول تراثها  والمداخل والمقاربات الممكنة لتنميتها ،وتدفعك بحوثك لان تتبنى طروحات اعادة الحياة لتاريخ المنطقة، فان غرامك هذا له اسبابه وعوامله وأهمها أن تربة هذه المنطقة هي من عجنتك واخرجتك الى الوجود وطلبت منك ان تكون وفيا مخلصا لها ولتاريخها.
من طفل رأى النور بمدينة الرشيدية  بالجنوب الشرقي للمملكة المغربية، ومن عائلة عريقة ومتجذرة في المدينة سأنطلق نحو الدراسة، وأنا أرى يوميا امامي عدد من القصبات والقصور والتي أصبحت أثرا بعد عين، بمدرسة النخيل (ابن خلدون حاليا) أطوي السنوات بكل جد وبتميز لألتحق بثانوية سجلماسة متحديا كل المقررات الطويلة وأحصل على شهادة الباكالوريا بامتياز، لألتحق بفاس (العاصمة العلمية للمملكة) لإكمال دراستي الجامعية بجامعة سيدي محمد بن عبدالله شعبة العلوم الإنسانية لعلي أفك شفرات التاريخ عموما وأفهم فلسفته ومنطقه ولأعمق البحث في تاريخ المغرب عموما و منطقتي على الخصوص.
هكدا أصررت على اكمال دراستي والتعمق في البحث والتنقيب والحصول على شهادة الدكتوراه دائما بامتياز بدرجة مشرف جدا في تخصص الأنثروبولوجيا الثقافية، واضعا أمام عيني منطقتي كهدف استراتيجي لفك الغازها التاريخية وتفكيك الاشكاليات التي تعوق تنميتها...
 
 
  أرى أنك مولع بالتاريخ والتراث وهما عنصران مهمان بعالم السياحة، ما الذي حفزك لاعتراك هذا المنهج؟
عشقي وغيرتي على تاريخ وتراث بلادي  وخاصة الجهة التي أنتمي اليها ،جعلني أنحو في دراستي نحو الميدان مستحضرا كل النظريات التاريخية التي درستها ومستعينا بالأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع ونظرياته لعلي أفهم وأقدم حلولا عملية لمنطقتي ولقصباتها وقصورها ومواقعها التاريخية، وأحولها الى منتوج ثقافي يساهم في تنمية المنطقة عبر ما يعرف بالسياحة الثقافية والايكولوجية  في ارتباط  باقتصاد التراث. 
عشقت التاريخ وكتبه وصارعت الزمن من أجل فهم أسراره وخصوصا تاريخ وتراث منطقتي، ما جعلني أتفرغ للتنقيب بين المكتبات الوطنية والدولية.. لعلي أعثر على كتب ومراجع تشبع فضولي المعرفي.
 
 
السياحة والثقافة أحد عناوينك، ما الطرح الذي أردت أن تلقى الضوء عليه؟
لقد أصبحت التنمية المحلية اليوم المقولة المركزية في التفكير الاقتصادي على المستوى العالمي، ذلك أن المستوى المحلي هو مهم كذلك لفهم ظواهر الاقتصاد العالمي، الشيء الذي دفع الدول والاتحادات والتكتلات إلى الرجوع إلى المقاربة الجهوية والمحلية لتطوير نسيجها الاقتصادي وتمتين وصلابة نسيجها الاجتماعي ومواصلة اندماجها. وهكذا وتحت ضغوطات عديدة تتمثل أساسا، في تعثر النمو الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة وتزايد الاختلالات المجالية والبيئية والثقافية والاجتماعية، أصبحت التنمية المحلية دعامة أساسية لإرساء قواعد صلبة للديموقراطية المحلية، وترسيخ الروابط الاجتماعية.
ويفرض كل هذا، على جميع الفاعلين المحليين الشعور بالمسؤولية اتجاه قضايا التنمية المحلية، وهي قضايا من اختصاص الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية والثقافية المحلية. ولبلوغ هذا المطلب لابد من إعطاء الاقتصاد الإعلامي واقتصاد المعرفة، مكانة رئيسية في بناء كل استراتيجية محلية للتنمية، عن طريق توسيع قاعدة المعلومات، والبحث في كافة المجالات والقطاعات التي من شأنها تلبية حاجيات السكان المختلفة الآنية والمستقبلية، ولعب دور الحد المشترك بين عوالم البحث والإنتاج، وتمكين الوحدات الترابية من تكوين مصادر الثروة تحت جميع الأشكال: أفكار – ممتلكات – خدمات وغير ذلك. ومن هذا المنظور، أصبح الرهان الأول بالنسبة للوحدات الترابية، هو التحكم بشكل جيد في وتيرة الاختلالات ومحاولة توجيهها ومراقبتها في افق الحد منها أو القضاء عليها، وخلق شروط مصالحة الإنسان مع المجال والتفاعل المثمر بين المكونات والإمكانيات، تبعا لواقع الوحدات الترابية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومجاليا وبيئيا
إن احتكاكنا الدائم بالمنطقة، واطلاعنا على الكثير من الكتابات سواء القديمة أو الحديثة، ومشاركتنا في تأطير العديد من الأبحاث والدراسات الميدانية، بشراكة مع جهات وطنية ودولية...كل هذا جعلنا نفكر بجد في تشخيص واقع المنطقة وإبراز مؤهلاتها، وذلك للمساهمة في بلورة الأفكار والاختيارات المرتبطة بالتنمية المحلية بكافة أشكالها وتمظهراتها. فمناطق الواحات ليست فقط مجالا تهيمن عليه مشاكل التصحر والفقر... وإنما هي أرض حضارة وإرث وطني يجب الحفاظ عليه. فالمسألة ليست تقنية صرفة، وإنما هي أيضا مسألة ثقافة.
إن كل مقاربة علمية رصينة للشروط والعوامل التي ينبغي توفرها من أجل تحقيق تنمية مستدامة بمناطق الواحات، تستلزم منا استحضار المؤهلات والإمكانيات الكبيرة التي تتوفر عليها. وفي هذا الإطار، يمكن القول بأن السياحة، ومؤهلات الموروث الثقافي.. والموارد الطبيعية...تشكل أهم الركائز والآليات التي يمكن اعتمادها في بلورة مشاريع تنموية مندمجة ومستدامة، وبالتالي تأكيد استمرار الواحة وتحولها وقدرتها على التكيف مع التحولات الجيوسياسية والإقتصادية الحالية.
في المقابل يجب أن نعترف أولا بأن قيمة هذا التراث الثقافي متجدرة في أصالته، وهي بطبيعة الحال أصالة موشومة جدا. ومن هنا أهمية ودقة بل وحساسية الموضوع، انطلاقا من كون هذه الأصالة، هي تقريبا غير متجددة.
إن مكونات التراث، من نقوش صخرية وهندسة معمارية وعادات وتقاليد... إن تم تدميرها أو إتلافها، فانه لا يمكن أبدا إعادة بنائها. وحتى إذا حاولنا ذلك، فإن العملية ستكون مصطنعة وبالتالي مشوهة..
حماية هذا التراث إذن، تتم فقط من خلال تثمينه وإعطائه القيمة التي يستحقها. وهذا ما يمكن ترجمته إلى واقع عملي، بإقرار تنمية مستدامة بمناطق الواحات، مع ضمان الآليات الكفيلة بتفعيلها. في هذا الاتجاه، فإن كلمتي حماية وتثمين (Valorisation et Sauvegarde) ليستا متناقضتين. بل بالعكس، يمكن أن يشكلا مفهومين متكاملين.
إن حضور المقاربة الاقتصادية هنا، يبقى أمرا طبيعيا وواقعيا للغاية. ذلك أن كل ما أوردناه من معطيات في السابق، يمكن ترجمته داخل كلمة "سياحة". وهنا نقف عند النقطة الأكثر تعقيدا في الموضوع الذي نحن بصدد تحليله، على اعتبار أن السياحة هي في الغالب مفهوم مناقض للثقافة، وربما أيضا لفكرة الحماية التي سقناها سابقا، حيث تبدو لنا السياحة في تجلياتها حركة تدميرية بامتياز، كونها تشكل خطرا على ماهية ووجود التراث الثقافي والفني نفسه.
بيد أن ذلك لا يكون صحيحا، إلا إذا تركنا النشاط السياحي للمبادرة غير الموجهة والمتحكم فيها من طرف الفاعلين السياحيين. يمكن أن نقدم هنا مثالين وجيهين الأول: كون السائح لا يكون مرافقا بمرشد محترف ومطلع بشكل جيد على مقومات التراث ورموزه، بل غالبا ما يستأنس بما يزوده به السائق المحلي. ومن ثمة لا يمكننا أن ننتظر عودة هذا السائح إلى دياره بمعارف ومعلومات صحيحة عن المواقع التي زارها. المثال الثاني أن بعض المواقع النيوليتية وغيرها، نهبت محتوياتها، وتم عرضها للبيع مقابل بضعة دراهم. هناك ظاهرة أخرى لا تقل خطورة على مستوى تدمير المواقع، وإن كانت السياحة لا علاقة لها بها. يتعلق الأمر بالمقالع الحجرية المفتوحة على المواقع الصخرية، والتي ينقل منها السكان البلاطات من أجل بناء منازل وسياجات خاصة بهم.
إذا كان الهدف من حماية التراث والمحافظة عليه، هو العمل على تأخير اندثاره، وتمديد استمراره في الزمان، من خلال تحدي عوامل الطبيعة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح، هو معرفة كيف يمكن استغلال واستثمار هذا الرأسمال الفني والتراثي الذي تمت حمايته وصيانته، بعد أن تكون الأبحاث العلمية قد فرغت من دراسته وتحليله؟
إن المتلقي الطبيعي والضمني لكل عملية حماية وصيانة، هو الجمهور وبتعبير أدق المجتمع. ومن ثمة، فإن السياحة الثقافية هي عملية ممكنة التحقيق والتحقق: وحده انفتاح المجتمع على هذا التراث وانتشار المعلومات وتداولها، ثم معرفة واستلهام القيمة الحقيقية لهذا التراث، الكفيل بضمان عدم اندثاره.
 
 
  بصراحة تامة هل تجد ترحيبا من الأوساط الفكرية والمهتمين بالشأن الثقافي والسياحة، مما يدفعك للسير بذات الدرب؟
الواقع أن ايماني الراسخ بأهمية السياحة الثقافية في تحقيق التنمية المستدامة، واشتغالي على الموضوع علمي وأكاديميا وميدانيا مند عشرات السنين. جعل مختلف الفاعلين في مجال السياحة والثقافة والتنمية، خاصة في الجهة التي أنتمي اليها، ينتبهون الى أهمية الموضوع، من خلال استثماره بشكل علمي والحرص على ادراجه في مختلف البرامج والسياسات العمومية دات الصلة. كما أنني نجحت في اقناع  بعض المؤسسات الجامعية لإدراج مسلك " السياحة والتراث والتنمية المستدامة" في البرامج والدراسات الجامعية..وهده كلها مؤشرات تجعلني أتشبت أكثر بالمزيد من البدل والعطاء في هدا المجال.
 
 
ما رسالتك من خلال كتاباتك واهتماماتك؟
تجربة طويلة في مجال البحث وفي حضور المؤتمرات والندوات العلمية الدولية والوطنية، وكل ما يرتبط بالمشاريع التنموية الخاصة بمناطق الواحات في جميع تمظهراتها، كل دلك وغيره مكنني من اكتساب صفة خبير في التنمية الثقافية والمجالية، سيما في مجال الواحات ،وهوما مكنني من اعداد العديد من الدراسات والمشاريع الثقافية والتنموية دات قيمة علمية وتنظيرية غاية في الأهمية بشهادة خبراء في المجال، منطلقا من الواقع ومن عين الباحث الخبير بمختلف الاختلالات والامكانات التي تزخر بها مختلف مناطق المغرب، والتي من شأن استثمارها بشكل عقلاني ومفكر فيه وفق استراتيجيات علمية مدروسة، أن تساهم في تحقيق التنمية المنشودة للساكنة ، ولعل الحلم المؤرق الدي ظل يسكنني وما يزال ، ويصاحب كل سكناتي وحركاتي هو أن أرى الجهة التي أنتمي اليها تحقق درجات متقدمة من التنمية المستدامة.. ، وأن تحقق ساكنة المنطقة مستويات مهمة من العيش الكريم.
ولعل الرسالة التي أحملها وأترافع عنها مند عشرات السنين ، هو أنه إذا كنا نتطلع إلى مستقبل جديد لمجتمعنا، فإن هذا التطلع لن يكون بعيدا عن الثقافة، ودورها الحيوي في التنمية الثقافية والاجتماعية والتطور الشامل. فالثقافة لها فاعلية لا يمكن قياس درجتها وحجمها ومساحتها وزمنها، بل ولا تعادلها آية قوة أخرى، والحضارات إنما تنهض بالثقافة ولا تنهض بغيرها، كما نهضت الحضارة الإسلامية بقانون (اقرأ).وإذا كان لكل أمة شخصيتها الخاصة، فإن الثقافة هي التي تنسج هذه الشخصية وتبلور ملامحها الأساسية.
والثقافة بمعناها الشامل، ترتبط بشكل وثيق بهوية وتاريخ وتراث وتقاليد وآداب أي مجتمع من المجتمعات البشرية. كما برهنت على ذلك دراسات علم الاجتماع والأنتروبولوجيا. وليس هناك تطور بلا ثقافة، ولا تنمية بلا ثقافة
إن أي تطور ننتظره لمجتمعنا لن يكون بعيدا عن مشاركة الثقافة. وإن شرط هذا التطور أن يسبقه تطور ثقافي يرفع مستوى الناس إلى الاستعداد لخلق تطور جديد، وهذا يعني أن من أهم معوقات التطور الاجتماعي في مجتمعنا، هو محدودية الثقافة، إذا لم يكن غيابها.
إننا على الصعيد المحلي والجهوي بل وحتى الوطني نعايش، ومنذ فترة غير قصيرة، تحولات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية غير متوازنة، ولا ترافقها عملية ثقافية لضبط هذه التحولات، وموازنتها بالشكل الذي يقلل من مضاعفاتها السلبية. وما هو جدير بالانتباه، أن مجتمعنا اليوم، قد بات خصبا لتحولات ومفاجآت في اتجاهات مختلفة متوقعة وغير متوقعة ولا تعرف نتائجها ومضاعفاتها.
إن البناء والتقدم الاجتماعي، نتيجة طبيعية ومنطقية لتراكم ثقافي ومعرفي، ومن دون هذا التراكم، فليس هناك بناء للإنسان والمجتمع. والمشكلة أن الإنسان عندنا قد يميل إلى المظهر، ويغفل الجوهر، ولا يعيش  الثقافة في حياته، ولا يكاد يقترب منها إلا بصعوبة. وهذا يصدق على مختلف أشكال وأنماط الثقافة. ومازالت الثقافة تعيش على هامش الحياة وتأتي في المرتبة الثانوية، حيث يتقدم المال على كل شيء.
في ظل التطورات والتحديات الراهنة المطروحة بإلحاح على مجتمعاتنا، يبدو الحديث حول قضايا الثقافة والتنمية من موجبات المرحلة وضرورات الراهن... وذلك لكي تساهم المضامين الفكرية والثقافية والمعرفية في توجيه حركة الراهن، وصولا إلى المشاركة في صياغة مستقبل الأمة والعالم. وليس ثمة إمكانية لمغادرة المشاكل التي تعتصر واقعنا وتكبله بالعديد من القيود، إلا بتأسيس سياق اجتماعي ثقافي قوامه تطوير العلاقة بين ما هو ثقافي وبين ما هو تنموي. إذ لا تنمية حقيقية في أي حقل من حقول الحياة، إلا بتنمية ثقافية تحفز الجميع وتطور مواهبهم وتصقل كفاءاتهم، لكي يشتركوا بإرادة مستديمة في كل مشروعات البناء والتنمية، فإذا أردنا التنمية، فعلينا أن نتشبث بكل الأسباب التي تطور الحقل الثقافي وتفسح له المجال للمشاركة في الحياة العامة.
إن الثقافة وفق هذا السياق هي فعل تنموي بامتياز، حيث انها تتجه إلى تهيئة المناخ الاجتماعي للانطلاق في رحاب العمران والبناء. وإذا نظرنا إلى التجارب التنموية الناجحة في العالم، فإننا نكتشف بشكل لا لبس فيه أن الثقافة من الشروط الأساسية لنجاح مشروعات التنمية، وذلك لان الثقافة وعبر وسائطها المتعددة، تتجه في جوهرها، نحو تطوير التنمية البشرية والإنسانية التي هي الشرط الضروري لأي تنمية أخرى. فالثقافة تصنع الإنسان القادر على تنفيذ كل تطلعات الوطن والامة في تنمية اقتصادية واجتماعية مستمرة.
إن العلاقة إذن بين الثقافة والتنمية هي علاقة عميقة ومتشعبة. ولا يمكننا أن نحصل على تنمية إلا بالبدء بمشروع التنمية الثقافية التي تطرد كل موجبات التأخر عن الركب الحضاري.
 
 
 
كيف من وجهة نظرك نعيد الحياة إلى الوعى  بالتراث والثقافة ؟
وقبل أن نفصل القول في هذا الموضوع، يجب أن نتفق على ان أصل الاختلالات المجالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية... بالرغم من الإمكانات الهائلة التي قد  نتوفر عليها ، هو في العمق مشكل ثقافي، فيجب أن ينتبه الجميع إلى أنه لا تنمية ولا تطور بدون الاستناد إلى عمق ثقافي.
إن التراث و الثقافة، وهي الوجه الآخر للمشروع الحضاري، لا تقل أهمية عن التنمية الإقتصادية والاجتماعية ذاتها. فما هي إذن طبيعة العلاقة التي تربط بين هذه وتلك؟ هل تسبق الثقافة التنمية وتحرض عليها وتخدمها؟ أم على العكس من ذلك، التنمية تتحقق أولا، ثم بدورها تدفع الثقافة إلى مستويات أعلى؟ أم أن ثمة تنافسا بينهما على الوارد المادية والبشرية المتاحة، بحيث نضطر إلى أن نختار بينهما، او أن نحدد لكل منهما مكانه في جدول الأولويات؟ أم أخيرا أن العلاقة بينهما ذات طبيعة جدلية متبادلة، بحيث تتحققان معا في صيرورة زمنية واحدة؟
إن مفهوم الثقافة  تجاوز ما كان يرمز إليه من حدس وجمالية إلى تعددية ثقافية تشمل ميادين أخرى كالاقتصاد والبيئة والسياسة، وتتجاوز حدود الفن والمعرفة لتندمج في مجالات أوسع تتصل برسم المقاربات الإستراتيجية وأخذ القرارات...
ومن ثمة ضرورة تعميق التفكير حول التداخل القائم بين الثقافة والتنمية والمحيط، كنموذج مرجعي وشرط لتقدم المجتمع ورفاه الأفراد، والتساؤل بخصوص علاقة التعابير الثقافية بالمهن المتصلة بها، كتحديد المهن في المجال الثقافي، وفق خصوصيات المجتمعات وضبط تقنيات التواصل حسب المنظمة والمؤسسة الثقافية، وإمكانية إسهام الثقافة في تقليص نسبة البطالة.
لقد واجه بعض الاقتصاديين الثقافة، ووجدوها مفيدة في فهم التنمية الاقتصادية. ربما تأتي معظم البيانات الواضحة والرئيسة بقلم ديفيد لاندس: "كان ماكس ويبر على صواب، فإذا تعلمنا شيئا من تاريخ التنمية الاقتصادية، فهو أن الثقافة هي المعنية تقريبا."
وبالتوسع في فكرة لاندس الرئيسة حول الموضوع، كتب الاقتصادي الياباني بوشيهارا كيونيو "إن أحد أسباب تطور اليابان هو انها تملك ثقافة مناسبة لذلك". فلقد علق اليابانيون أهمية على المساعي المادية، العمل الجاد، الإدخار للمستقبل، الاستثمار في التعليم، وقيم المجتمع
هكذا نقف على أهمية الاستثمار في الوعي بالثقافة والتراث لتحقيق التنمية بمختلف مستوياتها.
 
 
  ما أهمية السياحة الثقافية إقليميا وعربياً ودوليا ؟
إن السياحة الثقافية من أهم أنواع السياحة التي من أجلها يتدفق الناس نحو بلد معين، فهي تقوم على اهتمام الناس بتاريخ وشكل الحياة في المجتمع بكل مفردات هذا التاريخ من فنون ومعمار وطقوس دينية مجتمعية وثقافة شعبية وغيرها، وغني عن البيان أن عالمنا العربي والاسلامي والعديد من دول العالم تمتلك موروثاً كبيراً من التراث المادي واللامادي، بالإضافة إلى حداثة تعمل على بناء مستقبل حضاري إنساني عميق، وبنية تحتية ثقافية جاذبة للسياحة الثقافية العالمية 
دلك أن كل هذه العوامل تساهم بصورة كبيرة في تحقيق تدفقات سياحية ثقافية عالية. كما أن السياحة الثقافية تعتبر من أهم روافد القوة الناعمة التي تمتلكها أي دولة والتي تعزز سمعتها ومكانتها في العالم
والعالم العربي خصوصا يملك تاريخاً وتراثا عريقاً يمتد لألاف السنين، وقد ترك لنا هذا الإرث التاريخي الكثير من المواقع الأثرية التي باحت بأسرارها التاريخية والحضارية عبر الكشوف الأثرية المتعددة، وتُظهر تلك الأماكن عمق التواجد الإنساني والموروث الحضاري في العالم العربي، وتكتسي قيمة أثرية وعلمية كبيرة، وخاصة أنها تعطي علوم الأنثروبولوجيا والعلوم الأخرى المرتبطة بها المجال لدراسة كيفية تعامل الإنسان الأول مع الظروف المناخية الجافة والصحراوية، وكيف بنيت وتكونت المجتمعات في ظل هذه الطبيعة الجغرافية الخاصة، وهذا يعزز رافداً آخر من روافد السياحة هو السياحة العلمية، 
إن السياحة الثقافية والاهتمام بها تمثل عنصراً داعماً لترسيخ الهوية العربية والاسلامية، فكون عناصر هده الهوية تمثل إطاراً جاذباً للعالم كله، فهذا يساهم في تعزيز شعور الإنسان العربي والاسلامي بمدى أهمية وقيمة تراثه المادي وموروثه اللامادي والأخلاقي والإنساني، ويعزز تماسكه واحترامه لتاريخه. كما أن نمو الجذب السياحي عبر الحراك الثقافي التاريخي العربي ومفرداته ومعطياته، والحراك الثقافي الحداثي عبر التطور من خلال سياحة المؤتمرات والسياحة العلمية ومعارض الكتاب بأهم العواصم العربية والاسلامية ، ينعكس على التماس الثقافي المستمر مع مختلف دول العالم وتبادل التأثر والتأثير مع مختلف الثقافات وجذب العديد من المفكرين والفلاسفة والمبدعين والعلماء على مستوى العالم إلى عالمنا العربي، وهو إضافة حقيقية وكبيرة للحركة الثقافية التنويرية في المجتمع الذي يزداد شغفه يوماً بعد يوم بتحقيق الريادة الثقافية والمساهمة الفاعلة في الحضارة الإنسانية الحديثة من خلال المنتج الثقافي بمختلف روافده
وفي هدا السياق وجبت الاشارة الى أن المغرب قد حقق تصنيف جد متقدم في قائمة الدول المؤثرة في العالم بقوة الثقافة والتراث حسب تصنيف "مؤسسة براند فينانس". حيث احتل المغرب الرتبة الأولى مغاربيا و 36 عالميا في قائمة الدول التي تؤثر بقوة الثقافة والتراث، حيث تقدم ب16 درجة مقارنة مع السنة الماضية. ويتم هذا التصنيف بناء على أبحاث ميدانية ومقابلات يقوم بها مختصون من هذه المؤسسة الدولية التي تصدر مؤشر التأثير في العالم عبر القوة الناعمة   (Soft Power)
وهو ما يؤكد أهمية انخراط مختلف الدول العربية في ورش الاهتمام بالثقافة والتراث ومختلف مجالات السياحة الثقافية، بغية الاصطفاف في مصاف الدول المؤثرة في العالم بالثقافة والتراث أو ما يعرف بالقوة الناعمة.
 
 
مسئولى الثقافة  والسياحة العربية؟  رسائل توجهها إلى كل من
يكشف تحليل قطاع السياحة في البلدان العربية خلال العشرين سنة الماضية، بالرغم من المجهودات المهمة المبدولة، أنه يواجه عددًا من الاختلالات الهيكلية، (مع اختلافات واضحة من دولة الى وأخرى)، نذكر من بينها،
استراتيجيات تواجه صعوبات في سبيل تحقيق أهدافها المرسومة؛
قصور أساسي على مستوى آلية القيادة ؛
صعوبات على مستوى تمويل القطاع؛
آلية ترويج وتسويق لا تواكب التحولات؛
.. غياب خريطة التشغيل السياحي، وأدوات القيادة بكيفية واضحة ومحددة
وبالتالي فان أبرز ما يمكن أن نقترحه من أجل إنجاح إقلاع قطاع السياحة وتموقعه الاستراتيجي على الصعيدين الاقليمي والدولي. في أفق تحسين الأداء، لا سيّما على مستوى خلق فرص الشّغل والقيمة المضافة والتنمية المستدامة. هو جملة من التوصيات تتمحور حول ستة محاور رئيسية.
ويتعلق المحوَر الأوّل بالحكامة، حيثُ يجب وضع قانون إطار للسياحة وإرساء تخطيطٍ استراتيجيّ مندمجٍ، يَضْمَن التقائية الوسائلِ والمواردِ، ويُمَكِّنُ من تَتَبُّع وتقييم مَجْمُوع سلسلة القِيمَة.
وبِخُصوص المِحوَر الثاني، الذي يتناول السيّاحة المستدامة والمسؤولة، نوصي كل الدول العربية بتفعيل ميثاقها الوطني للسياحة المستدامة، والمساهمة من خلال النظام الجبائي في النهوضِ بالاستثمارات المستدامة والمُنتِجة والمحدِثة لفُرص الشّغل والمُحفِّزة لِخَلْقِ القِيمَة في المجالات الترابية التي تَحْتَضِنُ هذه الاستثمارات واعتماد "مقاربة سياحة 365 يوما".
أمّا المِحوَر الثالث، المتعلق بالرَّقمنة، فنوصي من خلاله باقتراح منظومة للحجز والأداء لتجنب خروج العملات الصعبة وتلقي العمولات من لدن فاعلين خارج الدول العربية وكذا تطوير آلية التواصل الرقمي الرسمية بتسليط الضوء على حفز انتظارات الزبون.
وفي ما يتعلق بالمحور الرابع، الذي يتناول السيّاحة الداخلية، فًمِنَ الأهميّة بِمَكان اقتراح منتجات خاصة بالسياحة الوطنية بمختلف فروعها، على أن تتلاءم هذه المنتجات مع القدرة الشرائية للسائح المحلي. كما يتعين تشجيع السياحة الاجتماعية والتضامنية وتطوير المآوي الموجهة للشباب وابتكار عرض مناسب للجالية العربية المقيمة بالخارج، مع الأخذ بعين الاعتبار أسلوبهم في العيش وأنماط استهلاكهم في مجال الأنشطة الترفيهية والرياضية.
وبالنسبة للمحور الخامس، فيتعلق بالرأسمال البشري. وفي هذا الصدد، نوصي بالخصوص بإعادة النّظر في مسالك التكوين المهنيّ والجامعيّ ذات الصلة، منْ خلال تحيين خريطة التشغيل في القطاع السياحي والعمل على إبرام اتفاقيات قطاعية جماعية في مجال التكوين وتعزيز الكفاءات.
وأخيراً، يتناول المحور السادس التّوْطينَ الترابي، من خلال الحرص على تحقيقِ التوازُن في تنمية السياحة بين المجالات الترابية والوِجْهات السياحية. وفي هذا الإطار، وجوب إرساء الالتقائية بين الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بقطاعات السياحة والثقافة والصناعة التقليدية والشباب والرياضة والتنمية المستدامة وغيرها، والحرص على توطينها على المستوى الترابي، وبدعم تنفيذ الاستراتيجيات الجهويّة للسياحة المستدامة، منْ خلال مواكبة المجالس الجهوية في إعداد وَوَضْع مشاريع في هذا المجال ضِمْن برامج التنمية الجهوية، وتقديم عرض متنوع يتمحور حول مسارات سياحية تَعْبر عدة مجالات ترابية ذات توجه سياحي مشترك.
وغني عن البيان أن عالمنا العربي يمتلك موروثاً تاريخيا وتراثيا  كبيراً ، بالإضافة إلى حداثة تعمل على بناء مستقبل حضاري إنساني عميق، وبنية تحتية ثقافية جاذبة للسياحة الثقافية العالمية ، ما يستوجب وضع استراتيجيات وطنية واضحة للعناية بالتراث والموروث الثقافي والحضاري العربي الاسلامي في أفق تثمينه واستثماره في دعم صناعة السياحة  الثقافية .