د. بسام الخالد يكتب : الاستثمار الإعلامي والعقل العربي القاصر!

د. بسام الخالد يكتب : الاستثمار الإعلامي والعقل العربي القاصر!
د. بسام الخالد يكتب : الاستثمار الإعلامي والعقل العربي القاصر!
 
يشهد عالم اليوم تشكّل بيئة إعلامية جديدة تُسفر عن ملامحها الرئيسية بسرعة مذهلة مما لا تترك للباحثين والدارسين وقتاً كافياً للتأمل العميق والتفكير المنهجي. 
 لقد أصبح الاستثمار في القطاع الإعلامي يحقق أرباحاً هائلة، ويتضح ذلك من بعض إحصائيات عن خمس شركات إعلامية كبرى حققت تعاملاتها، " وليس قيمتها الرأسمالية"، منذ عشرين سنة، 200 مليار دولار، ومعنى ذلك أن رقم التعاملات لهذه الشركات الإعلاميــة يزيد بواقع عشرة مليارات دولار عن القيمة التجميعية لإجمالي الناتج القومي لخمس دول عربية وقتها، هي مصر وليبيا والكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية!
إن شبكة واحدة في إمبراطورية ( روبرت ميردوخ) الإعلامية حول العالم تدّر ملياري دولار من الإيرادات سنوياً، هذه الشبكة هي  B.SKY.B التي تغطي العشرات من صحف القطع الكبير، إضافة إلى شبكة (Fox) وشبكة (Star TV) الآسيوية المتصلة بأكثر من400 مليون منزل في عموم آسيا. 
بعد هذا التوصيف السريع لواقع الاستثمار الإعلامي، يخطر في البال سؤال وجيه: ماذا عن الاستثمار الإعلامي في "عالمنا العربي" ؟!
 تشير الدراسات إلى أن مشكلة العالم النامي، وعالمنا العربي جزء منه، مع الإعلام هي مشكلة استهلاك، ويكاد يكون التلفزيون هو المصدر الوحيد للثقافة الإعلامية بسبب استعداد مجتمعاتنا لتقبّل الانتشار التلفزيوني الكاسح أكبر بكثير من استعداد مجتمعات البلدان الصناعية الغربية، ويعود السبب الأول لهذا الاستعداد إلى نسبة الأمية المرتفعة في مجتمعنا وضعف تقاليد المطالعة غير المدرسية الذي يؤدي  لتقبّل التلفزيون، الذي يقدم شكلاّ (سمعياً- بصرياً) ويشكل مصداقية معرفية مرتبطة، عند غالبية المجتمع، بما يشاهدونه أولاً على الشاشة الصغيرة، لدرجة أن الواقع الفعلي في وعي الفرد الحالي، يكاد يتماشى مع "الواقع" المصوّر والمركّب الذي تنقله البرامج التلفزيونية.
نتيجة هذا الواقع فقد استجابت الدول العربية والمستثمرون الإعلاميون العرب لهذا الجانب فقط ولم يلتفتوا إلى الاستثمارات الكبرى، وهم قادرون عليها، فاستثمروا في مجال (التلفزيون فقط) عبر سباق محموم على افتتاح محطات فضائية (عربية) بالمئات، جسدت قطريتهم أكثر مما تجسد تضامنهم وانتماءهم ورسالتهم، لدرجة أن كل حزب أو طائفة أو مرتزق افتتح قناته الخاصة وبدأ يبث رؤاه الضيقة وسمومه فيها، أما الاستثمارات في المؤسسات الإعلامية والصحف ووكالات الأنباء الإخبارية والمصورة وشركات الإنتاج الإعلامي المختلفة، فهي ليست في الحسبان.
بعد هذا.. لماذا تشكو بعض دول العرب من التضليل الإعلامي والحملات الإعلامية التي تُوجه ضدها وتدفع تلك الدول ملايين، بل مليارات الدولارات، لشراء ذمم مؤسسات إعلامية وتستأجر مراكز بحث واستطلاع رأي لتلميع صورتها، في أكبر عملية ابتزاز تمارس عليها برضاها، وكان بإمكانها أن تمتلك أهم نواصي الإعلام في العالم.
إنه (العقل العربي) الفردي القاصر!