شاعرٌ قتله شعرُه !! بقلم باسم أحمد عبد الحميد

شاعرٌ قتله شعرُه !! بقلم باسم أحمد عبد الحميد
شاعرٌ قتله شعرُه !! بقلم باسم أحمد عبد الحميد
 
 
قصيدةُ هجاءٍ واحدةٌ، وربما بيتٌ شعريٌّ واحدٌ لكنه كان جارحًا أو بذيئًا بما يكفي ليكون سببًا في هلاك صاحبه. أكثر من خمسةَ عشرَ شاعرًا من شعراء العرب قتلوا جميعًا بسبب هذه الأشعار ..
بعضهم قال قصيدةَ هجاءٍ في وزيرٍ أو خليفةٍ أو والٍ أو حتىٰ قاطعِ طريق، والقتلُ كان الجزاء !!
ولعل أشهرَ وأشعرَ شعراءِ العربِ بلا منازعٍ على الرغم من أنه قُتِل منذ ما يزيد عن ألفِ سنةٍ تفصلنا عنه، فإنه يظلُّ شاعرَ العربيةِ الأول،  ويظلُّ شعرُه حيًا نابضًا راقيًا رقراقًا نردد بعضَه ، ونحفظُ له أبياتَ الحِكَمِ والأمثال، بعد أن صارت مضرباً وحجةً..
إنه (المتنبي) ..
الذي لم يحظَ شاعرٌ عربيٌّ بمثل ما حظيَ به من دراساتٍ في القديمِ والحديثِ شملتْ حياتَه وأشعارَه بكل دقائقها، كما شملتْ حركاتِه وسكناتِه ..
ولِمَ لا وهو القائل :
وما الدهرُ إلا من رواةِ قصائدي
إذا قلتُ شعرًا أصبحَ الدهرُ منُشِداً 
فسارَ به مَن لا يسيرُ مُشَمِّراً
وغنَّىٰ به مَن لا يغَنِّي مُغَرِّداً
أجِزني إذا أنشدتُ شعرًا فإنما 
بشِعري أتاكَ المادِحون مُرَدِّداً
ودَع كلَّ صوتٍ غيرَ صوتي فإنني 
أنا الطائرُ المحكِيُّ والآخرُ الصدَىٰ !!
 
قال هذه الأبيات في حضرة سيف الدولة الحمداني أمير حلبٍ ورأس الدولة الحمدانية التي بسطت نفوذَها على شمال سوريا خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ..
وقد عاش المتنبي في كنف سيف الدولة نحو تسعِ سنواتٍ، رافقه في حروبه ضد الروم والبيزنطيين،  وخصَّه بأروع  مدائحه التي عُرِفَتْ باسم السيفيات ..
وكان بلاطُ سيف الدولة يزخر بالكثير من الفلاسفة والأدباء والشعراء أمثال الفارابي، وأبي فراس الحمداني وغيرهم ..
وبالطبع ازداد شهرةً، كما ازداد ثراءً مع مرور الوقت 
وكان في كل الأحوال يعتز بشدةٍ بنفسه وبشعره، قال :
سيعلُمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مجلسُنا 
بأنني خيرُ مَن تسعىٰ به قدَمُ
أنا الذي نظرَ الأعمىٰ إلى أدبي 
وأسمعَتْ كلماتي مَن به صَمَمُ
أنامُ مِلءَ جفوني عن شواردِها 
ويسهر الخلقُ جرَّاها ويختصمُ ..
كما كان معتزًا بفروسيته :
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني 
والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ ..
وعلى الرغم من أن الهجاءَ لا يمثل ركنًا أساسيًا في ديوان المتنبي، فإنه قُتِلَ بسبب أبياتٍ من الشعر هجا  بها أحدَ الأشخاصِ العاديين ليس ذا سلطةٍ ولا مكانةٍ مرموقة، ولكن كان قاطعَ طريق، ومطارَدًا من الناس اسمه ( ضَبَّة بن زيد العتبي) 
وكان ضَبَّة يقود حركةَ القرامطة، ويتحصن بحصن جنوب غرب الكوفة ..
جاعلًا الصحراءَ خلفه حالَ الهزيمة للفرار في أي وقت ..
كان أهلُ الكوفة يتمنَّون القضاءَ عليه وعلى تمردِه،  ويشاء القدرُ أن يلتقي المتنبيَ وبعضَ أصحابه وهم يتنزهون بالقرب من حصنه، وحدثت بعضُ المناوشات التي وصلت لحدِّ الشتائم دون سلاح ..
إلا أن سيف المتنبي هو شعره، فقال فيه هجائيةً شديدةَ الفُحش فيها إهانةٌ لأم ( ضَبَّة) لأن أهل العراق قتلوا أباه، وفعلوا بأمه ما فعلوا ..
ثم تحدَّثَ عن غدر ضَبَّة لكل من لجأ إليه أو استجار به ..
فتوعد ضَبَّةُ المتنبيَ إلىٰ أن قتلَه مع ابنه مُحَسَّد ومولاه بينما كانوا قافلين من رحلةٍ لهم بالصحراء ..