حاجز زجاجي رقيق بقلم مراد ناجح عزيز

حاجز زجاجي رقيق بقلم مراد ناجح عزيز
حاجز زجاجي رقيق بقلم مراد ناجح عزيز
 
متكوّر ألقت به أقدام الحياة هنا .. , غريب تبدو عليه علامات بؤس لرجل طالما تلقي ضربات أيامه دون مقاومة , فجعلت منه فريسة لكل قاصد من أباطرة الألم , متأملاً خلف زجاج أحد المطاعم الفاخرة , يأخذ شكل عصاة دقّت في الأرض , رائحة الأطعمة تجتاح أوردته التي تكاد أن تنفجر , تعج طاولات الطعام بالشهي والمشتهى , ذهاباً وإياباً تختال كالفاتنات , تتمايلن في أنوثة طاغية يسيل لها لُعاب من تتبّع مسار خطواتها وأين تستقر, طاولة هنا تبوح بكل أسرارها لأسرة صغيرة من رجل وامرأة وطفلين , وطاولة هناك  لرجل وامرأة في ريعان الشباب , نظراتهم لا تخلو من اشتياق وكلماتهم لا تخلو من دفئ وعذوبة , أغمض عينيه يمنّي النفس بسماع  ما تهمس به الشفاه وما يدور في فلك أحلامهم ودفئ ضحكاتهم , حاجز زجاجي رقيق ما يحُول بينه وبينهم , بدأ يتصبّب عرقاً , يكاد يسقط مغشيّاً عليه , رأسه تذوب كقطعة ثلج تُركت تحت أشعة شمس حارقة , تحوّلت الحياة دون سابق إنذار إلي غابة من مخلوقات لها رؤوس بشريّة وأنياب ذئاب وأظافر طويلة , امتدّت إلي جوف أمعائه لتعلن بوح اشتياق إلي الطعام , رغبة عارمة سيطرت علي براءة مشاعره , قيّدت خطوات قلبه التي تبحث عن حُب , مازالت رائحة الطعام شهيّة , بدأت تتسارع أنفاسه خوفاً وهو يشاهد أحدهم يمزّق بأسنانه الحادة قطعة من لحم , بدت له وكأنّها قلبه (يملؤه حنين ورغبة في الحياة , يخبئ أحلاماً وحكايات كعصافير بيض , قصص حب طفولي لم يري الشمس ) , تحوّلت عيناه إلي طاولة أخري وقد امتدّت يد تحاول نزع عينيه كي تطفئ بريق حياة وذكريات ( أنفاس أمّه وقد غفا علي أقدامها ملِك متوّج , انتصاراته الكبيرة وهزائمه الصغيرة  ) , مد طفل صغير يده محاولا اللعب بسكين في أذنه التي طالما عوّدها علي سماع كل جميل ( أغنيات الحب الصادقة , نصائح أبيه , حكايات جدّته ) , تحوّلت عيناه هروباً مما شاهده من طاولة لأخرى , كطائر ظن أنّه أفلت من بين براثن صيّاد محترف , محاولات كثيرة ولا جديد , إضاءة خافتة هناك وصوت موسيقي , تداعب أوقاته , عجوز يحاول فتح صدره بكل غطرسة لقتل أجنّة قصائده  وأفكاره , هنا شعر بانسحاب روحه فبادرها باللّطم علي وجهها , تعالت ضحكاتهم في سماء المكان وكأنها طيور جارحة أرادت أن تنقض جميعها عليه , حاول جاهداً منعها ولكنّها تمكّنت منه , سقطت علي وجهي , أحاول استعادتي , كلُعبة الباذل أعيد بناء جسدي , باحثاً عن طريق للخروج .