كل هذه الخيانات، وكل هذه الخسة، جلبتها لنا أنفاق وسراديب وقوارب، استباحت أرضنا، وهتكت حرمة سيادتنا، وأسالت دماء أعز أبنائنا مرارا، مرة وهم يتناولون إفطارًا رمضانيا بسيطا، بعد صيام مجهد في الصحراء، حتى جاءهم الموت غيلة وغدرا من الأنفاق مع أذان المغرب، ومرة وهم عائدون إلى أحضان أمهاتهم، في إجازة قصيرة، ليترصد لهم الغدر في طرقات سيناء، فيوثقون ويقتلون بدم بارد علي نفس الرمال التي رويت بدماء أبائهم في أكتوبر 1973.
حماس التي لا تخفي عداءها السافر لمصر، من خلال العروض العسكرية لذراعها القسام، والبيانات المتلفزة لخونتها، وإشارات علامة رابعة في عروضهم العسكرية، حماس تلك لا تستحي وهي ترسل الموت زاحفا من الأنفاق ليلا ثم تبكي نهارًا على شاشات الجزيرة بسبب إغلاق معبر رفح، مازالت تتآمر علنا وفي الخفاء.
سعد المصريون بعملية حق الشهيد، التي بدت للعالم وكأنها آخر منزعٍ في قوس الصبر الطويل على وكلاء الخراب في غزة من الحمساويين، رأى الجميع لأول مرة عملية عسكرية شاملة ومحكمة، تحرث الأرض مترا مترا وراء الإرهاب، لتجتثه وتوصد الأبواب التي ينفذ منها من البحر والأنفاق التي لم تجلب لمصر، إلًا الدم والخراب بينما جلبت لحماس ملايين الدولارات من التهريب لقوت المصريين المدعم، لينالنا في آخر الأمر جزاء سنمار، أو كما نقول بالعامية المصرية الجميلة "خيرا تعمل شرًا تلقي" .
إن ما جعل عملية حق الشهيد تحولا فريدا في الحرب على الإرهاب، هو انتزاعها زمام المبادئة والمبادرة بالهجوم وتتبع الإرهاب في معاقله، وليس بنصب الكمائن ونقاط الارتكاز، وانتظار ضربات خفافيش الظلام.
لا نريد كمصريين أن تتوقف تلك العملية عند حدود المهمة الزمانية والمكانية، ويعطى القائد تماما ناقصا Mission Accomplished ، المهمة طويلة وتبدأ بحضور دائم لهيبة الدولة بعد العملية في كل شبر من شمال سيناء، ينبغي أن يرى أهل سيناء آثار بيادات جيشهم العظيم وهي تدوس نفس الأماكن مرات ومرات إعلانا عن حضور الدولة وفرض الأمن في ربوع شمال سيناء.
يتعين أن يتم ذلك متواكبا مع برامج تنمية مستدامة يقودها أهل سيناء أنفسهم من كبار وشيوخ وعواقل سيناء، تنمية تستلهم إمكانيات البيئة السيناوية، ويجني أهل سيناء ثمارها. مطلوب أن تتواكب التنمية مع إحكام قبضة الدولة القوية بالقانون، واحترام الخصوصية السيناوية، واحتواء أهل سيناء الشرفاء.
الدولة تدفع ثمن انصرافها الطويل عن التنمية في سيناء حتى أصبحت حضانة للفكر التكفيري، وأرضا خصبة ترتع فيها الميليشيات الفلسطينية الموتورة من خلال سراديب الفئران التي نشرت الخراب والدم. حان الوقت لاستعادة سيناء كجزء لا يتجزأ من خطط ومستقبل مصر التنموي.
بمناسبة أنفاق الخراب، لا أعرف إن كان قانون العقوبات المصري، يتضمن مادة تتحدث عن عقوبة كل من أنشأ أو سهل أو أخفى نفقا أو ممرا بريا، كان أو بحريا أو منصة اتصال غير مشروعة، مع دولة أو كيان مجاور، في غير الحالات التي يحددها القانون، إن مادة كتلك لابد أن يتضمنها القانون المصري، ولابد أن يقوم المُشَرِّعُ بصياغتها علي نحو جامع مانع، بوصفها عمل من أعمال الخيانة العظمى للوطن، لما تجلبه من إرهاب وقتل، فضلا عن انتهاك السيادة الوطنية.
لست قانونيا حتى أقطع بوجود مادة كتلك، لكن عدم وجودها إن كان ذلك حاصلا، سيصبح علامة استفهام كبيرة، فضلا عن أن انتهاك السيادة في دول عظمى كأمريكا والصين يتم التعامل العسكري والأمني معه بشكل آني، ولا ينتظر محاكمات عسكرية كانت أم مدنية. ينبغي أن نبعث بالرسالة الصحيحة لكل من يسول له شيطانه أن ينتهك الحدود وسيادة الوطن، فهذا حق الوطن.
حق الشهيد أن يرقد مستريحا وهو يعلم أن الوطن الذي سالت دماؤه لأجله ينتصر، ويحقق الهدف الذي من أجله سالت الدماء، ورحل الشباب العزيز. حق الشهيد أن تبدأ التنمية والتعمير في سيناء، ونقطع خط الرجعة علي التكفيريين والمتآمرين، بنشر التنوير والنماء ومنح الأمل للبسطاء في سيناء وسائر الوطن، بأن مصر وطنهم جميعا من النوبة إلي الإسكندرية ومن حلايب وشلاتين إلى رفح والشيخ زويد، وأن الأرض أرضهم، وأنه لا عاصم من التشرذم، إلَّا بالاصطفاف لدحر الشر، ودحر كل من يتاجر بالإسلام، ويتاجر بالقضية الفلسطينية ويرتضي لنفسه العمالة والخيانة لصالح أطراف ترجو الخراب والتقسيم لمصر وشعبها.