"كان يسوع أعظم عبقرية دينية عاشت على الاطلاق"
حافظت الدولة البيزنطية على الثقافة اليونانية-الرومانية. وقد جمعت هده الدولة شريعة روما , ورخاء بابل , وشغف أثينا بالمعرفة وقد تبنى الامبراطور قسطنطين الكبير , الديانة المسيحية فى مطلع القرن الرابع للميلاد.وشرعنها بواسطة المجامع المسكونية . ثم نتج عن الانشقاق الدينى فى العام (1054م) انفصال الكنيسة الشرقية عن روما , مع ترسيخ الانقسام السياسي , بين الامبراطوريتين الشرقية والغربية .
- المباني الكنسية :
- نشأت الكنيسة المسيحية عن حلقات صغيرة من التلاميذ , الذين أعلنوا أن قائدهم كان مخلصا ومسيحيا . وكانت أول حلقة سميت ( مسيحية ) هي حلقه انطاكيا.
ويظن أن اقدم اماكن العبادة المسيحية , كانت فى البيوت الخاصة . ثم تحولت اماكن العبادة هذه الى كنائس بصورة رسمية.
وقد تم الكشف عن بقايا كنيسة قديمة فى مدينة (دورا أوربوس)Dora Europos الأثرية على نهر الفرات , تعود الى حوالى العام (232م) وهى تعتبر أقدم كنيسة عثر عليها حتى الأن . وبقيت بعض اثار من عهد الامبراطور قسطنطين , فى كنيسة القيامة , وكنيسة المهد الى اليوم.
وكنيسه المهد كما نراها اليوم , يعود بناؤها الى عهد الامبراطور البيزنطى جوستنيانJustinian . وأكثر كنائس مدينة جرش فى الاردن اليوم ترجع الى القرن السادس . مه أنه توجد فى بعضها أقسام تعود الى القرنين الرابع والخامس.
وكان النموذج القديم للكنيسة المسيحية عباره عن غرفة مستطيله .
وكانت ( الباسيليكا)Basilica السورية فى القرنين الرابع والخامس , التى تتكون من ثلاثة أورقة, وتتجه من الغرب الى الشرق.
- الفن المسيحى :
كانت سوريا فى رأى العديد من العلماء , من مراكز الفن المسيحى , ورسم الأيقونات . من الواضيع الشائعة لدى الفنانين السوريين الأوائل . موضوع (الراعى الصالح) الذى يصور غالبا حاملا على كتفه حملا . وكان السورى فى العصر البيزنطى , يبحث فى الهندسة المعمارية , والرسم والنحت وغيرها , من ميادين فن الزخرفة, عن طرق جديدة فى التعبير , مستقلة عن النماذج اليونانية والرومانية . وكان الفن الوطنى يهدف بصوره مؤكدة الى الواقعية . ممهداً الطريق للفن المسيحى فى العصور التالية.
- احياء الارامية :
تطورت الكنيسة المسيحية فى سوريا من ناحيه لغوية فى اتجاهين : (الاتجاه اليونانى) على الساحل , وفى المدن التى تأثرت بالهلينية . و(الأتجاه السريانى) فى الداخل ز وقد ظهرت الكنيسة التى تستعمل اللغة الارامية ( السريانيه ) منذ القرن الثانى . وبأنتشار المسيحية فى القرن الثالث , فرضت الاراميه نفسها , تجاه اللغه اليونانية . وقد أشار التحول من اليونانية , والعودة الى الارامية فى العصر البيزنطى , الى اليقظة الجديدة بين السوريين.
- مدينة أديسا Edessa :
هى اليوم مدينة (أورفا) فى تركيا , وقد عرفت عند العرب بأسم (الرها) وقد كانت أول مركز كبير , بعيد عن المدن التى تتكلم اليونانية , اعتبرها البعض ( أثينا العالم الارامى ) حيث استخدمهت اللغة السريانية فى أول الأمر لأغراض الأدبية . وقد ازدهرت مدرسة أديسا حتى عام (488-489م) عندما هدمت بأمر الامبراطور زينون Zenon فأنتقل الأساتذة الى مدينة نصيبين , وريثة أديسا كمركز علمى سريانى – يونانى . وكان الأدب السريانى الذى وصلنا هو أدب مسيحى بكامله . الا أنه يشتمل أيضا على كتب فى العلوم والفلسفة , مترجمة عن اليونانية . وقد وجدت كنيسة أديسا , التى أنشئت حوالى اواخر القرن الثانى نفسها فى القرون التالية , غير منسجمة مع التقاليد اليونانية فى أنطاكيا والغرب وفى أديسا نشأ القديس أفرام (السورى) (306-373م) اول الاهوتيين العظام فى الكنيسة المسيحية . كما كان شاعرا دينيا. ساعد فى ادخال الرهبنة . وأعاد تنظيم مدرسة اللاهوت ,التى اصبحت جامعة عظيمة للسوريين.
- الانشقاقات الدينية :
كانت المنافقات اللاهوتية , قائمة بين المثقفين , فى القرنين الرابع والخامس . وقد نتج عن ذلك , مدارس فكرية لا تحصى . وفى هذه الحاله نشأت (هرطقات) بين الجماعات المسيحيه.
كان اصحاب ما يسمى (بالهرطقات) من اصل سورى , ا وان ثقافتهم سورية . وقد بدأت السلسله ب (اريوس) Ariusفى القرن الرابع . الذى ادان مجمع نيقية عام (325م) اراءه . ومع ذلك بقيت لها اهميه كبيره من الناحيتين اللاهوتيه والسياسيه . وكانت هناك ردود افعال كثيره على الاريوسية .
والى جانب ذلك ظهرت (النسطورية) التى تقول بأنه يوجد فى المسيح شخص الهى (الكلمه logos) وشخص بشرى . و لنسطوريوس , الذى كان اسقفا فى القسطنطينية , أتباععديدون , شكلوا الطائفه التى نسميها اليوم (النساطره) وقد لعبت هذه الطائفه دورا هاما , وحيويه كافيه , جعلتها ترسل المبشرين الى الهند والصين .
وظهرت طائفه اخرى هى (اليعاقبه)او ( اليعقوبية) التى تؤمن بأن المسيح كلمه الله المتجسدة ,طبيعة واحدة . وقد أيد (الغساسنة) وغيرهم من العرب المسيحيين , الذين كانوا يسكنون فى سوريا هذا المذهب الذى تم تنظيمه من قبل (يعقوب البرادعى) الذى كان اسقفا لمدينه اديسا , حوالى منتصف القرن السادس , وقد انتشر مذهب الطبيعه الواحده للمسيح, من سوريا الى ارمينيا فى الشمال , ومصر فى الجنوب ,,,
- الخطر الفارسى :
فى عهد السلالة الساسانية الطامعة . اخذت الدوله الفارسيه المجاوره تنازع الامبراطورية البيزنطية للسيطره على الشرق . وقد صد البيزنطيون الهجوم الاول (527-532م) الذى ماكان سوى مقدمة للخطر المحدق !...
وعاد الفرس فى عام (540م)الى الظهور من جديد , فى عهد كسرى الاول انوشروان (531-537م) الذى زحف على رأس (30) ألف رجل على سوريا , بطريق مدينه هيرابوليس (منبج) وأشعل النار فى مدينة حلب . التى تستطع جمع الجزيه الثقيله , التى فرضت عليها . ثم تابع كسرى سيره , من حلب الى مدينه انطاكيا . التى كانت فيها حاميه ضعيفه. ولم تستطع نجدة مؤلفة من (6) الاف جندى اتت من فينيقيا اللبنانيه , ان تقف فى وجه المهاجم الفارسى.
وكانت قوة الجيش الروماني ، في ذلك الزمن ، مركزة في الغرب ، حيث كان الأمبراطور جوستنيان ، يحاول جمع اطراف الامبراطورية الرومانية ، فنهبت مدينة انطاكيا وجردت كاتدرائيتها من كنوزها الذهبية والفضية ومن رخامها الفاخر وهدمت المدينة بكاملها وأخذ سكانها أسري ...، وهكذا انتهي كيان المدينة كمركز فكري ، بعد أن دام نحو ثمانية قرون . منذ دخول الاسكندر المكدوني إلي سوريا .
وكانت انطاكيا ي أخر أيامها مدينة مسيحية مشهورة ،إلي جانب قسطنطينية والاسكندرية .
ويروي المؤرخ الأنطاكي ملالاس malala المعاصر ي ذلك الحين بان زلزال عام (526م) الذي نكبت به المدينة قد أدي الي هلاك ربع مليون انطاكي ، وقد كانت النتائج الاقتصادية لنهب الفرس لها ولهذا الزلزال ، وزلزال عام (528م) نتائج وخيمة!...
تابع كسري سيره من انطاكيا إلي مدينة أفاميا الواقعةفي سهل الغاب إلي السمال من مدينة حماهوفي مركز مسيحي أخر مزدهر وقد قدم سكانها كل الذهب والفضة في المدينة إلي كسري لا رواء نهمه . ثم استمرت جملة كسري في السلب في شمال وشرق سوريا .
وقد تجددت تلك المنازعات في اوائل القرن السابع الا أن الحديث عنها يتصل بفصل أخر ،ويتعلق بقيام الدولة العربية الاسلامية.
الدول السورية
شهدت سوريا في العصر البيزنطي قيام ثلاث دول وسقوطها وهي دولة الأنباط في الجنوب وتدمر في الشمال ودولة الغساسنة في الوسط بينها .
دولة الأنباط
بلغت مملكة الأنباط فيجنوب سوريا ذروتها في مطلع القرن الأول للميلاد . وكانت تضم في اقصي اتساعها قسما من فلسطين وشرق الاردن وسوريا الجنوبية وشمال شبة الجزيرة العربية ،وعاصمتها مدينة (بترا petra ) وهي مدينة فريدة في تاريخ عمل الأنسان اذ انها محفورة في الصخر وهي موجودة اليوم في الاردن.
ومدينة (بترا) تعني (الصخرة) باللغة اليونانية ، وكانت مدينة حمراء وردية اللون بسبب لون الصخور عندها كما كانت جميلة وغنية تمر بها الطرق التجارية من الشرق الي الغرب وشمالا الي تدمر وبلاد الرافدين.
اعتنق الأنباط الديانة المسيحية في القرن الثالث للميلاد ، وتاجروا بالمر والتوابل والبخور والمنسوجات الحريرية والأواني الزجاجية والأرجوان واللؤلؤ . وكانوا يحمون طريق القوافل ويفرضون الضرائب علي البضائع كانت لغة الانباط هي الأرامية . وقد اتبعوا في البناء فن العمارة اليوناني – الروماني واطلق عليهم المؤرخون سترابو يوسيفوس ديودورس اسم (العرب)
وكانت اللغة الأرامية ، هيد اللغة السائدة في ذلك العصر ، حيث لم تكن هناك حروف عربية بعد وكان بعض الانباط يعرف اللغة اليونانية ومما يزيد في أهمية الحروف النبطية المشتقة في الأرامية أن الابجدية العربية قد انجدرت منها مباشرة نص عربي وصلنا وهو نص (النمارة ) في شرق حوارن . وهو يعود إلي العام (328م) لقد كان الأنباط شعبا منظمات وديمقراطيا منهمكا في الزراعة والتجارة وصناعة الحزف كما عرفوا بناء السدود وتخزين المياه والاستفادة من المياه الجوفية.
دولة تدمر :-
بينما كانت شمس الأنباط أخذة بالغروب كانت تشرق شمس تدمر وهي مدينة أخري للقوافل وبفضل وجود نبع عزير يقوم في قلب البادية السورية نشأت واحة تقوم في وسطها مدينة استفرت فيها قبائل ارامية ، وقد ارتفع شأن هذه المدينة الي مدينة باهرة من الغني والسلطة بين مدن العالم القديم .
والاسم اليوناني (بالميرا palmyra ) يعني مدينة النخيل وهو يطابق الاسم العبراني (تامار tamar )
قامت مملكة تدمر ، بين امبراطورتين كبيرتين ، البيزنطية والفارسية .
وقد استفاد تجارها من وضعها الفريد ، كمحطة تجارية للقوافل التي تعبر البادية من كل الاتجاهات وتاجر التدمريون بالصوف والارجوان والحرير والأواني الزجاجية والعطور وزيت الزيتون والفواكة المجففة والخمور وقد وجدت قطع من الحرير الصيني في بعض قبورها تعود الي القرن الأول للميلاد .
أقام التدمريون في مدينتهم الشوارع العريضة المزينة بالأعمدة والأقواس واتخذت مظهر مدينة يونانية – رومانية مزدهرة وكانت فيها ساحة عامة agora ومسرح ، ومعابد ولم يكن سهلأ علي مملكة تدمر أن تحافظ علي سيادتها وقد أعترفت بسلطة روما في اوائل العصر المسيحي وقد حافظ ملكها (أذينة odenthus ) علي ولأئة للرومان فمنحوة لقب (زعيم الشرق) وبعد اغتيالة في مدينة حمص أل الحكم الي زوجته (زنوبيا zenobia ) التي كانت قوية البنية، نشيطة ، مولعة بركوب الخيل ، رعت الثقافة اليونانية وكانت هي نفسها تتكلم الأرامية واليونانية وبعض اللاتينية ،وكان بين رجال بلاطها ، الفيلسوف (لونجينوس lunginus) المتوفي في مدينة حمص عام ( 273م) .
اتسعت مملكة تدمر ، في عهد ملكتها زنوبيا ، فشملت سوريا و جزءا في بلاد الاناضول وشمال شبة الجزيرة العربية ، وسكت النقود باسمها ، وقد أقيم لزنوبيا تمثال ، في شارع الأعمدة الكبير في تدمر في شهر أب من العام (271م) نقشت عليه كتابة أثرية بالغتين الأرامية واليونانية ، لاتزال واضحة الي اليوم .
وأخيرا تحرك الرومان للحد من طموحات مملكة تدمر وسار الامبراطور أورليانaurelianus (270- 275م) لاحتلال سوريا , وحاصر مدينة تدمر ، ولما فرت زنوبيا باتجاه الشرق . اسرها الرومان .
بينما كانت تحاول عبور نهر الفرات وقاموا بهدم معظم أحياء تدمر وأخذوا مكلتها زنوبيا اسيرة إلي روما .
زالت أهمية تدمر باستثناء فترة قصيرة في عهد الامبراطور البيزنطي جوستنيان justinianus (527 – 565 م) كمركز اسقفية مسيحية وتعتبر أثار مدينة تدمر اليوم من أكثر المناظر جلالا في البادية السورية .
دولة الغساسنة
الغساسنة قبائل عربية هاجرت من اليمن واستقرت في منطقة حوران جنوب دمشق واعتنقت المسيحية في القرن الرابع وكان الحارث بن جبلة (529 – 569 م ) من أشهر ملوكهم . وقد وصلت الدولة في زمنه إلي أقصي استاعها من وادي موسي في الاردن جنوبا الي مدينة الرصافة قرب نهر الفرات شمالا .وكانت عاصمتهم هي مدينة بصري ، التي اشتهرت كعاصمة دينية ، ومركز تجاري ، وقد بنيت كاتدرائيتها في العام( 512م) كاخلد الشعراء بلاط الغساسنة ومنهم الشاعر النابغة الذبياني .
أقام الغساسنة حضارة مزدهرة وحالة اقتصادية متطورة ويشهد علي هذا البقايا الأثرية الي تركوها . وبقايا أكثر من 300 مدينة وقرية في منطقة حوران وحدها وقبل أن تزول دولة الغساسنة نقل الغساسنة بعض الافكار المسيحية التي كان لها تأثيرها علي عرب شبة الجزيرة العربية .
لقد عرفت سوريا أزهي عهودها في العصريين اليوناني والروماني علي مدي قارب عام 333 ق.م – 636م) وفي فترة لاحقة سقطت سوريا (الاقلين البيزنطي) بأيدي الفاتحين العرب المسلمين وانطوت بذلك صفحات مشرقات منتاريخها الطويل والعريق .