أخبار عاجلة

حسني حنا : المسيحية في شبه جزيرة العرب.. رؤية تاريخية (1)

حسني حنا : المسيحية في شبه جزيرة العرب.. رؤية تاريخية (1)
حسني حنا : المسيحية في شبه جزيرة العرب.. رؤية تاريخية (1)

 


"كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعجائب الله"
*أعمال الرسل (11: 2)

يطلق اسم (عرب Arabs) على سكان شبه الجزيرة العربية، بصرف النظر عن مناطقهم الجغرافية. وعرب الشمال غالباً من البدو، وعرب الجنوب أكثرهم من الحضر. ولفظة (عرب) من حيث الاشتقاق سامية معناها (البادية) أو (ساكن البادية).

ظهور العرب على مسرح التاريخ
لقد كانت أول إشارة ثابتة الى العرب في التاريخ، في نقش للملك الآشوري شلمنصر الثالث حيث ورد ذكر (جندب) أحد شيوخ القبائل العربية، ومعه ألف فارس على جمالهم شاركوا في معركة قرقر (853 ق.م) ضد الآشوريين مع ملك دمشق الآرامي في شمال سوريا. ومن بديع الاتفاق أن اسم أول (عربي) يسجله التاريخ، جاء مقروناً باسم (الجمل).
كما ورد اسم العرب في حملات ملوك آشور، مثل سنحاريب، وآشور بانيبال وغيرهما. باسم (آربي).
وفي سفر المكابيين في التوراة جاءت كلمة (العرب) بمعنى (البدو) وأول نص صريح لمعنى هذه اللفظة، ورد في سفر أرميا (بلاد العرب). (إرميا 20: 14) و (ديار العرب) المذكورة فى الانجيل، التي انطلق إليها بولس الرسول Saint Paul (غلاطية 1: 16) وكذلك (العرب) في اعمال الرسل (2: 11) كانوا على الأغلب من الأنباط.
وورد ذكر (العرب) عند المؤرخ اليوناني هيرودوت Hirodotus (القرن 5 ق.م): "إن بلاد العرب كانت تفوح بالعطر والطيوب".


شبه جزيرة العرب
هي أرض واسعة جداً، محاطة بالبحار من ثلاث جهات. لاتوجد فيها أنهار جارية، لكن هناك واحات تكبر وتصغر، يجتمع الناس حولها، وتؤمن لهم سبل العيش. ويمكن القول أن شبه جزيرة العرب، هي المنطقة المحددة والمعينة، التي كان يسيطر عليها العرب عنصراً ولغة. أما اليمن فقد كانت الجزء الوحيد من شبه الجزيرة الذي قامت فيه حضارة مدن وتنظيمات سياسية. وبنيت فيها السدود.

الحياة الدينية في شبه جزيرة العرب
إن معارفنا عن ديانة سكان شبه الجزيرة العربية، قبل وصول المسيحية إليها. لم تزل شحيحة، بسبب قلة المصادر المتوفرة لدينا، لذلك كان من الصعوبة بمكان، إعطاء فكرة واضحة وجلية عن الخلفيات التي ساعدت على نشأة الأساطير، وتكوين الفكر الديني عند العرب، ومما لاشك فيه أن معرفتنا بالديانات والأساطير العربية، كانت بالدرجة الأولى/ حصيلة الوثائق المكتوبة، التي خلفتها لنا القبائل العربية. ويؤخذ على المؤرخين العرب بعد الاسلام، أنهم أهملوا عمداً، وبشكل مقصود، كل مايختلف مع الدين الاسلامي، أو عدلوا في النصوص ، حيث يتوافق مضمونها مع مفاهيم الدين الجديد. حتى بات من المتعذر على الباحث، أن يصل الى الكشف عن جوهر، وأساس الديانات القديمة، والمبادئ الأولية التي اعتمدتها في تفسير الخلق، ونظام الكون، وظواهر الطبيعة.
ولذلك تبقى المؤلفات اليونانية واللاتينية، حول هذا الموضوع هي السبيل الى معرفة الواقع والحقيقة، علماً أن هناك بعض قبائل تركت بصمتها، على شكل رسوم محفورة في الصخر. وهذه الرسوم لاترقى إلى سوية فن موضوعات المنحوتات الجميلة.
لم يكن البدوي الوثني في شبه جزيرة العرب- كما يستدل من الشعر الجاهلي- حظ وافر من امور الدين. وقد تخيل البدوي الصحراء آهلة بأحياء لها طبائع وحشية، وهي (الجن والعفاريت) كما كانت الآلهة تهمين على البراري والقفار. وقد عبد العرب آلهة متعددة منها (اللات – العزى ومناة، ونسر وطاغوت وذو الشرى ونائلة) واعتقدوا أن (الكعبة) أو (البناء المكعب) هو الشكل المعماري المفضل كبيوت للآلهة. وقد كان للعرب (كعبات) كثيرة، من أهمها (كعبة مكة) وفيها الاله (هبل) و (كعبة نجران) ومما يؤسف له أن العمل الأثري الجاد في شبه جزيرة العرب لم يزل يحبو. ولم يقف على قدميه بعد.

المسيحية في شبه الجزيرة العربية
كما انتشرت المسيحية انتشاراً واسعاً في سوريا وبلاد النهرين، وبلاد الاناضول واليونان ومصروغيرها، فقد انتشرت في بلاد العرب كما انتشر الرهبان والنساك في شمال جزيرة العرب. الذين تعرضوا للقتل والنهب والسلب من قبل القبائل العربية. وقد بنى الامبراطور البيزنطي جوستنيان Justinianus (527 – 565م) قلعة في الجهة الشمالية من جبل موسى، والتي أصبحت اليوم (دير القديسة كاترينا) وزودها بحامية لحماية الطرق التجارية والكنيسة والرهبان، وكان أهل مديان (مدائن صالح أو الحجر اليوم( وهي واحة كثيرة المياه وكثيرة البساتين في شمال غرب شبه الجزيرة العربية، من السباقين فى اغتناق الديانة المسيحية التي اعتنقتها قبائل كثيرة.
ولم يعرف العرب لفظة (مسيحي Christian) أو (مسيحية Chrisianity) بل كانوا يطلقون كلمة (نصراني) أو نصرانية أو (نصارى) بدلاً عنها. (انظر لسان العرب للفيروز أيادي) و (وتاج العروس لمرتضى الزبيدي).
وقد تفاوت اعتناق العرب للمسيحية من منطقة الى أخرى. حيث كان كثيفاً في منطقة نجران. وعند القبائل العربية، في شمال شبه الجزيرة. وفي جنوب سوريا وبلاد النهرين. بينما كان أقل في نجد والحجاز. إلا أن المسيحية كانت موجودة، ومعروفة جيداً لدى العرب جميعاً.

قبائل العرب المسيحية
كان العرب في فجر المسيحية، على تماس بما يجري في سوريا وبلاد النهرين بشكل عام، وفي فلسطين بشكل خاص. وقد اعتنقت المسيحية، قبائل عربية عديدة منها قبيلة (كندة) وقبيلتنا (بكر وتغلب) بنو وائل بن ربيعة وهما من أقوى القبائل العربية. واعتنق المسيحية قوم من (قريش) من بني أسد. وكذلك قوم من قبيلتي (ثقيف) و(طيء). وقبيلة (كلب) و (مضر) و (بنو تميم) و (بنو سليم) و (إياد) و (بهراء).
وانتشرت المسيحية في اواسط بلاد العرب في اليمامة. وتذكر كتب التاريخ قصصاً كثيرة عن تنصر قبائل عربية بأكملها لسبب أو لآخر، وقد بلغ من قوة قبيلة (تغلب) أن (عمرو الشيباني) قال فيها: "لو تأخر الاسلام، لأكلت بنو تغلب الناس (لويس شيخو 126)، ويقول (عمرو بن كلثوم) الشاعر العربي المسيحي، متفاخراً بشرف قبيلة:
"ظغائن من بني جشم بن بكر... جمعن، بميسم شرفاً وديناً" والدين المقصود هنا هو (المسيحية) حيث كانت ديانة بني تغلب. وتذكر كتب السيرة بجلاء تحول بني تغلب الى الديانة المسيحية (المفصل 6: 590).
وقد اتفق معظم الباحثين على اعتناق قبيلة تغلب للمسيحية، مثل ماقاله (الخطيب البغدادي): "وكان بنو تغلب أيضاً من نصارى العرب، وكانت لهم شوكة وقوة يد".

المسيحية في الحجاز
اعتنق النصرانية في الحجاز (المحجوز بصحاريه) قوم من قريش، من بني أسد (ابن هاشم) ومنهم (ورقة بن نوفل بن أسد) وكان (ورقة) قد تنصر وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والأنجيل (موجز ابن هشام ص84) وكان يكتب الكتاب العربي، والكتاب العبراني من الانجيل (اليعقوبي 1: 298) و( ابن الاثير 2: 238).
واعتنق المسيحية قوم من (بني ثقيف) ومنهم (أمية بن أبي السلط) وترى ديوانه مشحوناً بتعاليم المسيحية. كما اعتنق المسيحية (الحارث بن كلدة) من ثقيف، وتنصر قوم من بني طيء.
وتروى الأخبار أن الرسول (محمد) وضع يده في الكعبة على صورة السيده مريم العذراء، والسيد المسيح، عندما تمت إزالة الصور من جدرانها (عن الأرزقي 191) و (شيخو 116) حيث قال الرسول: "امحوا جميع الصور، إلا ماتحت يدي" فرفع يده عن صورة السيد المسيح وامه مريم.
وقد كان للنصارى في (مكة) شأن مختلف. فكان معظمهم من طائفة (الأبيونيين) وقد بلغ تأثر أهل مكة بالنصارى، أن جعلوا في دعائم الكعبة، صور الأنبياء، وصور الملائكة. وكان بينها صور ابراهيم والمسيح والعذراء (المفصل) وكانت هناك خلافات فى العقيدة بين المسيحيين في شبه جزيرة العرب، حيث كان منهم (النساطرة) نسبة الى نسطوريوس بطريرك القسطنطيمية (428 م) وقد انفصل هؤىء عن الكنيسة البيزنطية. وكانت هناك (الأريوسية) وقد طرد (آريوس) وأتباعه من الكنيسة في (مجمع نيقية الشهير عام 325 م) وفي (مكة) كانت (الغنوصية) و (الأبيونية) وهم جماعة من اليهود المنتصرين " وعقيدتهم مزيج من اليهودية والمسيحية. وكانوا يعتقدون أن (المسيح) رسول، كما أنكروا الصلب. وأن الشخص المصلوب هو شخص آخر غير المسيح. والمسيح انسان امتاز عن غيره بالنبوة. وفكر هذا الجماعة يتطابق تماماً مع الفكر الأسلامي عن المسيح. (راجع كتاب المفصل فى تاريخ العرب قبل الاسلام للدكتور جواد علي (6: 635)).
وهذه الجماعات النصرانية، كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام وقد حاربهم نبي الاسلام، وأمر بقتالهم وإخراجهم من شبه جزيرة العرب... وجاء في الحديث: "لايجتمع في جزيرة العرب دينان"!...
وكانت الكنيسة قد حاربت تلك البدع، الغير منسجمة مع حقيقة الفكر والايمان المسيحي السامي. ولم يبقى منها سوى بعض النساطرة في ايران والهند.
وهنا نخلص الى القول: إن النصرانية ليست هي المسيحية الحقه. وأنها بدعة منحرفة تلاشت والنصارى هم الذين تحدث عنهم النبي محمد والقرآن، والكنيسة بريئة من النصارى والنصرانية.
وإذا كانت المسيحية الصحيحة، قد أنكرت تلك البدع وحاربتها، فلماذا يصر شيوخ و(علماء) المسلمين على تسمية المسيحيين الحاليين في العالم بـإسم النصارى)!!..
وإن الباس المسيحيين (عباءة) النصرانية، هو اسلوب غير سليم، لأفساد العقيدة المسيحية، وإظهار المسيحيين بأنهم يعبدون ثلاثة آلهة. والكنيسة تعتبر النصرانية، وجميع فرقها من المبتدعة، ولايمكن معرفة حقيقة المسيح والمسيحية من خلالها (انظر: المطران يوحنا الياس: آباء الكنيسة... البدع والهرطقات).


المسيحية في نجران
قدم المبشرون المسيحيون الاوائل، من سوريا الى شبه جزيرة العرب منذ القرون الأولى لظهور المسيحية، وقد بنى أهل نجران في جنوب غرب شبه جزيرة العرب وشمال اليمن، كنيسة كبرى مزاحمة للكعبة في مكة أسموها (كعبة نجران) التي كانت في وادي نجران. زينوها بالحلي والحجارة الكريمة. وقد قال فيها الشاعر الأعشى المتوفي عام (625م) وهو من شعراء الطبقة الأولى قبل الاسلام:
وكعبة نجران حتم عليك ... حتى تناخي بأبوابها
نزور يزيد، وعبد المسيح... وقيسا، هم خير أربابها
لهم مشربيات لها بهجة... تروق العيون بتعجابها.
ويروى أن خطيب العرب (قس بن ساعدة الأيادي) كان أسقفاً عليها (المفصل 6 ص 616) وكان أساقفة نجران، يشجعون على زيارة القديس (سمعان العمودي) في شمال سوريا، حيث يقع اليوم (المجمع الكنسي الكبير) المعروف بأسم (كنيسة القديس سمعان العمودي) الواقعة على بعد نحو (30) كيلو متراً شمال غرب مدينة حلب السورية.
وعلى ماذكره المؤرخ (ابن كثير) في (البداية والنهاية) فإن (فيميون) الذي عاش في نجران. وهو الذي تبعه أهالي نجران على دين النصرانية (المسيحية) (البداية والنهاية 2: 168) وقد جاءت المسيحية الى نجران، على المذهب (المونوفيزي Monophisitism) الذي يقول أن للمسيح طبيعة واحدة. (الإله الانسان) وكان فيميون قد قدم من سوريا، نحو سنة (500م) ونقل ابن هشام وابن العبري حكاية هذا الزاهد الذي كانت قبيلة عربية قد أسرته، ونزلت به الى نجران...