د. علي زين العابدين الحسيني يكتب: التاءات الثلاث

من الظواهر المنتشرة المقلقة ظاهرة عدم التمييز بين النجاح وبين التظاهر به، فالنجاح حقيقة، والتظاهر وهمٌ يكتشف ولو بعد حين، وللنجاحِ طرقٌ متعددةٌ تختلف من شخصٍ لآخر، لكن الجميع يتفق على أن أولّ خطوة لنيله تحديد الأهداف التي تكون بطبيعتها ممكنة في أرض الواقع بعيداً عن الأحلام المستحيلة بعيدة التحقيق، ولابدّ في الأهداف كذلك أن تكون متفقة مع الإمكانيات المتاحة، وحينما تُحدد الأهداف حسب الإمكانيات الموجودة فيمكن للشخص حينئذٍ مع العمل أن يحقق أمنياته، نعم قد تتحقق جميعها، وقد لا يحرز منها إلا بعضها، وهذا كله يرجع إلى مدى صبره واستمراره، هذا النجاح الحقيقيّ يقضي الشخص فيه عمره، فلا يمكن الوصول إليه كما جرت العادة إلا بعد إنفاق كثير من العمل الدؤوب، وفي مقابل ذلك هناك  نجاح ظاهري أو وهمي يمكن تحصيله في خلال فترة وجيزة بأقلّ إمكانيات، والوصولُ إليه من خلال خطوات يسيرة يظهر الشخص معها بمظهر الناجحين من خلال الشروع في ثلاثة أمور، أولها: أن تشبع نفسك بأنّك ناجح، ثانيها: أن يتوافر لك عدد لا بأس به ممن يجهلون معاني النجاح، ويظنون أنك ناجح، ويشيعون هذا الأمر عند الآخرين، ثالثها: أن يتوافر عندك عدد من عديمي النصح فاقدي الرأي مدركين حقيقة أمرك، لكن تحقيقاً لمصالحهم الشخصية أو انتفاعاتهم الذاتية في أبراجهم العاجية يُشعرونك أنّك معدود من الناجحين، هذه خطوات مختصرة سريعة، لكن آفتها أنها لا تدوم طويلاً، وتكشف سريعاً من ذوي الخبرة والتقييم، ومن آفات النجاح والأضرار التي قد تنال من الناجحين، وتظهر غالباً في بيئات العمل غير الصحية ما أطلقتُ عليه "التاءات الثلاث"، وهي عبارة عن خطوات يلجأ إليها مَن يريد التخلص في صمتٍ تام من الأشخاص الناجحين أرباب الرأي ممن يمثل وجودهم خطراً عليه، الخطوة الأولى: التقليل من جهوده وأعماله، ولن تكون إلا بكتم حسناته، والفرح بإظهار أخطائه، الخطوة الثانية: التدليس عندما يأتي ذكره، وربما تحتاج وقتئذ إلى تضخيم عيوبه، وعادة تحتاج إلى عدسة مكبرة للنظر بها في أفعاله وأقواله، الخطوة الثالثة: التمييع في حديثك عنه عندما تأتي الفرصة، وربما تحتاج إلى خطوة فرعية معها من خلال الثناء على غيره مما تهواه نفسك وطرحه كبديل، بهذه التاءات الثلاث يمكن القضاء على الناجحين: التقليل ثم التدليس ثم التمييع، وانظر فيمن حولك ستجد صدق ما خطته يداي في السطور السابقة!