فرانسوا باسيلي يكتب: لماذا إختفي الأقباط من الحكومة المصرية؟

فرانسوا باسيلي يكتب: لماذا إختفي الأقباط من الحكومة المصرية؟
فرانسوا باسيلي يكتب: لماذا إختفي الأقباط من الحكومة المصرية؟

نحن في الصيف، والدنيا حر، ولذلك لن اكتب عن الموضوعات "الساخنة" حتي لا نزيد الجو سخونة.

لن اكتب عن أكثر الموضوعات سخونة، لا في أمريكا، ولا في مصر.

 

في أمريكا 

الموضع الساخن في أمريكا هي الدراما السياسية الهائلة الدائرة يومياً في البيت الأبيض، ولجان الكونجرس، والمحاكم، والميديا، وكلها عن التحقيقات الجارية، والقادمة، في موضوع التدخل الروسي في التأثير علي الانتخابات الأمريكية، وكذلك في إحتمال قيام ترامب بمحاولة عرقلة هذه التحقيقات، وهي إن ثبتت تعتبر جريمة كافية لمحاكمته أمام الكونجرس لعزله، وهو ما حدث لنكسون من قبل، حين تدخل محاولاً التغطية علي جرائم أفراد يعملون لحسابه، وكل يوم تتفجر معلومات جديدة، تكشفها الصحافة الأمريكية القوية ذات التاريخ الضخم المشرف في التصدي لفساد الحكام، وهي أهم أركان الديمقراطية التي صنعت من أمريكا الدولة الأقوي في العالم، رغم أن الكثيرين من المهاجرين الجدد بما فيهم المصريين لا يدركون أهمية الصحافة الحرة ولا خطورة دورها في كشف فساد أو طغيان أو جرائم الحكام، حتي لا تتحول الدولة إلي جمهورية موز، يكون فيها الحاكم هو الآمر الناهي بلا حسيب أو رقيب، فشكراً وتحية للصحافة الأمريكية ذات التايخ والمهنية العالية، وأهمها اليوم هي النيويورك تايمز، والوشنجتون بوست، والوول سترييت جورنال.

........................................

لن اكتب إذن في هذه القضية الساخنة في أمريكا لكي لا نزيد الجو سخونة.

 

في مصر

أما القضية الساخنة في مصر اليوم فهي قضية منح جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ورغم صدور ثلاثة أحكام من ثلاثة محاكم تصاعدية في مصر، فقد ارسلت الدولة الموضوع لمجلس الشعب، الذي صوت في سرعة وهرولة لكي يصدق علي معاهدة التنازل، رغم أن قرار المحكمة بات ونهائي، وهكذا رأينا لأول مرة في تاريخ مصر وتاريخ الدول كلها حكومة دولة تقف ضد قضائها لكي تمنح أرضاً تحت سيطرتها إلي دولة أخري، وفي اعتقادي أن هذا خطأ هائل وتاريخي لم أكن أتمني إطلاقاً أن أرى نظام وحكومة الرئيس السيسي يرتكبه. والموضوع سيتكون له تداعيات مستقبلية كبيرة، لا يراها سوي من يعرف الشعب المصري حق المعرفة.

...................................

لن اكتب إذن في هذه القضية الساخنة في مصر لكي لا نزيد الجو سخونة.

 

بعيداً عن القضايا الساخنة  

 

بعيداً عن القضايا الساخنة اكتب اليوم في قضية قضية باردة،قضيةمسكوت عنها تماما في مصر اليوم.

يمكن تلخيص هذه القضية في السؤال التالي: 

لماذا إختفي الأقباط من الحكومة المصرية؟

.................................

وقد يجيب احدهم قائلاً من قال أن الأقباط قد اختفوا؟ أليس لدينا وزيرة قبطية لشئون الهجرة؟

وأقول نعم، في الوزارة الحالية وزيرة قبطية واحدة لشئون الهجرة، وهو وزارة بلا معني في الحقيقة، فمسؤلية وشؤون المهاجرين تقوم بها القنصليات المصرية في كافة بلاد العالم، والقنصليات تابعة لوزارة الخارجية، فوزارة الهجرة هي وزارة بلا عمل ولا معني، ودورها الوحيد هو أن يوضع بها قبطي لكي يقال أن بالوزارة المصرية أقباط، أي منعاً للحرج، ورفعاً للعتب.

ولكن العتب لا يصح أن يرفع، والحرج لا يصح أن يمنع، فغياب الأقباط عن أي وزارة هامة في مصر اليوم هو أمرٌ شائن ومعيب أكبر العيب، ولا مبرر له.

................................

قد تستغرب حين تعلم أن في الكثير من الوزارات المصرية السابقة، سواء قبل أو بعد ثورة يوليو عام 52, كان الأقباط يتولون وزارات بالغة الأهمية والتأثير في المجتمع المصري، مثل وزارات التموين، والمواصلات، والسياحة، والتجارة، والمالية، والدولة للشؤون الخارجية، وغيرها.

كما قد تستغرب حين تعلم أن نسبة الوزراء الأقباط في الحكومة كانت في بعد تلك الوزارات تصل إلي 30% من عدد الوزراء، وفي معظم الوزارات كانت لا تقل عادة عن وزيرين، يتولون وزارات أساسية وهامة، حتي حين كان العدد الكلي للوزراء أقل من عشرة. 

فلنتذكر في حسرة بعض الأمثلة

فلنبدأ من سعد زغلول زعيم ثورة 19, فنجد أن في وزارته عام 1924 كان هناك عشرة وزراء منهم وزيران قبطيان في وزارتين هامتين - أي بنسبة 20% - هما مرقص حنا للأشغال العمومية وواصف بطرس غالى للخارجية.

ونجد أنه في وزارة عبد الفتاح يحي عام 1934 كان هناك وزيراً قبطياً للحربية والبحرية (تخيل) هو صليب بك سامي. 

وستجد أنه في وزارات تلك الفترة، وخاصة في وزارات حزب الوفد، كان الأقباط يتولون العديد من الوزارات الهامة منها الخارجية والمالية والزراعة والمواصلات.

وفي عهد عبد الناصر يمكن القول أن الوزير القبطي صار حكراً تقريباً علي كمال رمزي استينو، الذي كان وزيراً للتموين، وهي بالطبع وزارة هامة، وكان يتولي هذه الوزارة طوال الستينات تقريباً، ثم عين استينو لفترة  نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً  للتموين والتجارة الداخلية، ثم أضيف قبطي آخر هو كمال هنري ابادير وزيراً للمواصلات.

وفي عهد السادات إستمر هنري ابادير وزيراً للمواصلات لفترة، ثم في وزارات لاحقة أيضا في عهد السادات جاء إبراهيم نجيب للسياحة والطيران المدني، وعزيز يوسف سعد للري. 

ثم في عام 1977 جاء محب رمزى استينو للسياحة والطيران المدنى و د/ بطرس بطرس غالى وزير دولة للشئون الخارجية.

 وهنا نلاحظ أنه رغم الخبرة والكفاءة والأقدمية والمكانة التي كانت لدي د. بطرس بطرس غالي، الذي اختير بعد ذلك أول رئيس مصري وعربي لهيئة الأمم المتحدة، دون تأييد من مبارك وقتها، أن هذا الرجل الفذ لم يمنحه السادات ولا مبارك مسؤلية وزارة الخارجية، ولكن فقط منصب وزير دولة للشؤون الخارجية، أي وزير بلا وزارة، ولا يوجد سبب منطقي آخر لهذا سوي أنه قبطي. 

في أول وزارة لحسني مبارك كان هناك ثلاثين وزيراً منهم ثلاثة أقباط - بنسبة 10% ، هم  فكرى مكرم عبيد نائب لرئيس الوزراء لشئون مجلس الشعب والشورى، وألبرت برسوم سلامة وزير دولة لشئون الهجرة، وبطرس بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية.

وفي الوزارات اللاحقة في عهد مبارك إستمر العدد الكلي للوزراء يتراوح بين 30 و-34 ولكن إنخفض عدد الوزراء الأقباط من 3 إلي 2 فقط. 

وبعد ثورة 25 يناير رأينا شخصية قبطية وفدية محترمة هي منير فخري عبد النور يتسلم مسؤليات وزارات هامة هي السياحة ثم التجارة والصناعة معاً، في عهد المستشار عدلي منصور.

ولكن مما يؤسف حقا أن نجد أنفسنا في عهد ما بعد ثورتي 25 يناير و-30 يونية وفي حكومة تحت نظام الرئيس السيسي وقد إختفي الأقباط من كافة الوزارات الهامة، ولم يعد هناك سوي قبطية واحدة هي وزيرة الهجرة. 

..............................................

ويظل السؤال البارد، في القضية الباردة المسكوت عنها، هو:

لماذا إختفي الأقباط من الحكومة المصرية؟

ولن تجد لدي الحكومة المصرية إجابة.