منذ زمن ليس ببعيد كانت المنيا تطلق عليها عروس الصعيد لموقها الجغرافى المميز حيث تقع على شاطئ النيل الخالد مباشراً وتمتلك أحسن وأروع كورنيش ربما فى الجمهورية كلها علاوة على تاريخها العريق وكثرة مشاهيرها فى كافة نواحى الحياة وتم إضافة فى هذا الزمان لقب أم الشهداء ونالت مكانة ومقام فى إرجاء المسكونة كلها .
وقبل الخوض فى الحديث نتذكر مصادفة نادرة وفريدة ولا تتكرر كثيراً وهى مناسبة الخامس من يوينو يوم الأثنين العاشر من رمضان حيث تتجمع هذا العام بمدلول خاص ومعانى تدعو للتأمل والفحص . نبدأ بيوم الأثنين الخامس من يونيو عام 1967 ذكرى النكسة والوكسة والخيبة الكبرى والهزيمة الساحقة التى وقعت بمصرنا العزيزة والتى فضحت هشاشة النظام القائم وسقوط فرعون الليبرالية إبن بنى مر، جمال عبد الناصر، مما خلق جيل محبط مهزوم يأس ربما كانت هى البداية الحقيقية فى إنحدار مصر على كافة المستويات العلمية والثقافية والادبية والفنية والأخلاقية ، ونلاحظ هنا إنخداع الشعب فى قيادته فخرجنا نكطالب بالإستمرار ونحن لا ندرى إننا وقعنا فى مستنقع سنجنى ثماره المرة مستقبلاً . وفى مقابلة سريعة يقع العاشر من رمضان عام 1973 ليعلن عن موقعة أخرى وهى السادس من أكتوبر الذى حققنا فيه نصراً على إسرائيل بمعرفة قواتنا العسكرية والجوية مما ترتب عليه الإنسحاب من كافة أنحاء سيناء الحبيبة كلها ، مما رسخ لقيام فرعون آخر من نوع خطير وفريد جداً لبس عباءة الدين من قرية ميت أبو الكوم ألا وهو ، محمد أنور السادات ، وهكذا وقع شعبنا الطيب المسالم بين فكى فرعون الليبرالية والإشتراكية وفرعون الإسلام السياسى وبدء معه مسلسل التعصب والتشدد والتطرف وأنتهى الى هذا الأرهاب الأسود الذى تعانى منه بلادنا ، وهذا يوضح لنا المدة الزمنية التى بذر فيها بذار ا لتعصب من أوائل السبعينات مع تقلب مزاج الشعب وتقلبه وتغيره مع مرور سنوات الأحباط والتخدير خلال عصر محمد حسنى مبارك الذى نجح بإمتياز فى تغلل الفساد فى الجسد المصرى كله ونحن لا ندرى أيضاً .
وعندما جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى وبمشرط الطبيب الماهر فتح الجرح المميت وأشار بأصبعه الى سبب الوباء الحقيقى وهما الآفاتين اللتين ضربا جذع الشجرة وهما التطرف الدينى والفساد السياسشى ومعهم الأخطر منهما وهو الإنفجار السكانى الذى يدعم ويساعد فى تكاثر تلك الأفاتين وتعيق تقدم البلاد . وللأسف هى الحقيقة المؤلمة التى تقف حائلا ومصد قوى ضد طموح وتطلعات وأفكار وخطط الرئيس السيسى فى العام الثالث من حكمه وقيادته للبلاد وجهده الخارق فى محاولة إقناع شعب متقلب المزاج
وسريع التغير تحت وطأة أزمة إقتصادية طاحنة تعصف بأى تقدم ولو كان طفيفاً . مع مقاومة الجماعة الأرهابية التى تمتلك وسائل إعلام وميديا متقدمة تؤثر سلباً فى تكوين الرأى العام . وللأسف الشديد فشل وسقوط الأعلام الخاص المغرور والمهموم بالمقام الأول فى أنانية لمصلحته الشخصية دون وضع المصلحة العامة للوطن الغالى .
أما بالنسبة للمنيا فهى المثال الصارخ والنموزج الظاهر لكل هذا التغير والأنحدار الشديد ، فتغيرت عروس الصعيد ممثلة بأروع تمثال على وجه البسيطة ، الرأس الجميلة نفرتيتى ، الى المسخ والتمثال الذى إقيم مؤخراً بالمنيا وكان إضحوكة وتشويه فاضح فى العالم كله ليوضح مدى القبح والتشوة والدرك الأسفلى فى الذوق العام .
عرفت المنيا أول ديانة للتوحيد فى العالم كله عندما أعلن الملك إخناتون وزوجته الجميلة نفرتيتى حيث إتخذ من قرص الشمس تعبيراً عن الآله الأوحد دون كل الآلهة الموجودة فى ذلك الوقت فى عاصمته الجديدة للدولة المصرية ، تل العمارنة ، . وتعتبر المنيا ثالث منطقة أثرية بعد أثار الأقصر والجيزة بسبب ثرائها بالأثار الفرعونية فى نواحى تونه الجبل وبنى حسن الشروق والبهنسا والأشمونين وتل العمارنة وخلافه ، وبها مقبة مشهورة أسمها إيزادورا وهى الفتاة اليونانية التى ماتت غرقاً فأقام والدها هذا المقبرة والبيت الجنائزى فى أروع قصص الحب والوفاء . وجاء تطور أسم المنيا من الكلمة الهيروغليفية " منعه " وهى مختصر لكلمة " منعة خوفو " وهى إسم مرضعة الملك خوفو ثم تطور الى اسم " منه " فى اللغة القبطية وسميت " منية إبن خصيب " نسبة الى الوالى فى عهد الخليفة العباسى وكذلك سميت " بمنية الفولى " نسبة للعالم العارف بالله أحمد الفولى .
والمنيا تعتبر متحف مفتوح من أول العصور الفرعونية فالقبطية ثم الإسلامية وتتضم محافظة المنيا تسعة مراكز تمتد على مسافة 120 كم وهى العدوة ومغاغة وبنى مزار ومطاى وسمالوط والمنيا وأبو قرقاص وملوى وديرمواس .
ومن أهم الأماكن المسيحية كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير والتى شيدتها الملكة هيلانه أم الملك قسطنطين الكبير فى نفس زمن تشيد كنيشة القامة بالقدس . وأشهر الأديرة بها دير أبو فانا فى ملوى ودير الأنبا صموئيل المعترف بمغاغة والذى وقع بها الأعتداء الخسيس من الأرهابين مؤخراً وكنيسة القديس عبد المسيح المقارى ( المناهرى) بمطاى .
ومن الأثارالأسلامية بالمنيا مسجد الوداع بمدينة المنيا ومساجد العمراوى واللمطى والقاياتى والشيخ عبادة ولا ننسى أن السيدة ماريا القبطية زوجة الرسول أم ابراهيم من أحدى قرى مركز ديرمواس وهى الهدية التى قدمها له الوالى الرومانى المقوقس فى ذلك الوقت .
أما فى العصر الحديث فكانت ثورة المصريين فى ديرمواس وملوى ضد الأنجليز فى 18 مارس والذى أتخذ بعد ذلك كعيد قومى للمحافظة . والمنيا لها سجل باهر من مشاهير مصر على سبيل المثال وليس الحصر الأخوين مصطفى وعلى عبدالرازق الأول شيخ الأزهر والثانى من دعاة التحرر الدينى ، وعلى شعراوى رفيق الزعيم سعد زغلول فى ثورة 1919 وهدى شعراوى رائدة النهضة النسائية وأول من خلعت البرقع والنقاب فى مصر كلها ، وعديد الأدب المصرى طه حسين ، والمفكر لويس عوض والوزراء نور الدجين طراف وفاروق سيف النصر والمشير عبد الحكيم عامر والسيدة سوزان مبارك زوجة رئيس مصر السابق والأديب يعقوب الشارونى والمؤرخة نعمان أحمد فؤاد والسفيرة مرفت التلاوى ولأعبى الكورة كابتن مصر السابق أحمد حسن ، وحماده صدقى والفنانة القديرة سناء جميل وميرفت أمين وزوزو ماضى وهانى رمزى وعلاء ولى الدين ومحمد سعد وشرين سيف النصر والمطرب الشعبى حكيم الشارونى .
ونالت محافظة المنيا المكانة الأولى والمقام الأعلى فى الآونة الأخيرة منذ بزوغ الأرهاب الأسود وحتى الآن . فإذا كانت القاهرة نالت شرف شهداء البطرسية والأسكندرية حادثتى كنيسة القديسين والكنيسة المرقسية الكبرى والدلتا شرف شهداء كنيسة القديس مار جرجس بطنطا ، أما المنيا ففاقت جميعهم بباقة شهداء دير الأنبا صموئيل المعترف حيث شملت أربعة أيبارشيات دفعة واحدة وهم إيبارشة مغاغة والعدوة وإيبارشية بنى مزار وإيبارشية المنيا وأبو قرقاص وأخيراً أيبارشية ببا والفشن ببنى سويف . وكذلك شملت أسر كاملة وليس أفراد فقط ووقعت لأول مرة فى محيط أحد الأديرة وكان من بين الشهداء والمصابين الكبار فى السن والشباب والأطفال منهم الرضع . كما أن هؤلاء الشهداء والمصابين لم يتم أرهابهم وقتلهم بالمتفجرات والأنتحارين بل بقتلهم مباشرة بإطلاق الأعيرة النارية عليهم مباشرة ، بخلاف ما قاموا به الأرهابين من جمع المشغولات الذهبية والهواتف المحمولة وكل ما هو ثمين لدى المعتدى عليهم ، بالأضافة الى إجرامهم فى تركهم لبعض النبذ الدينية والتى تعتبر دليلاً دامغاً على مدى إجرامهم ونذالتهم .
فمنذ الخامس من مايو السابق قام الأرهابيون بتهديد المسيحيين وإستهدافهم بالأعلان فى جميع وسائل التواصل الأجتماعى والميديا والتنبيه على المسلمين بالأبتعاد عن أماكن تجمع المسيحيين فى إشارة واضحة بنيتهم فى أرتكابهم لجرائمهم وعندما حل الاحتفال السنوى بمناسبة عيد الصعود والذى يتواكب معه الاحتفال السنوى بمنطقة دير جبل الطير بشرق النيل بمركز سمالوط والذى يتجمع فيه أكثر من مليوني
زائر فى هذه المنطقة الجبلية المكشوفة والتى تعتبر هدفا سهلاً لجرائم الأرهاب . وعندما مر الإحتفال بسلام يوم الخامس والعشرين من مايو تنفس المسيحيين الصعداء دون حدوث ما يعكر صفو الاحتفال ، وما هى ألا سويعات قليلة ليعلن فى يوم الجمعه الموافق 26 من مايو عن أرتكاب المذبحة الخسيسة الأجرامية بالطريق المؤدى الى دير جبل النبا صموئيل ولتعيد الذكريات المؤلمة والبكاء والرثاء على الشهداء الأبرار المسالمين الشرفاء الأبطال الذين رفضوا أنكار إيمانهم وعقيدتهم ودينهم فكان الأستشهاد ونوال أكاليل المجد بدلاً من النطق بالشهادة وإنكار دينهم ليعطوا صورة رائعة مضيئة وتتحول تلك البقعة علامة ومصباح منير أمام العالم كله لتحكى قصص وروايات هؤلاء الشهداء الصائمين والذاهبين الى الدير لنوال البركة من القديس صموئيل المعترف فنالوا بالشهادة بركة أعظم من صاحب الدير وكتبوا بدمائمهم أعظم قصص الحب الألهى ويعيدوا ذكرى عصور الآستشهاد الأولى فى المسيحية .
وإذا كانت المنيا التى نالت اكبر وأفدح التضحيات والضحايا عقب فض إعتصام جماعه الأخوان المسلمين الأرهابية فى 14 أغسطس 2014 من إعتداءات ونهب وتدمير وحرق يفوق كل محافظات مصر . ففى مركز ديرمواس حدث الأعتداء على أقدم كنيسة أثرية فى قرية دلجا والتمثيل بالجثث بأبشع جرائم الأرهاب وفى مركز ملوى الذى كان من أوائل المدن التى عانت من الأرهاب الأسود منذ أوائل الثمانيات فى القرن الماضى ثم بمركز أبو قرقاص والذى نال شهادة شباب وشبات كانوا يقيمون صلواتهم بداخل الكنيسة خلاف الأعتداءات على الأشخاص والممتلكات الشخصية بمدينة أبو قرقاص ثم ننتقل الى مركز المنيا الذى قدم أفخر وأحسن مما عنده من كنائس ومدارس وملاجئ ودفعت فاتورة الأرهاب فداء عن الوطن .
أما فى مركز سمالوط فقد قدم أفخر الشهداء وهم شهداء ليبيا فى أروع مشهد للأستشهاد الذى أذهل العالم من عظمة وقوة إيمانهم الذى استمر لأكثر من 45 يوماً وحتى هذه اللحظة يقدم هذا المركز أمثلة للصمود أمام جبروت الأرهاب وسطوة السلفيين . ومرورا ً بباقى مراكز المحافظة التى قدمت أسر باكملها من الشهداء لتختم الجائزة الكبرى لهذه المحافظة ويقف الخلق فى العالم كله من تلك المنطقة العظيمة التى تعطى دروساً فى مدى تمسك أهل تلك المحافظة بعقيدتهم وتضئ الطريق أمام صفوف المتقدمين والمنتظرين للشهادة بكل فرح وتهليل وهكذا تحولت محافظة المنيا من عروس الصعيد لتصبح عروس الشهداء فى المسيحية . أنها حقاً جميلة وتستحق منا كل التقدير والأحترام والتبجيل وننحنى أما تلك الأيقونة الرائعة ولهؤاء الشهداء القديسين . ونحن على يقين وإن كنا فى الوقت الحاضر لا نفهم المقاصد الآلهية من تلك الهجمات والأعتداءات الأرهابية ولكن سوف نفهم ذلك فيما بعد ما يعده الله لهؤلاء الصامدين المجاهدين من شعب مصرنا العزيزة والتى لن تسقط أبداُ
" مبارك شعبى مصر "
صفوت عطالله ابن المنيا