إدوارد فيلبس جرجس يكتب: الفكر بين الإرتِقاء والدونية

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: الفكر بين الإرتِقاء والدونية
إدوارد فيلبس جرجس يكتب: الفكر بين الإرتِقاء والدونية

 

​كيف تفكر جمعيات حقوق الإنسان؟!
 ************************************

ربما يكون شيئا يلاحقه الأسف أن أبدأ بفكر دوني ، لكن ماذا أفعل وقد استفزني خبر على موقع " الجارديان البريطانية " وهو الذي دفعني أن أسرع للكتابة عن هذا الموضوع الذي كنت أنوي الكتابة عنه منذ فترة ، لكن تسابق الأحداث كان يؤجله ، الخبر يقول " بسبب كراهية المثليين .. عزل نائبة رئيس البوكر من منصبها الفخري " ، ويأتي الخبر بالتفصيل بأنه تم عزل " إيما نيكلسون " من منصبها الفخري كنائبة لرئيس مؤسسة البوكر الدولية ، بعد موجة عارمة من المعارضة من العالم الأدبي اعتراضا على وجهات نظرها من كراهية المثليين ، إيما نيكلسون أرملة السير مايكل كين ، الذي ساعد في تأسيس الجائزة الأدبية البريطانية المرموقة . قبل أن أعلق بأي كلمة أقول أن هناك فرق بين أن نحب البشر أو الناس جميعا وأن نرفض أعمالهم الخارجة عن السلوكيات المستقيمة أو المخالفة للعقائد ، وأعتقد هؤلاء الذين عزلوا " إيما نيكلسون " عن منصبها لم يفهموا بالرغم من ادعائهم أنهم أصحاب فكر أو مناصب أدبية ، أنها لم تقصد أن تقول أنها تكره المثليين أو المتحولين جنسيا ، لكنها بالتأكيد تقصد أنها تستنكر أعمالهم . البشر السوى لا يكره لكنه لا يجيز أي أعمال خارجة عن السلوك البشري المضبوط والذي خلق الله عليه البشر ، ما معنى أن يتزوج ذكراً بذكر أو أنثى بأنثى ، حتى من الناحية المنطقية ، مرفوض أولا من ناحية شذوذه وثانيا من حيث الغرض من الخليقة وهو الإنجاب . إن تصدي جمعيات حقوق الإنسان للدفاع عنهم باطل كل البطل ، فالدفاع عنهم نوع من نشر الشذوذ وإباحية نجسة ، وكان عقابه من الله شديدا استوجب الحرق بالنار لأهل سدوم وعمورة إذ أنزل عليهم النار والكبريت لتشوي شذوذهم ونجاستهم التي تفحشت لدرجة عدم وجود عشرة أشخاص بينهم من أصحاب السلوك القويم وفشلت شفاعة إبراهيم من أجلهم أمام الله ، إن الخروج عن المعتاد في حياة البشر يعتبر شذوذا وما يفعله المثليين والمتحولين هو أعلى أنواع الشذوذ أو نقول أدنى أو نقول أقذر أنواعه ، إن هؤلاء لا يحتاجون لدفاع ولكن يحتاجون لعلاج بدني ونفسي وهو الأفضل لهم ، جمعيات حقوق الإنسان الحالية خرجت عن المألوف وأصبحت تدافع عن الشاذ في كل النواحي ، ولقد ظهر شذوذها بصورة واضحة وقبيحة ، عندما تصدت  " هيومن رايتس ووتش " للدفاع عن الإرهاب والدفاع الباطل عن القتلة ، كم من المنشورات والبيانات الباطلة خرجت منها بعد ثورة 30 يونيو تدين الثورة بأنها لا تراعي حقوق الإنسان ، الثورة التي أنقذت مصرمن يد إرهاب كان من الممكن أن يحولها إلى جحيم مستعر كما حدث في الدول العربية الأخرى  ، " هيومن رايتس ووتش " تدافع عن الإرهاب ، وهل أيتها المدافعة عن حقوق الإنسان لك الحق أن تدافعي عن القتلة والمخربين ؟! ، فإذا كنت كذلك وأنت بالفعل كذلك ، فلا نستبعد ولا نلوم أن نراك في موقف الدفاع عن الشذوذ والمثليين ، فإذا كنت لا تعترفين بما أنزله الله في الأديان فلا ملامة ، لكن كان المفروض أن يصدك كلمة " السلوك المعيب " أو السلوك الشاذ " أو السلوك غير السوي " الذي لا يجب أن تكون عليه البشرية . الكلام كثير وقد يمتد ويمتد عن أصحاب الفكر المتدني ، وما أكثره الآن ، لكن أفضل ما أقوله أن دفاع الباطل عن الباطل هو باطل .                                                           

كيف يفكر جهاد العلاونة
*************************


ننتقل من الفكر المتدني أو الدوني على حد السواء إلى الفكر الراقي ، وهو  ما جاء في مقال للكاتب الأردني " جهاد العلاونة " ، جهاد العلاونة كاتب ذو فكر مستنير ، لا يخضع لأي أيدولوجيات من أيدولوجيات السفسطة التي أصبحت بل احتلت الجانب الكبير في كتابات البعض ، وقبل أن اخوض في هذا الموضوع أحب أن أذكر كلمات عن الكاتب " جهاد العلاونة " هو أردني الجنسية ولد لأب وأم مسلمين ، لكن اتجاهه الفكري من الناحية الدينية قد يتصف بالغموض ، وإن كنت أكتب كلماته التي وردت في مقاله فأنا لا أكتبها كناحية دينية ، لكن أكتبها كفكر رائع أستخدم فيه الإسقاط والتشبيه والتورية وكل بلاغات اللغة ، من أجل أن يوضح فكره الراقي ،  فلقد سألته إحدى الصحف لأنه يكتب كثيرا عن المسيحية إن كان ينوي أن يصبح مسيحيا ، وجاءت إجابته رائعة لم يحملها النفي أو الإثبات ، لكنها وصف للسيد المسيح أو إنسانية السيد المسيح التي لم تخطئ أبدً ، بل كانت مثالا للبشرية استخدم فيها " العلاونة " كل بلاغات اللغة قائلا :  كان يسوع معلماً ولم يكن رجل عصابة ، وكان الذين من حوله تلامذة ليس فيهم جنرال حرب واحد أو جنرال برتبة عميد أو لواء ، كانوا على قلتهم متنورون وليسوا حربجيين أو أصحاب سكاكين , لذلك كل مثقف اليوم يجب أن يقرأ رسالة المعلم الأولى التي كتبها بخط يده لقد كان المعلم مثقفاً وكان مهندساً للكبار وللصغار ولم يعش على أكتاف تلاميذه , كانت رسالة المعلم واضحة لا يحملها إلا المتعلمون والمتنورون , لقد كان يسوع معلماً ولم يكن محارباً ، ونحن مثقفون نبحثُ عن المُعلم وهذا أوانه قد ظهر , ولم يمت المعلم المسيح في حادث سير مروع على طريق البصرة أو دمشق أو في طريق عودته من الناصرة إلى بيت لحم ولم يمت المعلم بنيران صديقة من أصدقائه ولا بنيران معادية من أعداءه ، كانت رسالته مقروءة ومفهومة ولم يمت المسيح وهو يضع رأسه في أحضان امرأة لعوب أو شغوف أو هنوف كانت بجد رسالته واضحة للعيان , ولم يمت المسيح وهو ذاهبٌ إلى ملهى ليلي أو وهو ذاهب لشراء حاجة من الحانة التي خلف بيته ، كانت رسالته شفّافة . 
لم تكن رسالة المعلم معنية بالاتفاقيات الدولية لعقد صفقة تجارية تكون فيها المسيحية أو دفع الجزية ، ولم تكن ذات برامج في علم الفلك أو في الشمس وهي تدور حول محورها , لقد كانت رسالة المعلم إنسانية محضة , ولم يمت المسيح أثناء سقوط طائرة البيونغ فوق المحيط الأطلسي ، ولم يمت المسيح وهو يحمل سيفه دفاعاً عن نشر دينه وتبليغ رسالته بالقوة لقد كانت رسالة المعلم ذات أهداف إنسانية نبيلة، ولم يكن بارعاً في حمل السلاح ولا حتى العصا , ولم يمت في معركة دموية ضد أقرباءه أو ضد الفريسيين أو الصدوقيين ولم يعش لينتقم من أعداءه ، ولم يره أحد وهو يحمل بيده سيفاً أو رمحاً طويلاً ولم يكن مهتماً بالحرب والقتال ولم يكن تلامذته من المحاربين الأشداء الأشاوس بل كانوا بريئين مثل الأطفال أمام معلمهم ، ولم يبعثوا برسائل تهديد إلى ملوك العالم ، وآمنت روما برسالة المعلم من غير أن يدخلها سيفٌ من سيوف المعلم أو رمح ٌ أو فارس ٌ على ظهر جواده آمنوا بتضحية المعلم التي كانت رسالته رسالة تضحية ، ولم يشاهده أحدٌ وهو يضحك وشاهده الكثيرون يبكي كما جاء في الإنجيل , لقد بكى على ما سيحلُ بنا إن ظهر الدجال في كل عصر وكل شارع وكل مدينة وقرية ، ولم يمت حبيبي المسيح وهو متكئ على جنبه اليمين وبجانبه الغلمان والطليان والبخور والند والروائح الكريهة للدماء وهي تسيل في بلاطه, ولم يمت حبيبي أليسوع وهو في بركة للسباحة مع أشهر عارضات الأزياء في العالم , ولم يكن سائحاً يجوب العالم ولا رحالة , كانت رسالة حبيبي قصيرة جداً قرأتها ذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة فشعرتُ خلالها بالدفء التام . ولم يكن يعملُ شاعراً مادحاً ولا جلاداً ولا جابياً للضرائب , ولم يكن يكتبُ رسائل عشق ولا رسائل غرام بل كانت رسالته رسالة فداء ألهمت الفنانين الكاثوليك في عصر النهضة ، ولم أسمع عن حبيبي أليسوع وهو يهدم هيكلاً دينياً ليقيم عليه كنيسة الرب ، ولم يكن المسيح دجالاً ولا مغنياً ولا مطرباً ولم يكن يعملُ في سوق النخاسة نخاساً ولا في سوق الجواري قواداً ولم يرقص لا مع الذئاب ولا الكلاب ولا مع العاهرات ، ولم يكن يفسدُ ما أصلحه الدهر ولم يفرّق يوماً ما جمعه الرب , ولم يكن صاحب دعوة سياسية أو عنصرية أو إقليمية ولم يكن مزيناً ولا حشاشاً ولا قاطع طريق ، ولم يكن صاحب كتاب بل صاحب رسالة, لقد كانت رسالة المعلم ذات معاني كثيرة وسامية ، ولم يكن ممثلاً ولا مهرجاً ولا ماسح أحذية في بلاط الرومان , ولم يكن يشكي من ألم في معدته ولا في رأسه ولم يكن قلبه مريضاً ولم يمت وهو يحتسي الشاي أو القهوة أو وهو ينتقلُ من بيت صاحبةً إلى أخرى ، ولم يكن ساحراً يصنع التعويذات من السحر ، ولم يدعي شيئاً ليس به , ولم يتاجر بأحلام الغلابة والمساكين ولم يطرد موظفاً من محل عمله ولم يأمر تلامذته بشن حرب شعواء على أهل المدن المجاورة ، ولم يقاسم التجار تجارتهم ، ولم يعط فرصة للتجار بأن يخلفوه من بعده , ولم يمنح أحداً وساماً من الدرجة الأولى أو رتبة في الجنة على قتله للناس وللأبرياء ، ولم يجلس في مجلسه القتلة المأجورون ولا أصحاب الدكاكين الكبيرة والصغيرة ، ولم يكن مهتماً بالإعلام ولم يكن يقيم وزناً للشكليات , كانت رسالة المعلم في جوهرها عميقة ، وكان في حبه شريفاً وكان في عطاءه سخياً وكان طوال حياته في كل يوم يبدو كيوم ولدته أمه .  

ولم يكتب في رسالته التي قرأتها أنه مثلاً سيفتح جنة عرضها السماوات والأرض للذين يقتلون الأبرياء والمساكين ، كان محباً للناس ويباركهم في الطرقات ، وكان يرى الله أباً وهو ابن ٌ له ولم يكن يراه منتقماً وهو لم يكن ليحب أن يرَ نفسه عبداً لله بل ابناً يرعاه أبوه الذي في السموات . وكان رحيماً بهم ولم يبشر بدجالٍ يأت من بعده ولم يكن يوماً مداهناً للشيطان ولم يدعي أنه قتله في معركة اشتركت فيها معه الملائكة , ولكن كل ما علمناه عنه أنه لم يسمح للشيطان بأن يعشش في رأسه فلم يجرب الله في الوادي ولم يبيع دنياه بوادٍ من الذهب , ولم ينظر للقذى في عين أخيه وكان لا يحبُ أن ينظر الناس للقذى بعيون إخوانهم وعيونهم ممتلئة بالأخشاب , ولم يكن بهلوانياً في اللغة فلم يهتم بصنعة الإنجيل البلاغية ولم يدع أن إنجيله معجزة لغوية لذلك ضاعت لغتنا لغة السريان الأوائل لأنه اهتم بتقديس الإنسان قبل تقديس اللغة , ولم يكن شخصية خرافية ولا أسطورية ، كان عادياً جداً ، ولم يكن أصفر اللون ولا رمادياً ولم يكن وجهه مستطيلاً ولا مربعاً على عادة أصحاب الوجوه الإجرامية ، ولم يكن وجهه عبوساً , ولم يكن وجهه من الوجوه التي تصلح لأفلام الرعب والإثارة الجنسية ، ولم يكن ظهره محنياً ولم يكن مارقاً على القانون ولم يكن هارباً من سجن القلعة ، ولم يكن داهية من دهاة المال والصيارفة أو الدعاية الهدامة والبهرجة ولم يقل للناس أنتم كفار ، ولم يكن مختار عشيرة ولا ملكاً ولا إمبراطوراً ولا جباراً في الأرض ، ولم يعتقل سياسياً ولم يكن متخذا من اليهوديات ولا السريانيات ولا الكنعانيات أزواجاً متعددة , ولم يكن صاحب مصالح تجارية، ولم يقبض عليه وفي خزانته ملايين الدراخمات ولم يسمعه أحد وهو يقول هذا رزق ساقه الله إليّ، ولم يكن عبداً لأحد ولم يكن لديه عبيد ولا جواري ولا قيان , ولم يشاهده أحد وهو ينفذ جرائم حرب بحق أقرباءه ولم يسمح لأي زاني بأن يرجم امرأة زانية , ولم يسمح للصوص بأن يعاقبوا الناس على جرائم الرشاوى والسرقات ، ولم يحمل على ظهره إلا النير , ولم يكفر أحداً بل كفر بدمه القاني عن كل أعمالنا ، ولم يأمر المرأة بأن تركع لزوجها ولم يأمر زوجها بأن يركع لها بل صلى من أجلنا جميعاً وهكذا أمرنا بالصلاة .

ولم يدع أنه سيفتح مشروع باب الجنة بالجملة بيديه ولم يقل أن مفتاح القفل معه ولم يبن للمجرمين في ملكوت الرب فنادق من خمسة نجوم أو قصور عالية . ولم تسجد أوراق الشجر للمعلم وهو يمشي في الأسواق , ولم يأمر الناس أن يذكروه عدد أوراق الشجر وزبد البحر , ولم يكن له صولجان مثل صولجان الأباطرة , ولكن كل الأباطرة والقياصرة من بعده حكموا العالم لأنهم حملوا رسالته وليس سيفا .