صفوت عطا الله يكتب: نقطة ومن أول السطر

صفوت عطا الله يكتب: نقطة ومن أول السطر
صفوت عطا الله يكتب:  نقطة ومن أول السطر

مقدمة

يعتبر رينيه ديكارت أبو الفلسفة الحديثة وصاحب المقولة المشهورة: أنا أفكر إذن أنا موجود وعلى هذا الوزن يمكن تكوين جمل مفيدة مثل على سبيل المثال: أنا أقرأ إذن أنا مثقف، أنا أتأمل إذن أنا فيلسوف وهكذا إلى أن نصل إلى أنا أحب إذن أنا إنسان، ما أريده بالضبط إذا كنت موجود أو مفكر أو مثقف أو فيلسوف ولكن لم تعرف أو تتعلم معنى الحب إذن أنت أتعس مخلوق في الوجود وواضح مما يدور من حولنا من أمور محيرة وأحداث مخيفة وأشياء مرعبة وأوضاع غريبة يكشف بوضوح التغير الذي حدث للإنسان الذي غرق في تفكيره في المادية والوجودية الجافة فأنجرف إلى نكران الله واعتناق مبادئ الإلحاد وطوق نفسه بأمراض وأوجاع كثيرة وعندما ذهب خلف إشباع رغباته وغرائزه ونزواته أنجرف نحو الإباحية والانحلال الخلقي وهدم أسس المجتمع وهي الأسرة والعلاقات السوية السليمة وفريق آخر أختار طريق مختلف وهو الجري وراء تجار الدين والفتاوى البشرية والتفاسير الخاطئة وتحول إلى قاتل ومجرم دون أن يدري الذي قال لا تقتل، كيف تتجرأ أن تذبح وتقتل باسمه، الذي قال لا تزني فكيف ترتكب كل أنواع الفجور والزنا علناً دون خوف أو استحياء بل تعدى ذلك إلى علاقات شاذة تحت مسمى الحريات والإباحية. الذي قال لا تسرق كيف تستبيح لنفسك عمليات السرقة والنهب والحرق والتدمير، الذي قال لا تشهد زور فتقوم بالتلاعب بالألفاظ فتستخدم التأويل والتحوير لتحليل كل شئ لنفسك حتى ولو كان محرماً أو ممنوعاً، الذي قال لا تشتهي بيت أو امرأة أو حيوان قريبك أو جارك فكيف تغوي وتغري وتسلب وتخطف وترهب أمرأة جارك أو أبنته وتستحل ممتلكات الغير دون تأنيب ضمير أو الخوف من العقاب.

مجرد ملاحظات تم رصدها خاصة للأحداث التي جرت في أميركا والعالم من مظاهرات غاضبة عقب مقتل الشاب الأفريقي بمدينة مينابوليس بولاية منيسوتا الأمريكية وتحولت إلى أعمال شغب وسرقات ونهب وحرق وتدمير واعتداء على الكنائس دون مبرر أو حجة مقنعة فالقانون أعطى حرية التعبير وإبداء الرأي والتظاهر السلمي ولكن ما حدث يكشف بوضوح أن الإنسان في أي مكان أصبح مهيأ إلى ارتكاب كل الأفعال والسلوكيات السيئة لأنه أصبح بعيداً جداً عن إتباع وصايا الله للبشرية أو مصدر الحب والسلام الداخلي للنفس وأتخذ طرق خاصة معوجة ملتوية تحت أفكار فلسفية عقيمة ونظريات مادية جافة.

 

 

الربيع الأمريكي:

كانت حركات التحرر والكفاح لأجل الاستقلال من المستعمر أو محاولات الإصلاح الاجتماعي والمطالبة بالحقوق ومناهضة أشكال العنصرية والتمييز بين البشر على أساس العرق أو اللون أو الدين تقوم على رموز وطنية ورجال لهم ماض في النضال والكفاح نجد في أميركا مثلاً جورج واشنطون أو أبراهام لينكولن أو توماس جيفرسون ومارتن لوثر كينج وفي مصر مثل أحمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول وجمال عبد الناصر وكذلك في معظم أنحاء العالم أبطال مميزين ومعروفين ومشهورين ولكن الذي حدث بعد ذلك إفلاس تام وإنحراف في السلوك البشري ربما يرجع إلى أسباب منها إنشاء وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام وسيطرته على العقلية ومحرك الأحداث كما يريد أم إلى طغيان الفكر المتطرف والسائد أيضاً والمتغلغل في عقول البشر.

ثلاث قصص متشابهة تماماً في مضمونها في ثلاث دول تونس ومصر وأميركا لثلاث أشخاص عاديين جداً ليس لهم أي علاقة في السياسة أو النضال أو الكفاح وليسوا أشخاص مميزين في المجتمع نتخذهم قدوة أو نماذج حسنة ولكن أقل من ذلك بكثير نبدأ بقصة تونس شاب بسيط عمره 26 سنة يعمل بائع على عربة يد يجرها في مدينة سيدي بوزيد بتونس أسمه محمد بوعزيزي يتجول بها في شوارع وأزقة المدينة لبيع خضروات وفاكهة أعرضته الشرطة ربما لارتكابه مخالفة كما قامت الشرطية وأسمها فادية محمد بتوجيه الإهانة له وحسب الروايات أنها قد صفعته على وجهه أمام المارة ولإحساسه بالذل والمهانة قام بحرق نفسه وبعد محاولات لاطفائه ونقله للمستشفى مكث حوالي 18 يوم وتوفى على إثرها ولاحتواء الموقف والغضب الجماهيري تم القبض على الشرطية كبش فداء ومحاكمتها بأربع سنوات سجن ثم برأتها المحكمة بعد ذلك ولكن أصبح الشاب المنتحر بوعزيزي أيقونة وشرارة الثورة التونسية استمرت حوالي شهر تخللها حرق وتدمير وسلب وتخريب المؤسسات الحكومية خاصة مراكز الشرطة والمحلات التجارية وعمت الفوضى بالبلاد أعقبها هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى السعودية حيث طلب اللجوء السياسي وبعدها أستولى الإخوان المسلمين على مقاليد الحكم ومازال حتى الآن منذ عام 2011 وتونس في دوامة الصراع السياسي بين الجماعة وبين أحزاب المعارضة وكله على حساب الشعب البسيط الذي لم يحصل على أي حقوق تذكر أو تحقيق عدالة اجتماعية أو إصلاح سياسي حيث تم التغرير به وإغراقه في مأساة شاب منتحر في العرف كافر وقاتل لنفسه واتخاذه رمز من رموز الثورة والربيع العربي وبداية انتشاره في العالم العربي وتغير نظرة الناس في مضمون النضال الوطني والكفاح وأنحسر في حادثة عابرة للأسف أعتبر شهيد وأيقونة ورمز بسبب الإثارة والثورة وركوب الموجة من جماعات وغرض وأهداف ملتوية.

القصة الثانية وهي قصة خالد سعيد شاب إسكندراني عمره 28 سنة تم طرده من الجيش لسوء سلوكه وإدمانه المخدرات وهارب من حكم غيابي لمدة سنة ومعروف في حي سيدي جابر، وفي أوائل شهر يونيو 2010 أثناء القبض عليه بمعرفة مخبرين سريين وحسب قانون الطوارئ المعمول به في تنفيذ الأحكام قاما بتقييد حركته من الخلف وعندما قاومهما اصطدمت رأسه بحافة رف رخامي بالقهوة وبعد خروجهم وداخل أحدى العمارات قال البعض أنه قد تم الاعتداء عليه حتى الموت أو ربما توفى بسبب ابتلاعه جرعة كبيرة من المخدرات التي كانت معه حسب رواية الداخلية وعند هذه النقطة أثار موته موجة غضب شعبية خاصة منظمات حقوق الإنسان وتظاهرات في الإسكندرية والقاهرة ولامتصاص غضب الشارع تم القبض على المخبرين ومحاكمتهما بالسجن عشر سنوات أشغال شاقة لكل منهما حيث تلقف هذا الحكم أعوان جماعة الإخوان المسلمين وحركات شبابية معارضة تم تدريبهم في الخارج للمطالبة بالديموقراطية وأسرع شاب أسمه وائل غنيم يعمل بشركة جوجل وأتضح أنه ناشط إخواني بعمل صفحة أسمها ( كلنا خالد سعيد ) ليكون رمز وأيقونة الثورة الشعبية بعد ذلك والتي اندلعت في 25 يناير 2011 واستمرت حتى تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم وتفويض المجلس العسكري الذي أصبح رهينة الضغط الشعبي وتأثير جماعة الأخوان المسلمين والسلفيين لتغيير دستور البلاد وسيطرتهم على مجلس الشعب والشورى وتزوير الانتخابات الرئاسية والاستيلاء على مقاليد الحكم وعندما أنفضح أمرهم وأنكشف مخططهم الملعون ثار الشعب عليهم بثورة 30 يونيو 2013 وتصحيح الأوضاع ومحاولة لإرجاع الحق للشعب الذي تم التغرير به والسيطرة عليه بتلك الواقعة واستغلال متهم مطلوب القبض عليه إلى شهيد وأيقونة ورمز ومازالت البلاد تعاني من الآثار السلبية والعمليات الإرهابية والإجرامية حتى الآن.

ثالث القصص حدثت بمدينة مينابوليس بولاية مينسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية وهي قصة مشابهه ولكنه شاب من أصول أفريقية عمره 46 سنة أسمه جورج فلويد وله سجل إجرامي وسجين سابق ومدمن مخدرات ومسجل خطر كالآتي:

10 شهور سجن بتهمة سرقة بالإكراه عام 1998.

8 شهور لحيازة مخدرات عام 2002.

10 أشهر لحيازة مخدرات عام 2004.

10 أشهر أخرى عام 2005.

كما تم سجنه خمس سنوات بتهمة سرقة بالإكراه تحت تهديد السلاح ليتحول في غمضة عين إلى رمز وشهيد وأيقونة ثورة بنفس السيناريو والانحراف السلوكي للمتظاهرين أثناء شراؤه علبة سجائر من أحد المحلات حيث شك العامل في النقود وهي عشرون دولار وعندما طلب الشرطة وأثناء القبض عليه بالطبع نظراً لضخامة جسده وقوته العضلية قاومهما بشدة مما أضطر الشرطي باستخدام العنف وبأسلوب السيطرة عليه وضع ركبته على عنق الشاب وتلك الطريقة أكيد معروفة وتم التدريب عليها بالرغم عدم إنسانيتها ولكنها متداولة وتستخدم ولسوء حظه العاثر تم إلتقاط تلك الواقعة بواسطة متفرجين وشهود وتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت حديث المدينة على الإعلام المتربص للرئيس ترامب وجدها فرصة ذهبية لإشعال النيران خاصة عقب وفاة "فلويد" فور وصوله للمستشفى من أثر الاختناق من الضغط على رقبته وما هي إلا ساعات وأندلع المتظاهرين الغاضبين في أنحاء المدينة ليس بغرض الاحتجاج أو المعارضة السلمية كما يخولها الدستور والقانون بل تعدى إلى الغضب والعنف والحرق والتدمير والسلب وتخطى إلى الإعتداء على المتاجر والمحلات والسيارات خاصة الشرطة بغرض الانتقام الأسود وعم المدن والبلاد والبلاد الأمريكية وبتحريض واضح من جماعات ضغط ومنظمات وأحزاب لتصفية الحسابات مع القيادة السياسية الحاكمة ونحن على أعتاب الانتخابات الرئاسية أواخر السنة ولامتصاص غضب الجماهير بنفس الطريقة تم إحالة الشرطي للقضاء بتهمة القتل وتم تحديد كفالة تخطت المليون دولار وتصل العقوبة إلى 40 عاماً والثلاثة الآخرين تم تقديمهم للمحاكمة وحل جهاز الشرطة بالمدينة والمطالبة بتعديل قوانين الشرطة ومن الطريف في فرنسا اشتعلت المظاهرات في العاصمة باريس عندما تذكروا مقتل أحد الشباب الأفريقي منذ أربع سنوات لإثارة المظاهرات وإشعال الحرائق وإتهام الشرطة بالعنصرية.

ومن القصص الثلاث تبرز ملاحظة هامة ونقطة واضحة من القصص الثلاثة رابط مشترك تكشف وتفضح عجز المعارضة وجماعات الضغط والأحزاب السياسية في المنافسة الشريفة وإبداء المعارضة بالطرق السلمية القانونية فجاءت تلك الأحداث الفردية العادية حيث تمت المبالغة والتهويل والمزايدة عليها وجعلها شرارة لقيام ثورات وانتفاضة شعبية وسبب ارتكاب أعمال تخريبية إجرامية والأمر الآخر الرغبة في نشر روح الكراهية والعداوة لرجال الشرطة لمجرد تنفيذ القانون وفرض الأمن ربما هناك تجاوز من أفراد ولكن التعميم على الكل قمة الخطأ كما حدث في مصر وتونس حيث عمت الفوضى والانقلابات والفلتان وانهيار وزارة الداخلية بحرق أقسام ومراكز الشرطة واعتداء على رجال الأمن بوحشية عقب فض اعتصام رابعة 13 أغسطس 2013 بهدف واحد مغرض لصالح جهات أما أمريكا ظهر الحزب الديمقراطي بصورة نهازي الفرص وأهداف سياسية فخرج المرشح جو بايدن لإشعال النيران وكذلك الرئيس السابق أوباما بنفس التلاعب ودغدغة مشاعر الجماهير وركوع رئيس الكونجرس نانسي بيلوسي أمام الغاضبين ليس تعبيراً عن الأسف وإنما لاستعطاف الجماهير وزيادة جرعات الثورة والتظاهر ويستغلها الإعلام الفاشل في تأجيج الثورة وضد رئيسها ترامب عدوهم الأول ومحاولات إسقاطه بأي شكل وبكل وسيلة مرة بالتحدي في مشكلة كورونا ومرة لإظهار فشله في معالجة مشكلة الشاب بمينا بوليس.

نقطة ثالثة خطيرة حدثت أثناء ما يسمى بالربيع العربي في تونس ومصر نتيجة انهيار جهاز الشرطة واختفائه من الشارع حيث أدت للفوضى مما دفع لتشكيل لجان شعبية وأخرى ثورية خاصة من قبل جماعة الإخوان المسلمين على غرار الحرس الثوري الإيراني أو جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية وأثناء حكم الإخوان كانت الرغبة في تمرير قانون بمجلس الشعب لمشروع إنشاء قوات خاصة أو ميليشيات موازية للداخلية ولكنه فشل لقيام ثورة يونيو.

أما في تركيا التي يتحكم فيها حزب العدالة والتنمية ألإخواني نجحوا مؤخراً في إنشاء ما يسمى بحراس الليل تابع لهم في مظهره وحماية الأمن ونشره بالمدن الكبرى وفي باطنه أعوان وحماية الحزب ألإخواني وقوامه الآن حوالي 28 ألف فرد ومستهدف ليكون 200 ألف فرد بحيث يكون قوة تنافس وزارة الداخلية ولهم صلاحيات واسعة وحمل السلاح وقوات مواجهة لأي انقلاب أو معارضة ضدهم، ويرجع هذا لعصور خلال الخلافة العثمانية، بدأ مع بداية الدولة العباسية خاصة بعد اتساعها حيث توجب وجود مراقبة الأسواق بمعرفة ما يسمى بالمحتسب الذي يقوم بالعمل الخيري تطوعاً بدون مقابل ولا يريد إلا ابتغاء مرضاة الله ولكن توغلهم واستقواء شوكتهم لم يكتفوا بالأسواق فقط بل تعدى للأزقة والطرق ليلاً وأصبحت وظيفة المحتسب براتب ودرجة وظيفية وخرجت منهم جماعات البصاصين والجواسيس الذين كان هدفهم ليس فقط مراقبة الأسواق وفرض الأمن ولكن للتجسس على الشعب والقضاء على أي تمرد بالقوة وحماية السلطان وانتشر نظام الحسبة في مصر خلال حكم المماليك.

رجع هذا النظام خلال حكم الإخوان في بلادنا المصرية بصور وأشكال مختلفة ظهرت مجموعة من المحامين ليس لهم عمل سوى رفع قضايا ودعاوى ضد أشخاص لارتكابهم أفعال مخلة بالآداب ونشر الفجور والرذيلة وسط الشعب فهذه تلبس ملابس خليعة .. وهذه الفستان مكشوف، وهذه جسدها عاري، وتخطى ذلك إلى محاربة المستنيرين ودعاة التجديد والإصلاح بتهمة ازدراء الأديان وتصيد كل كلمة وحركة ولفظ وتصرف ليكون سيف مسلط على رقاب العباد وتقديمهم للمحاكمة وللأسف الشديد كان القضاء يستجيب لهم.

خلاصة القول مما سبق نرى حالة الإنسان الميئوس منه والمتدهور لكونه إنسان خلف أفكاره ونظرياته وانحرافه عن الطريق الصحيح فكانت النتيجة انهيار تام للقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية.

ما أحوجنا اليوم للبحث عن الذات وعن الحق لتعديل مساره والرجوع إلى إتباع وصايا الله ليعم السلام الداخلي والحب بين الجميع دون تفرقة أو تمييز إنه الحل الوحيد لإنقاذ البشرية من السقوط والهلاك ونضع لحياتنا اليوم نقطة ونبدأ من أول السطر لحياة جديدة وفكر نقي وقلب صافي .. فأنا أحب إذن أنا إنسان.