رؤى مسعود جوني تكتب: هل قضت التكنولوجيا على الكتاب؟

رؤى مسعود جوني تكتب: هل قضت التكنولوجيا على الكتاب؟
رؤى مسعود جوني تكتب: هل قضت التكنولوجيا على الكتاب؟

هل يلفظ الكتاب أنفاسه الأخيرة وتحمله التكنولوجيا إلى مثواه الأخير؟ وهل يعتبر الأشخاص الذين لا يزالون يستمتعون بملمس الورق ورائحة الصفحات أناس حالمون يحملون حنينهم الخاص لعالم يتوارى؟ 
منذ بدايات القرن الواحد والعشرين وبدء ظهور الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة والمكتبات الرقمية، أخذ التداول بالكتاب الورقي بالتراجع، بعد أن كانت المطالعة من أهم وأكثر الهوايات التي كان تمارسها الأجيال السابقة، وكان الكتّاب رواد وقادة الفكر في مجتمعاتهم، فما الذي تغيّر؟ الحقيقة إن الذي تغير هو الصراع ما بين التكنولوجيا التي يقضي البشر في استخدامها ساعات طويلة من أيامهم، دون إحساس بالزمن وذلك بسبب سرعة وغزارة وتنوع الخدمات والمعلومات التي تقدمها، وهذا الأمر يشبه عملة تحمل وجهان وجهاً إيجابياً وآخر سلبياً. 
الوجه الإيجابي الذي يتمثّل بسهولة الحصول على المعلومة لاسيما فيما يخص صقل إمكانات وقدرات الأفراد او الحصول على معلومات هامة سريعة من اجل رسائل البحث والماجستير والدكتوراه مثلاً. 
بالإضافة لمواكبة آخر الكتب الالكترونية الحديثة ولاسيما الاختصاصية في العلوم والفن والفلك والطب وغيرها، إلا أن الأمر السلبي هو أن الأشخاص يستسهلون الحصول على المعلومات وغالباً ما ينجذبون نحو المعلومات الخفيفة أو التي تنشرها الصحافة الصفراء أو الأفلام القصيرة الخالية من العمق والمغزى، التي نجدها على مواقع التواصل المختلفة والتي تسرق عقل القارئ ووقته، دون ان ننسى ذكر المواقع التي تخل بالقيم والأخلاقيات. إن لذلك الأمر أثراً مهماً في تدهور المجتمع وانحدار ثقافته لاسيما لدى جيل الشباب الذي تم جذبه كذلك بالألعاب الإلكترونية بشكل رهيب ولا يخفى على احد ضخامة الدعم المالي والجهود البشرية الموجهة لتطوير ونشر الأدوات والآلات لممارسة هذه الألعاب ، لدرجة أنها أصبحت من أقوى الصناعات التي تدر أرباحاً خرافية، بحيث يبدو الدعم الموجه للكتاب الورقي ضئيلا جداً مقارنةً بها. 
ومن المعروف أن الابتعاد عن الثقافة الجادة لفترة كبيرة تعني ان أية جهة قادرة وبشكل سهل ان تغزو عقل شعب جاهل وتجعله سهل الانقياد بشبابه وحتى شيوخه. 
ولكي لا نظلم أنفسنا ومجتمعاتنا فإن ظاهرة الغزو التكنولوجي ظاهرة عالمية تشمل جميع الدول، إلا إن المختلف هو عقل المتلقي الذي يمتص ما ترسله تلك الوسائل ، فعقل الإنسان الغربي المعتمد على تقدير العلم والثقافة والعمل في حياته لا يمكن إن يقضي ساعات طويلة في هدر طاقاته في استخدام تكنولوجيا تقدم ثقافة سخيفة، الأمر المعاكس هو ما نجده في البلدان المتخلفة أو الفقيرة التي تتلقى جرعة التسخيف والمعلومات الخاطئة دون محاكمة، ما يجعلها سهلة القياد. 
قد يدفن الكتاب في الدول البائسة الفقيرة، ولكن من غير الممكن أن يحصل ذلك في دول متحضرة. 
وقد نختلف فيما يخص معنى الدفن، هل هو دفن مادي أو دفن معنوي؟ الدفن المادي يعني التخلص من الكتاب بفكره ومحتواه. أما الدفن المعنوي فيعني ان محتوى الكتاب الثقافي لازال موجوداً ولكن استبدلت أساليب الحصول على المعلومة، فمثلاً قد نحصل على المحتوى والمغزى عبر مشاهدة فيلماً سينمائياً أو كرتونياً أو عبر لعبة الكترونية تحمل في مراحلها المتعددة قصة مهمة أو عبرة، ونجد في هذا المجال الكثير من النصوص المفيدة التي قدُمت للمتلقي عبر صور بصرية، أو غنائية أو لعبة في منتهى الجمالية، وأدت الدور الثقافي الذي أرادت لعبه. 
الخلاصة: إننا من خلال البحث عن روح الثقافة، قد نلتمسها بعدة أوجه فهي ككل شئ من حولنا تتغير أساليب الحصول عليها وتتطور، لكن المهم أن نبقى متمسكين بالحصول على الإفادة وزرع ذلك عند الأجيال القادمة، بغض النظر عن الطريقة المتبعة، لذلك إن محاكمة العقل ومعرفة الخطأ من الصواب هو الأساس.