بوابة صوت بلادى بأمريكا

عمرو الزيات يكتب: الأمير المجذوب

كنا نسير ذات يوم بالقرب من مسجد الحسين رضي الله عنه وعن أبيه، وفي تلك المنطقة تهب رياح محملة بنسائم الوجد والشوق لعترة النبي المختار، ويكثر فيها أيضا الدراويش والمشعوذون من كل صوب وحدب، سرنا نكاد نغفل ما حولنا من البشر؛ فنحن – دوما – لا نحب تجمعاتهم ولا نرتاح لهم، نرى لهم أذنابا ورؤوسا كرؤوس الشياطين، نتهيب منهم؛ كأنهم يضمرون الشر لغيرهم، قلوبهم لا تنطوي إلا على بغض، ولسنا منهم، ولا ننتمي إليهم، وكيف لا ونحن نحمل رأسا تعج وتضج وتكل بما فيها من أدب وشعر! كنا نردد قول السلطان أبي ديوان:

أنا المقتول ما جدوى  رجوع السيف للغمد؟!!!

 

نردده على نغمة الوافر مقطّعين إياه عروضيا سابحين في جمال لغته وجميل معناه؛ نشعر أننا من كتب البيت فهو يوافقنا، ويعبر عما بداخلنا من مشاعر، وفي حضرة السلطان وشعره نغيب عما يلوح، وننسى أنفسنا، ظللنا نردد وندندن، وضجيج الدهماء وصياحهم حولنا يعلو ويعلو، حتى أخرجونا – لا سامحهم الله – من عالمنا وقتلوا السلطان؛ فوضعوا سيفه في غمده، رأينا الناس يهرولون ويتزاحمون أمام ساحة الحسين الطاهرة المباركة، كان أحدهم يجرى مسرعا كأنه فرّ من ملك الموت، ودفعنا دفعة عنيفة احتضنا على إثرها الأرض، وأصبح جسدنا جسرا يعبر عليه الدهماء إلى موضع الزحام.

 بعد مدة ليست بالقليلة وقد نالت من ظهرنا أحذية القوم الغليظة نهضنا نمسح وجهنا وأعيننا، نحاول أن  نتبين سبب هذا الزحام وتلك الضجة، سمعنا صائحا يصيح فرحا باسما: لقد أمسكوا به، لقد أمسكوا به، اقتربنا من هذا الصائح وقلنا له – ترفقا به-  أيها العظيم الجليل عذب الصوت جميل السمت من الذي أمسكتم به قال: إنه المجذوب الذي يقبل الجدران ويعلو الأسطح، ويبول في الطرقات، قلت له: معاذ الله! أيبول أمام الناس في رائعة النهار وقارعة الطريق؟! قال: نعم، بل يفعل أكثر من ذلك.

 إنه يدَّعي أنه أمير متوج، وزعم أن السلطان قلَّده منصب الإشراف على حلب الدهر، قلت للرجل: وهل لدى الدهر لبن؟! ليس للدهر أثداء، هكذا يزعم، قلنا ولماذا لم يمسكوا به من قبل؟! قال: إنه وتد له جنية تخفيه عن العيون، يفعل ما يفعل، ثم يختفي، قلنا: اللهم إنا نعوذ بك من الخبث والخبائث، وصرخ في وجهي: هلم أيها الأحمق لنراهم ينكلون به، وذهبنا على عجل؛ بيد أننا كنا في وجل، حاولنا اختراق الجموع، والقلب ينتفض بين الضلوع؛ يتكور هذا المجذوب حوله رجال ضخام يهون عليه بأيديهم لكما وضربا ورضا، أيها المجذوب أتريد أن تدخل المسجد زاعما أن الدهر هناك لتحلبه؟! 

ثم أتي رجل كأنه نخلة، رأسه رأس نحلة، ومد يده وسحب المجذوب من رجله، ورفعه، فإذا هو يتأرجح، نظرنا فإذا به أمير السرد ابن شعبان ينظر إلينا ويقول: أنا صاحب الزمان، أنا من حلب الدهر، وأشار إلينا: هذا رفيقي السفاح، نظر القوم،  ورأيتهم يتهيبون، فوليت هاربا أعدو، ووجدوا السلطان أمامي يهمس لا تخف أيها السفاح، فرّ القوم عندما رأوا سلطاننا، مسح على رأس أمير السرد، وهدَّأ من روعي مبتسما: احمل أخاك الأمير المجذوب، فحملته على كتفي وأنا أردد على نغم الوافر:

أنا المقتول ما جدوى  رجوع السيف للغمد؟!!!

تتقطر دماؤه والسلطان أمامنا والناس إلينا ينظرون في عجب.



 

أخبار متعلقة :