بوابة صوت بلادى بأمريكا

مدحت بشاى يكتب: وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكاء !!

لن أنسى لقاء للدكتورة درية شرف الدين الإعلامية الرصينة مع الشاعر والمفكر الجميل المهموم بقضايا وطنه فاروق جويدة ، وقد كان الرجل يتذكر بأسى ثقافة وفنون زمن الاحترام ومتعة المتلقي والإبداع الصادق والكفاح النبيل لإعلاء قيمة الفنون ورسائلها الإبداعية ،  و قال إن السلعة الغير مطلوبة يَبطل إنتاجها ..

وأضاف شاعرنا " يبدو أن أصحاب الفنون الرديئة وقد فرضوا على الناس خيارهم فجعلوا من الفنون الجيدة والجادة سلعة غير مرغوب في إنتاجها وإبداعها .. "

 وإذا كان ذلك رأي جويدة ، فهل لنا أن نتذكر قصيدة رائعة للشاعر الكبير عزيز أباظة نشرت منذ أكثر من 60 عاما في مجلة الرسالة تناول فيها بالمديح والتقدير عبقرية نجيب الريحاني ، قال في مطلعها أبياتا جميلة لتثمين وإعلاء دور الفنون في حياتنا منها :                                                               

                                               مــلأ الكــــون روعـــــة وجــــلالاً            وشبا في فجاجها الأضـواء

ثـم مس الدنيـــا بســحر عصــــاه              فاســـتحالت جميــلة غنــاء 

ثم يشيد بفنون التمثيل فيقول  :            قــل لمن آثـروا على المهن التمثيل               لــم تنفقـــوا الحيــاة هبـــــاء

                      فنكـم أكــرم الفنــون علــى الناس              وأبقى على الزمــان رواء

ويستطرد مشيداً بدور الكوميديا ورسالة الريحاني :       

قطــع العمــر رائــداً يفجـــر النور          ويعشــى في ضـوئه المشــبوب

                      راكـــزاً فنـــه ليبلـــــغ مرمـــــــاه              علـى ضـــاحـك مــــن التهـذيب

                      يضحك الناس ساخراً من هنـــات              الناس في حكمة الأديب الأريب

                      وكــثيراً ما أفلـــح السـخر بالعيب               فأغـرى على إتقــــاء العيــوب

إننا أمام شاعر كبير يرى الريحاني قطباً فارعاً وبديعاً ، ملكاً متوجاً على عرش الإبداع الكوميدي ، والأهم من كل ذلك الإشارة إلى الجهد والعرق المبذول للوصول إلى الهدف السابق تحديده برؤية واضحة ..

 أين نحن الآن من تلك العلاقة بين صناع الإبداع ورجال الفكر والشعراء وقادة الإصلاح ، وذلك رغم أن البلاد تمر بمرحلة مخاض لولادة متغيرات يمكن أن تشكل دافعا لإزدهار الكوميديا باعتبارها فن إعمال العقل والتفكير المنطقي المرتبط بالواقع وأحداثه الساخنة؟! ..

إن الكوميديا الجيدة الصادقة تمثل الدليل للناس لكشف فساد المعاييرالتي يتولد عن اختلالها وتخلفها الوصول إلى اضطراب النتائج وتحقيق أهداف معكوسة ، والكوميديا القريبة من الناس بالإضافة لإفادتها النفس البشرية حيث تروح عنها وتخفف من تبعات هموم الزمن ، فإنها مادة درامية تنشط مناطق التفكير والذهنية والتدريب على التواصل مع الأحداث ..

لقد استشعر أباظة أن فن الكوميديا ومبدعها الريحاني يلعب دوراً عظيماً في تجميل الحياة وتثقيف النفس البشرية ودعم مفاهيم التذوق وتنميته عبر فلسفة ورؤية صائبة ، فكانت قصيدته التي اخترنا بعضاً من أبياتها هنا أن تكون قادرا على انتزاع الضحكة من أعماق الجمهور وفى الوقت ذاته تستطيع العزف على أوتار روحه فتبكيه فهذا يتطلب قدرا عاليا جدا من الذكاء الفطرى والصدق الشديد مع النفس ومع الآخرين، وهى معادلة من النادر توافرها لدى أى من الممثلين.

وعليه أسعدني تخصيص مجلة "روزاليوسف "  ملفاً بديعاً بعنوان " مهندس النجوم " الفنان فؤاد المهندس وقد حانت  فى السادس عشر من هذا الشهر الذكرى الـ11 لوفاته ، وذكرى ميلاده الـ93..

صدرت الملف كلمة للمجلة جاء فيها " .. خيط رفيع يفصل بين الكوميديا والتهريج، بين السخرية والابتذال، بين إضحاك الناس والضحك عليهم، استطاع الفنان الراحل، صانع البهجة فؤاد المهندس أن يلتقط طرف هذا الخيط بكل مهارة، ومن ثم كتب لأعماله الخلود، ليس فقط فى السينما وإنما فى المسرح والدراما.إن احتفاءنا بفؤاد المهندس هو أقل ما يمكن أن نقدمه لفنان أسعد ملايين المشاهدين ليس فى مصر وحدها ولكن فى الوطن العربى بأسره، وهو تأكيد من جانبنا على أهمية الفن فى تهذيب نفوس الناس والارتقاء بذوقهم العام علاوة على كونه دعوة سلام فى مواجهة أصحاب المواقف المتطرفة والقلوب المتحجرة والعقول الصدئة ...

شكراً أميرة عاطف و شيماء سليم وهبه محمد علي لإعداد ذلك الملف المتكامل الذي يليق بذلك الإصدار العظيم وهي تحتفي بمهندس النجوم والكوميديان الأستاذ فؤاد المهندس .. 

والسؤال الآن لماذا لا نرى قصائد لفاروق جويدة أو أحمد عبد المعطي حجازي أو فريد أبوسعده في تحية نجوم كوميديا هذا الزمن وشخوصهم الشهيرة ؟! ..إننا في انتظار أشعار لتمجيد اللمبي وبلية وحاحا وزكي شان وعبود وعوكل وطرائيعو وفرائيعو !!! .. ألا يرون أن تلك الأعمال والشخوص تقدم رؤية مغايرة في مجال إبداع كوميديا جديدة لا يهم فيها أن يكون لها رسالة أو دور أو أي مما يردده أصحاب الأقلام المتعالية الرذيلة  .. ألا يرى شعراء زماننا الكبار أن الكوميديا الجديدة تكمن مناطق عبقريتها في افتقاد فنون الدراما وأصولها وحرفية كتابتها وتمثيلها وإخراجها وكل الكلام المقعر الذي يردده النقاد ؟!! ..                       

ألا يكفيهم ما قدم هؤلاء من دراما اللادراما والنكتة بغير ضحكة و فنون تأنيب أصحاب العاهات والمساهمة في وأد كل معارفنا عن لغتنا العربية الفصحى وحتى العامية والشعبية لإنشاء لغة جديدة  بمفردات عشوائية طفيلية أخر حاجة ؟!

أخيراً آن لي أن  أردد مع كاتبنا العبقري عباس العقاد .. نحن لا يضحكنا كل شيء لا يبكينا .. وقد يكون الشيء مضحكاً ومبكياً كما  يقول أبو الطيب " وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء " !!!

 

مدحت بشاي

medhatbe@gmail.com

 

 

 

 

 

 

أخبار متعلقة :